الأحد 11/مايو/2025

استراتيجية حمقاء … بوش يواجه الشعب العراقي

زياد أبوشاويش

قبل أن نتناول بالبحث والتحليل مفاصل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق المحتل ، لابد لنا من الإشارة إلى مبدأ أساسي يحكم السلوك الامريكى في العراق وفى أي مكان على سطح الكرة الأرضية ويقول ببساطة إن أي استراتيجية يجب أن تكون في خدمة المصالح الأمريكية وحمايتها ، وتعزيزها ، وفى أضعف الحالات الحفاظ عليها . وهو المبدأ الذي يحكم معظم استراتيجيات الإمبراطوريات البائدة وكل الدول الكبرى الحالية ، هذه المصالح التي يجب أن تبقى حتى على حساب الأمم والشعوب الأخرى .
من هنا يمكننا أن نبحث بطريقة أكثر جدوى عن خلفيات ودوافع كل مفصل وكل قرار تأخذه إدارة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية ، بما فيها العملية المرذولة والمدانة لإعدام الرئيس الأسير صدام حسين كفاتحة لاستراتيجية جديدة في العراق ، بعد أن فشلت كل الأساليب والطرق السياسية والدموية في خلق نموذج الأمركة ارتباطاً بمنهج هؤلاء المحافظين وتطلعهم لتعميمه على المنطقة العربية ،باعتباره النموذج الأنسب للحفاظ على سيطرة أمريكا على خزان الطاقة الرئيسي في العالم ، وحماية ظلها الصهيوني في المنطقة  .
أمريكا تنتصر … هذا ما أعلنه بوش الابن قبل عدة أشهر في توصيف الحالة الاشتباكية الجارية في العراق . وقبل أيام يعلن أن أمريكا تواجه صعوبات جدية ، وتحتاج لاستراتيجية جديدة للخروج من المأزق العراقي الخطير .
وفجر هذا اليوم الحادي عشر من يناير 2007  طالعنا الرئيس الامريكى بخطابه المنتظر شارحاً استراتيجيته الجديدة ، والتي هي في حقيقتها قديمة جوهرياً ، والشيء الجديد تقريباً يتعلق بزيادة عدد القوات الأمريكية المحتلة في العراق . ونحن هنا لن نركز على الحديث العام والهوَس الذي حاول بوش من خلاله تسويق خطته الجديدة ، هذا التخويف من انتقال ” الإرهاب ” للأراضي الأمريكية إن لم تنجح أمريكا في كسب معركتها بالعراق ، والتي لم يكتف هذه المرة ببلده بل قام بتحذير الدول الصديقة كمصر والسعودية ودول الخليج بأن هذه النتيجة السلبية في العراق ستعنى دمار حكوماتهم وسقوطها أمام المتطرفين .
والملفت للنظر في هذا الحديث العام أن الرئيس الامريكى تعاطى مع العراق باعتباره دولة تابعة ولا يتمتع بحرية اتخاذ القرار كما حاول أن يصوره قبل طرح خطته الجديدة القديمة ، بل إن لهجته في الحديث عن الحكومة العراقية الحالية هي لهجة استعلائية ، وبدا كمن يصدر أوامر لها وليس أمامها سوى التنفيذ والا فقدت رعايته الأبوية !

الشق العسكري من الاستراتيجية الجديدة :
إن اشد ما يلفت النظر في هذه الخطة أنها تعتمد بشكل رئيسي على القوة العسكرية ، وتعزيز القدرة على القتل والتدمير ، وأنها ( اى الخطة ) لا تتناسب مع الهدف المعلن لكل العملية الأمريكية في العراق والمنطقة ، حيث يرد الهدف الرئيسي المتمثل في خلق عراق ديمقراطي جديد موحد ومتطور ، بينما تستخدم الخطة التي تحقق شيئاً آخر تماماً ، وربما يلزمنا توضيح هذه النقطة على وجه الخصوص لأنها تلخص جوهر الخلل في هذه الاستراتيجية المزعومة .
