الجمعة 09/مايو/2025

الحكومة.. وسياسة المبادئ

إيمان رمزي بدران

إن الناظر نظرة المتفحص في الداخل الفلسطيني يرى وبوضوح معالم مرسومة لسياسة جديدة، يصح للناظر أن يسميها ” سياسة المبادئ “، مع ما تحمل هذه التسمية من جمع للمتناقضات معا في آن واحد !

فالسياسة في القرن الماضي وحتى تشكيل الحكومة الفلسطينية الحالية كانت تتسم بالعشوائية وتقوم على ردود الأفعال غير المنضبطة ، بل لا أبالغ حين أقول أنها لم تكن قائمة على مبادئ عامة بل لا تتفق مع أي مبادئ على الإطلاق فقد كانت تتسم بالكذب و التضليل والخداع ، وما زلنا نذكر وعد بلفور الصادق ووعد بوش الكاذب ! وما كامب ديفيد الثانية إلا نتيجة طبيعية لهذه السياسة ، فكيف تجتمع ومبادئ الحق والعدل والحرية والمساواة ، فالاحتلال هو الاحتلال مهما حاولنا أن نزين طبيعته الكريهة إلى النفس .

ولأول مرة منذ عقود مع هذه الحكومة تجتمع المتناقضات لتشكل نمطا غريبا من السياسة من حيث الشكل ؛ ولكنه مع هذه الحكومة أخذ طريقه في مداخل السياسة ليحولها من فن الكذب إلى القيام على القضية من جديد بما يصلحها ، وأراه يتخذ طريقه ليصبح منهجا وبرنامجا سياسيا وطنيا ، هذا طبعا بعد أن يستوعب ” الحرس القديم ” مجمل التغيرات والمعادلات الجديدة التي أرستها الانتخابات الأخيرة . ولكن هل تستطيع هذه السياسة أن تفرض نفسها على مجتمع دولي قام على الغطرسة والعدوان ، والكيل بكل مكاييل الأرض خاصة حين يتعلق الأمر بحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة !

إن الناظر إلى الوضع العام بعد تشكيل هذه الحكومة يرى استحالة أن تستمر أكثر من شهرين أو ثلاثة على أكثر تقدير ـ وبسبب سياسة المبادئ ـ واعتقد الكثيرون أنها ستسقط بمجر أن تبدأ ألاعيب السياسة من الداخل والخارج ، والضرب من تحت الطاولة وفوقها وعن يمينها وعن شمالها ، لعلمهم أن من تسلموا زمام الأمر هم أشخاص عقائديون لا يمكن لهم أن يتأقلموا مع هذه الأجواء ولا أن يديروها ، علما بأنه ومن الناحية النظرية البحتة كان بإمكان هذه الحكومة أن ترمي بالحرس القديم إلى زاوية التاريخ المظلمة لو أظهرت استعدادا بسيطا للتفريط بالمبادئ ، ولكن هيهات أن تفعل وهي التي خرجت من رحم حركة حافظت على وحدتنا الوطنية في أحلك الظروف رغم ما تعرضت له من الحكومات السابقة من اعتقالات واغتيالات وعنف ، ولكنها استبدلته بتحريم الاعتقال السياسي بل وتجريمه !

والواقع أن المؤسف والمثير للعجب أن بعضا من أبناء شعبنا والمحسوبين على قواه الوطنية يدفع باتجاه هدم هذه السياسة، ويدفع باتجاه التفريط بالحقوق، ثم يزعم أن ذلك من مصلحة شعبنا ! وهنا أتساءل : ما المصلحة التي جناها شعبنا من عقود خلت من التنازل تلو التنازل والانبطاح بعد الانبطاح بدعوى الاعتراف الدولي والتسويق الدولي ـ على أهميته ـ وماذا يفيد الاعتراف الدولي إذا كنا أفقدنا أنفسنا كل ما يمكن لنا مستقبلا أن نفاوض عليه وهنا أنفسنا بل وقوت أبنائنا ومستقبل أجيالنا برضا الآخرين عنا ، هذا الرضا الذي لم يجلب لنا الحقوق ولم يحرر لنا الأرض ، بل إننا إذا سلمنا للمجتمع الدولي بشروطه على ماذا سنفاوض بعد ذلك ؟

إذن ، فأملنا الوحيد هو رفع سقفنا من جديد لتصبح لدينا أوراق نستطيع من خلالها أن نكلم العالم هذا العالم الذي لا يفهم إلا لغة القوة والثبات ، وعلينا أن نفرض عليهم بثباتنا أن يعترفوا بحقوقنا قبل أن يطالبونا بالاعتراف للسارق بملكية المسروق ، والاعتراف بحقنا المشروع في المقاومة ، قبل أن يطالبونا بنبذ ” الإرهاب ” ، وعلى الشرعية الدولية أن تنصفنا أولا حتى يطالبنا العالم بأن نعترف بها !

فعلينا أن نستمسك بسياسة المبادئ فهي الأمل الوحيد لكي نستدرك ما فاتنا ، ونصلح عقودا من الانبطاح والتسول أفقدتنا ماء وجهنا ، قد ندفع ثمنا باهظا ، ولكنه لن يكون شيئا بعدما تؤتي هذه السياسة أكلها ، وفد تتعب أجسادنا ولكن يجب أن لا تقتر العزائم ، قد نجوع زمنا ولكن أجيالا قادمة ستنعم بالحرية والرخاء . ” إذا غامرت في شرف مروم ، فلا تقنع بما دون النجوم “.
 
* عضو رابطة أدباء بيت المقدس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...