الثلاثاء 06/مايو/2025

الخريطة الإدراكية الإسرائيلية وصخرة المقاومة الفلسطينية

الخريطة الإدراكية الإسرائيلية وصخرة المقاومة الفلسطينية

صحيفة الاتحاد الإماراتية 13/1/2007

طرحنا في مقال سابق السؤال التالي: هل يمكن للخريطة الإدراكية الصهيونية أن تتغير؟ وفي محاولتنا الإجابة، أشرنا إلى صعوبة ذلك، باعتبار أن أسوأ ما يمكن أن يحدث للمرء هو اهتزاز خريطته الإدراكية، وأنه سيؤدي إلى اللجوء للعنف فيما سميناه “المرحلة الشارونية”، وهي محاولة فرض الخريطة الإدراكية على الواقع الذي يتحداها. ولكننا أشرنا أيضاً إلى أن هذا عادة ما تتبعه مرحلة إدراك استحالة مثل هذا الوضع، وقد بدأ يحدث شيء من هذا القبيل في صفوف الكُتّاب الصحفيين الإسرائيليين الذين يعبِّرون عن الرأي العام الإسرائيلي ويوجِّهونه في ذات الوقت. فيحاول بعض الكتاب الإسرائيليين أن يُنبهوا المستوطنين إلى خطورة تخندقهم داخل خريطتهم الإدراكية الصهيونية التي ليست لها علاقة بأي واقع والتي تحجب عنهم الحقيقة، وأنهم للحفاظ عليها يلجأون إلى القمع والبطش والاضطهاد بدلاً من التعامل مع واقعهم متحررين من خريطتهم الإدراكية الصهيونية. فعلى سبيل المثال يرى “يهودا ليطاني” يديعوت أحرونوت (25 ديسمبر 2004)، أن العنف الذي تمارسه دولة الاحتلال على الفلسطينيين قد ترك أثراً سلبياً للغاية على المستوطنين الصهاينة إذ حولهم إلى حيوانات، ويمضي قائلاً: “لقد بدأت مسيرة السلوك الحيواني منذ زمن بعيد، ولكنها الآن تعطي ثمارها الأولية. هذه المسيرة لا تجري فقط على جانب واحد من الخط الأخضر، فهي تتسلل بسرعة إلى جانبه الآخر، إلى حياتنا اليومية في “إسرائيل” المتنوِّرة والديمقراطية! هذا السلوك الحيواني يصل إلى بيوتنا، إلى أنماط سلوكنا، بين الإنسان ورفيقه، في مراكز الأحزاب، في الطرقات، في ملاعب كرة القدم ومراكز الترفيه. عنف لفظي وجسدي لم نشهد له مثيلاً، وهو استمرار لذات العنف الذي نستخدمه تجاه الفلسطينيين في المناطق. ليس الجنود هم المذنبون، الاحتلال هو المذنب” .

وتتناول “شالوميت ألوني” نفس القضية، وتحذر من تفكك المجتمع الإسرائيلي فتقول: إن مجتمعنا تقوضه عباده القوة. إننا نقتل الفلسطينيين بطريقة تتسم بالخيلاء والخفة مما يسبب لي الكثير من القلق. ولا أتمتع بأي سلام حينما أرى هذا الحائط الذي نبنيه. نحن ننهب الأرض ونحطم أسلوب حياة شعب عاش في نفس المكان عبر قرون… نحن مشغولون بتخريب حقول ثلاثة مليون شخص والبنية التحتية الحيوية لمجتمعهم ونتظاهر بعد ذلك بأننا الضحية. لا يمكنني أن أستمر في الحياة مع استمرارنا في العويل أننا الضحايا دون أن نقيِّم أخلاقياتنا. من المهم أن ندرك أن الهجمات الانتحارية مسألة بشعة، ولكن الغارات الجوية تقتل أعداداً أكبر. وبينما نشعر بالألم لمقتل 900 مواطن إسرائيلي، ننسى أننا قتلنا ثلاثة آلاف من المدنيين الفلسطينيين” .