والمقصود بذلك أن استخدام المزيد من القوة واستقدام المزيد من القوات واعتبار الشق العسكري هو المقرر في هذه الحالة ، هو إلحاق الهزيمة بالعدو وتعزيز السيطرة الميدانية على ساحة المعركة بكل مفاصلها ، وليس توحيد العراق ودمقرطته وخلق النموذج الإنساني الجميل كما يدعي بوش وفريقه المتطرف لأنه وبكل وضوح لا يوجد جيش عراقي في مواقع محددة وساحة معركة تنفذ فيها أمريكا خططها العبقرية ، بل يوجد شعب العراق الذي يواجه الاحتلال ويرفضه وبأغلبية كبيرة ، وبالتالي فإن انتصاراً عسكرياً لأمريكا في العراق سيكون بأثر معاكس لما تتوخاه وتدعيه الإدارة الأمريكية المحافظة ، وهذا ما تم تجريبه مع بداية الحرب حين سقطت بغداد بسرعة ، وأعلن بوش انتصاره المؤزر والذي ما لبث أن انقلب إلى هزيمة تقترب من تجربة أمريكا المريرة بفيتنام .
إن زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق يمثل الجانب الأهم في الشق العسكري من الخطة ، هذه الزيادة التي تعنى زيادة التواجد الامريكى في المدن العراقية وبالتالي عدد القتلى الأمريكيين ، ولأن بوش يعرف هذا فقد برر هذه الزيادة بما ذكرناه حول التخويف كسياسة معتمدة وناجحة لتسويق الأمر على الشعب الامريكى وهو ما رفضه الديمقراطيون في الكونجرس الامريكى ، وهو ما يمكن أيضاً مواجهته من جانب الشعب العراقي بالزج بنسبة أعلى من مقاومته في المعركة وعلى حد معلومات شبه مؤكدة فإن المقاومة العراقية تزج بأقل من عشرين في المئة من قوتها ، على أساس أن معركتها مع الاحتلال ستطول لسنوات عديدة .
يقول بوش في خطابه الهستيري أن استراتيجية الإرهاب في العراق نجحت ، وهذا غير مقبول للشعب الامريكى ، وأن هذا يحدث رغم أن الحكومة العراقية العميلة قامت بكل ما طلبناه منها .
إذن وبشكل منطقي أن الفشل يعود للولايات المتحدة التي يجب أن تغير استراتيجيتها ، وأن تزيد عديد قواتها في العراق وفى بغداد على وجه الخصوص ، حيث يقول بوش في وصف الإخفاق وأسبابه إنها تعود لكون التطهير العنفي من جانب قوات الاحتلال لبعض المناطق يفشل خلال فترة قصيرة وفور مغادرة هذه القوات للمناطق الممشطة . وأن زيادة العدد وإشراك القوات العراقية بأعداد كبيرة أيضاً ستعطى الفرصة لسيطرة مديدة ودائمة في هذه المناطق ليبدأ بعدها الشق المدني من الخطة حسب زعم بوش .
إن زعم الرئيس الامريكى بأن 80% من العنف على حد تعبيره يقع ضمن دائرة بقطر 30ميل حول بغداد ، وفى غربها تحديداً يجعل من التركيز عليها يأخذ شكل الزج بعدد أكبر من القوات الأمريكية والعراقية في هذه المنطقة ، وهو ما سيتعامل معه الشعب العراقي باستراتيجية جديدة سنراها خلال الأسابيع القادمة . ولم ينس بوش أن يعين قائداً عراقياً ميدانياً وله مساعدان مع نشر 18 لواء من الجيش والشرطة في بغداد ، وواضح أن التركيز على بغداد يستهدف الجانب الاعلامى من هذه الخطة كون أي هدوء ولو نسبى في بغداد ستظهر بعض النجاح المرغوب في خطة بوش العرجاء .
كما تشمل الخطة العسكرية نشر 4 آلاف جندي أمريكي في الانبار لتعزيز القوة الأمريكية التي تمنى يومياً بخسائر كبيرة في هذه المنطقة ، والتي اعتبرها بوش خزان الإرهاب والإرهابيين من القاعدة وغيرها ، والتي زعم أن الأمريكيين ينجحون باستمالة شيوخ عشائرها في مواجهة هذه المقاومة على حد زعمه . ولم ينس في خطابه التهديد بمطاردة هؤلاء الإرهابيين عبر التغلغل فيها والتفتيش من بيت إلى بيت مما يشير بشكل واضح إلى الأسلوب الهمجي واللا أخلاقي الذي ستتبعه الإدارة الأمريكية في معركتها الخاسرة بالعراق .
إن قصف الأماكن والبيوت السكنية ببغداد ومهاجمة شوارعها وبعض أحيائها ينبىء عن ملامح هذه الخطة وعقلية من ينفذها ، كما يظهر حجم التبعية والارتهان من جانب حكومة العراق الحالية ، والتي لا تستطيع سوى الانصياع لهذه السياسة وتنفيذها بحذافيرها .
ومن اللافت أن بوش حدد نهاية نوفمبر من هذا العام كمحطة أخيرة في رحلة السيطرة العراقية الكاملة على الأوضاع في العراق وللقضاء على ما تسميه إدارة الاحتلال بالإرهاب  ولتسهيل عمل هذا الاحتلال وهو ما يعنى أن الإدارة ستغير أسلوب تعاملها مع حكومة المالكي الميليشياوية وسترفع الغطاء عنها إن لم تنجح في قمع ما تسميه أحياناً بالتمرد ، بل وأكثر فإن المالكي مطالب بإنهاء ظاهرة الميليشيات التي تسيطر على مؤسسة الجيش والشرطة ، وربما تكون هذه من أصعب المهمات المطلوبة من العراقيين ، وبمعنى آخر فإن المعارك على الطريقة الصومالية يجب أن تقوم بها حكومة بغداد وليس قوات الاحتلال ، وكما ذكرنا في مطلع مقالنا فان المصلحة الأمريكية وإدارتها تقتضى تقليل عدد القتلى الأمريكيين قدر الامكان وهو ما يمكن عمله فقط من خلال إلقاء العبء الأكبر في الاشتباكات المباشرة على عاتق الجيش العراقي التابع لهذه الحكومة التي ما زالت حتى هذه اللحظة تعتمد بشكل رئيسي على الميليشيات الشيعية المرتبطة أساساً بإيران ، والتي اتضحت صورتها ونفوذها في الإعدام الهمجي للرئيس صدام حسين .
إن التهديد الامريكى على لسان بوش قد تم تبريره باعتبار حكومة المالكي لا تتعامل بشكل صحيح مع هذه المليشيات ، وإن التدخل الدائم من جانب بعض السياسيين والضغط الميليشياوى يمنع في كثير من الأحيان القوات الأمريكية من الضرب القاسي لبعض أماكن الإرهاب على حد قول بوش .
ويضيف في خطابه ” إن حكومة المالكي إن لم توافق على هذا النهج فستخسر الدعم الامريكى ” إذن هناك إنذار واضح على هذا الصعيد والمطلوب أن تنتهي حكومة المالكي من هذا الملف في أقرب وقت حتى تنال الرضا والدعم الأمريكى ، وهو أيضاً ما سيسمح بحرية اكبر لحركة القوات الأمريكية في مطاردة المقاومين والتفرغ لقتالهم في أماكنهم على امتداد الساحة العراقية .