وطرحت “عميرة هاس” عدداً من الأسئلة الاستنكارية على الإسرائيليين في مقال لها بعنوان: “كل الشعب الإسرائيلي مشارك في جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني من خلال صمته وعدم احتجاجه عليها”، وهي تأمل من وراء تساؤلاتها أن يتجاوز الإسرائيليون خريطتهم الإدراكية التي تعميهم عن رؤية الحقيقة والخطر المُحدق بهم. وفيما يلي بعض هذه الأسئلة الاستنكارية: “هل يُعقل أن تكونوا كلكم مؤيدين لقوانين عنصرية تحظر على الإسرائيلي العربي العيش مع أسرته في بيت واحد؟ وأن تؤيدوا مصادرة المزيد من الأراضي واجتثاث المزيد من الأشجار والبيَّارات من أجل إنشاء حي جديد للمستوطنين أو شق شارع لليهود وحدهم؟ هل يُعقل أن تؤيدوا كلكم (أيها المستوطنون) إطلاق القذائف والصواريخ التي تقتل الشيوخ والأطفال في غزة؟ هل يحتمل أن توافقوا كلكم على أن يكون ثلث الضفة (غور الأردن) محظوراً على الفلسطينيين، وأن تؤيدوا السياسة الإسرائيلية التي تمنع عشرات الآلاف من الفلسطينيين من حملة الجنسيات الأجنبية من العودة إلى عائلاتهم في المناطق؟ هل غُسلت أدمغتكم بالذرائع الأمنية إلى حد قبول منع الطلاب الغزاويين من الدراسة والعمل في الضفة وأبوديس، أو منع المرضى من رفح من الحصول على العلاج في رام الله؟ هل سيكون من السهل أن تدعوا أنكم لم تعرفوا أن الدولة تمارس التفرقة في توزيع المياه (الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية)، وأن آلاف المنازل الفلسطينية تُترك دون مياه طوال أشهر الصيف، وأن إغلاق الجيش الإسرائيلي لمداخل القرى يعني منع سكانها من الوصول إلى الينابيع أو صهاريج المياه؟ هل يعقل أنكم لا ترون البوابات الفولاذية على امتداد الشارع 443 في الضفة الغربية التي تمنع القرويين الفلسطينيين على امتداده من الدخول، وأنكم لا ترون منع دخول آلاف المزارعين إلى أراضيهم وأشجارهم وفرض الإغلاق على غزة، الأمر الذي يمنع دخول الأدوية إلى مستشفياتها، وقطع إمدادات المياه والكهرباء لـ1.4 مليون إنسان، وإغلاق المنفذ الوحيد الذي يوجد لهم على العالم طوال أشهر؟ هل يعقل أنكم لا تعرفون ماذا يحدث على مسافة ربع ساعة من مكاتبكم ومعاهدكم؟ وهل يخطر بالبال أنكم تؤيدون الأسلوب الذي يقوم فيه جنود عبرانيون بإيقاف عشرات آلاف الأشخاص في طوابير على الحواجز المنصوبة في قلب الضفة الغربية يومياً تحت الشمس اللاهبة ومن بينهم امرأة حامل تلتف على الطابور تطالب بحسن التصرف ولكنها تحتجز لساعات عن قصد” .

من الواضح أن صمود المقاومة العربية في لبنان وفلسطين في الحرب النفسية التي شنها الجيش الإسرائيلي منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى تحت عنوان “كي الوعي” أفشلها تماماً، وتحولت إلى “كي الوعي الإسرائيلي” (أي تقويض الخريطة الإدراكية) التي لم تعد تثق بتصريحات كبار المسؤولين في الدولة أو التقارير الإخبارية التي تنشرها الصحف الإسرائيلية أو تبثها القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، حيث فقدت وسائل الإعلام الإسرائيلية مصداقيتها وشفافيتها في تغطية واقع الأحداث. لقد فشلت وحدة عمليات تشويه الوعي التابعة للجيش الإسرائيلي في تحقيق هدفها الرئيس، والذي كان يتمثل في استغلال التصدعات والانقسامات في المجتمع الفلسطيني من خلال شن عمليات حرب نفسية واسعة ومتطورة (محادثات مفبركة -بيانات وتصريحات مزورة -منشورات تحريضية -أعمال تخريبية ضد الكنائس). فعندما أغلق الجيش الإسرائيلي معبري كارني ورفح، قام أفراد وحدة عمليات تشويه الوعي بتعليق لافتات ضخمة أمام المواطنين الفلسطينيين، كتب عليها: “مغلق، بسبب حماس”.

ولقد كشف “يوني شدمي” و”باراك رافيد” في مقالة بعنوان “الحرب النفسية الإسرائيلية ضد العرب” (معاريف ديسمبر 2005) أن “إسرائيل” سلكت نفس الطريق في حرب لبنان، وألقت منشورات تدعو السكان إلى الخروج ضد “حزب الله” بدعوى أنه تسبب في تدمير لبنان من أجل سوريا وإيران. والطريف في الأمر أن “رون شلايفر”، أحد أكبر الخبراء الإسرائيليين في الحرب النفسية، لم يرحب بفكرة المنشورات التحريضية، ورأى أنها وسيلة بدائية لا تتلاءم مع التطور التكنولوجي الحديث الذي وصل إليه الفلسطينيون، ولذا اقترح تصميم موقع إليكتروني يجمع بين رسائل الحرب النفسية وتحيات من أسرى فلسطينيين سجناء في “إسرائيل” إلى أقربائهم، وظل يؤكد أن ما لا يقل عن 50 ألف فلسطيني سيزورون هذا الموقع يومياً بصورة منتظمة. ويرى “شيدمي” وزميله “رافيد” أن الخبراء الإسرائيليين لم ينسوا قوة الأطفال الفلسطينيين، ولذا عمدوا إلى ابتكار الوسائل التي يمكن أن تثير الرعب بينهم، وكانت إحدى أخطر هذه الوسائل هي خرق “جدار الصوت” من قبل الطائرات الإسرائيلية حتى تحدث ضجة هائلة تختفي معها أصوات العالم الخارجي، وربما تتسبب في انهيار المباني وتحطم الجدران والنوافذ. بيد أن الجيش الإسرائيلي فوجئ بالأطفال يحملون الحجارة ويلقون بها على الطائرات. وهكذا تتحطم الخريطة الإدراكية الإسرائيلية على صخرة المقاومة .

والله أعلم .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...

الاحتلال يُمدد اعتقال 58 أسيرا إداريا

الاحتلال يُمدد اعتقال 58 أسيرا إداريا

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين وجمعية "نادي الأسير الفلسطيني"، بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت 58 أمر...