وأخيراً وفى الجانب العسكري أشار إلى منح صلاحيات أعلى بكثير من السابق للقادة الميدانيين ، سواء في قواعد الاشتباك أو في القدرة على كسب المرتزقة والمؤيدين عبر منحهم صلاحيات الصرف المالية على هؤلاء . وفى السياق الزج بعدد اكبر من الخبراء  في أوساط الجيش العراقي لزيادة قدرته الفنية وتجهيزه بطريقة أفضل ، وتكبير حجمه لتحمل الأعباء بدلاً عن القوات الأمريكية .

وفى الشق المدني من الخطة الجديدة :
تأتى في رأس أولويات الشق المدني من الخطة عملية المصالحة العراقية المزعومة ، الأمر الذي دعا الرئيس الامريكى للطلب من حكومة المالكي إعادة النظر في قانون اجتثاث البعث ، وبمعنى أوضح ضرورة إشراك البعثيين في إدارة شؤون البلاد ، ومترافقاً في إطار المصالحة مع دور أعلى للسنة في الحكومة وفى الاستفادة من عائدات النفط العراقية وهو ما أشار إليه الرئيس الامريكى صراحة وبالنص ” تقاسم الموارد النفطية بين كل العراقيين ” .
كما لفت إلى ضرورة تلبية حاجات الناس ورفع مستوى معيشتهم ، وتخصيص عشرة مليارات من الدولارات لإيجاد فرص عمل جديدة من اجل التقدم الاجتماعي .
كما طالب بإجراء انتخابات محلية في هذا العام ،مع تقديم مساعدات اقتصادية ، تستميل بها الناس وتمنع انضمامهم للمقاومة قدر الامكان .
وفى ذات الشق المدني من الخطة ، يأتي الضغط الاقتصادي والتهديد للدول المجاورة التي تتهمها أمريكا بدعم المقاومة عبر تقديم المال من إيران أو تسهيل العبور من سوريا ، وبدل أن تلتزم الإدارة بتوصيات لجنة بيكر هاملتون بالخصوص ، والداعية إلى بدء تعاون جدي مع هاتين الدولتين ، تجاهل السيد بوش ذلك ، ولجأ كعادته الى التهديد والوعيد الذي ما عاد يخيف أحدا .
وفى تناوله لشؤون المنطقة وإشكالاتها المؤثرة على خطته في العراق فقد أشار بشكل عابر وهزيل الى ضرورة إيجاد حل لمشاكل أفغانستان وفلسطين ولبنان .
وكما نلاحظ فإن كل ما طرحه الرئيس الامريكى في استراتيجيته الجديدة لا يقدم شيئاً نوعياً ، لكنه قصد أن يقدم خطته بعد حملة إعلامية منظمة من أركان إدارته ترافقت مع الهجوم النموذج الذي قامت به القوات الأمريكية وحليفها العراقي على شارع حيفا المعروف ببغداد ، والذي تعمدت وسائل إعلامها وإعلام حكومتها التابعة الإشارة لوجود مقاومين أو إرهابيين على حد تعبيرهم من جنسيات غير عراقية .
وبرغم المعارضة الجدية من قبل ” الديمقراطيين الأمريكيين ” في الكونجرس الامريكى فإننا نرجح أن يطبق بوش خطته الجديدة بأعلى حد من الضجيج الاعلامى ، محاولاً الإيحاء بان الانتصار أصبح وشيكاً في لعبة تبعد عن إدارته وسمعته شبح الهزيمة المتوقعة في العراق .
إن إدراك بوش لنتائج سقوطه في العراق ،وما ستلحقه بحزبه وبه شخصياً من أذى يطال سمعته الشخصية في التاريخ الأمريكى ، ويؤدي الى خسارة حزبه في الانتخابات الأمريكية القادمة ، سيجعل من المعركة القادمة سواء في بغداد أو الانبار ، أو غيرها من خزانات المقاومة العراقية معركة كسر عظم بشكل حقيقي ، وهو ما سيجعل المقاومة العراقية تلجأ الى أساليب وخطط جديدة ومبتكرة لإلحاق الهزيمة با

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات