كيف سقطت المسرحية الأمريكية في اغتيال رئيس العراق؟

يظهر أن الرئيس الأمريكي بوش لا يمل من تجاهل الأخطاء الفادحة التي يرتكبها وإدارته التي يتحكم فيها المحافظون الجدد، كما لا يتوانى عن الاستمرار في تكرار الأطروحات والتقارير التي ثبت ويثبت كذبها وفشلها على أساس وهمه بأنه يمكن لبلاده وعملائها في بلاد الرافدين والمنطقة العربية أن يكسبوا الحرب في العراق ويحولوا شعب هذا البلد صاحب حضارة الستة آلاف عام الى خدام للإمبراطورية الأمريكية، ويجبروهم على التنكر لهويتهم وإنتمائهم العربي القومي وإيمانهم أن مستقبل ازدهار وعزة هذه الأمة من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي لا يمكن أن يقوم سوى على وحدتها .
في بداية سنة 2006 قال محللون، أنه بالنسبة للبعض لم يعد حبل الكذب بقصير حيث أن الإدارة الأمريكية الحالية يمكن أن تحصل على جائزة الاًوسكار في فن التضليل والكذب، لأنها تفوقت على سابقاتها سواء في عهد بوش الأب أو كلينتون الديمقراطي في اختلاق الأكاذيب لتبرير حصار وقصف العراق. بوش الابن وطاقمه كان الأفضل في حملة التضليل ضد العراق حتى تم غزوه وإحتلاله .
بوش والثأر من العراق
يقول مقربون من بوش الابن أن هذا الأخير كان مهووسا وحتى قبل أن يصل الى رئاسة البيت الأبيض في سنة 2000 بضرورة الثأر من الرئيس صدام حسين وعراق حزب البعث وذلك لعدة اسباب منها أن تفاعلات حرب واشنطن سنة 1991 ضد العراق لإخراجه من الكويت كانت أحد اسباب عدم نجاح بوش الأب في الفوز بفترة رئاسة ثانية. كما أن بوش وطاقمه من المحافظين الجدد المتشبعين بأساطير انجيلية وتوراتية كانوا مقتنعين أنه بدون صياغة عراق جديد مقسم طائفيا على أساس تصوراتهم، وبدون صهر بقية الشرق الأوسط في قالب سموه الشرق الأوسط الكبير أو الجديد في نطاق الفوضى البناءة التي بشرت بها وزيرة الخارجية رايس لن يكون بالإمكان إقامة الإمبراطورية العالمية الأمريكية .
ويؤكد العارفون بأبعاد وأشكال التحالف الصهيوني الأمريكي أن ساسة البيت الأبيض مع بوش الابن كانوا مصرين على تدمير العراق حتى يفشلوا مشروع بناء قوة اقليمية كبرى على الطرف الأقصى لشرق الأمة العربية وليعاقبوه لأنه تجرأ في سنة 1991 على قصف عمق فلسطين المحتلة بالصواريخ ولأن حكومة العراق قدمت ملايين الدولارات للفلسطينيين وخاصة لأسر كل منفذي العمليات الإستشهادية بل أقدمت على تزويد حزب الله اللبناني أشهرا طويلة قبل تحرير الجنوب في مايو 2000 بما يزيد عن 3400 صاروخ مضاد للدروع، زد على ذلك أن العراق لم يتخلف عن المشاركة في كل حرب عربية مع الكيان الصهيوني .
أوهام النصر تبخرت
بعد أن سقطت البوابة الشرقية للأمة العربية في 9 ابريل 2003 تحت الإحتلال تصور بوش وطاقمه أنه انتصر في الحرب ولهذا لم يتردد في مايو من نفس السنة في أن يعلن أن المعارك الكبرى قد أنتهت. وكان وزير دفاعه رمسفيلد قد أكد له أن المقاومة العراقية التي كانت في بدايتها ليست أكثر من محاولات يائسة من جانب جزء من الجيش العراقي والحرس الجمهوري الذي حله الحاكم الأمريكي بريمر وأنها سوف تموت وتختفي بسرعة .
لما تصاعدت حدة المقاومة تصور بوش وطاقمه أن الأمر يعود لكون الرئيس العراقي بقي طليقا وأنه يقود المقاومة ويحرض أنصاره على القتال، واقتنع هؤلاء ومعهم العملاء الذين جاؤوا على متن دبابات الإحتلال ليشكلوا واجهة شكلية للحكم أنه لو سقط الرئيس صدام أسيرا أو قتيلا فإن الحرب ستضع أوزارها .
سقط صدام في الأسر يوم 13 ديسمبر 2003 واحاط الأمريكيون العملية بجدار من الأكاذيب والادعاءات بناء على تخطيط علماء نفس وخبراء في الدعاية وذلك بهدف توجيه ضرب لمعنويات العراقيين الرافضين للإحتلال والذين رأوا في صدام رمزا لعراق كريم عزيز .
وضع أسرى الحرب
أسر صدام حسين لم يأت بالنتائج التي تطلع لها بوش وطاقمه بل على العكس زادت حدة المقاومة ومعها الخسائر البشرية والمادية الأمريكية حتى وصل حجم المصاريف في بداية سنة 2006 الى زهاء 8400 مليون دولار شهريا، وعمليات للمقاومة تقارب الألف كل اسبوع .
يوم 9 يناير 2004 اعلنت الولايات المتحدة رسميا ان وضع أسرى الحرب يطبق على الرئيس صدام حسين، وهو ما كان يعني استحالة تسليمه لطرف آخر، لأن ذلك يخالف معاهدة جنيف. إدارة بوش المتخصصة في الخدع روجت لوضع أسير الحرب لأنها كانت تتصور أنه يمكن التوصل الى صفقة مع الرئيس العراقي حول المقاومة اذا لم ينجح جيشها ومرتزقتها في كسب النصر .
الصفقة المرفوضة
الصفقة المقترحة كشفت عنها بشرى الخليل، المحامية اللبنانية، وإحدى عضوات هيئة الدفاع عن الرئيس العراقي، حيث ذكرت أن صدام رفض نقل محاكمته من داخل العراق إلى خارجه حفاظا على حياته، بعد أن أبلغه رمزي كلارك، وزير العدل الأمريكي الأسبق، الذي انضم إلى هيئة الدفاع عنه، بأن الهيئة تعمل من أجل تحقيق ذلك، ورد صدام : “ولدت قي العراق وعشت في العراق، وأريد أن أبقى وأموت في العراق”. وخاطب صدام كلارك قائلا: “قل لكل الأمريكان: إن القواعد العسكرية الأمريكية لا يمكن أن يكون لها مقر في العراق. إذا شاؤوا فليدرسوا تجربة الإنكليز مع العراقيين في الخمسينيات.. لا صدام ولا غير صدام يملك أن يقرر في هذا الأمر. الشعب العراقي لا يمكن أن يقبل “.
وأضاف صدام متحدثا عبر شاشة تتيح للقوات الأمريكية أن تسجل حديثه بالصوت والصورة: “يظنون بأنني أقاتلهم من أجل وظيفة (في إشارة إلى رئاسة الجمهورية). قلت لهم: أنا لا أقاتل من أجل وظيفة.. أنا أقاتل دفاعا عن بلدي”. واستنتج ملاحظون أن هذا يعني أن منصب رئاسة الجمهورية كان موضع تفاوض .
وأكد صدام : “المقاومة تنبثق عن الشعوب حين تحتل أرضها. العراق الذي احتلت أرضه انبثقت عنه مقاومة ككل شعوب العالم في مثل هذه الحالات، والشعب العراقي هو من يملك المقاومة.. لا صدام ولا غيره يستطيع وقف المقاومة .
وقالت المحامية بشرى الخليل إن صدام قال لها في شهر أغسطس 2006 إنه يعلم أن حكم المحكمة جاهز، وأنه كان مستعدا لدفع ثمن تماسكه ورفضه المساومة على قضية العراق مقابل حياته .
قرار الإغتيال صدر من البيت الأبيض
بعد أن أكدت أغلب التقارير العسكرية والإستخباراتية في منتصف سنة 2006 أن الولايات المتحدة تخسر الحرب في العراق أو لا تكسبها حسب تعبير بوش الابن في شهر ديسمبر الماضي، وبعد أن خسر الجمهوريون انتخابات الكونغريس النصفية في نوفمبر 2006 ذكر مقربون من الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني والوزير المستقيل رمسفيلد أن هؤلاء كانوا يعيشون كابوسا في يقظتهم عن أن صدام سيشهد أفول نجمهم كما فعل مع الرؤساء والوزراء والنواب الذين سبقوهم، وأن المقاومة قد تتمكن من إعادته الى السلطة في بغداد .
خلال سنة 2006 قال الرئيس بوش بشكل متكرر وبوتيرة فاقت بعدة مرات سابقاتها أن صدام سيعدم قبل نهاية العام، وكذلك قالت حكومة المنطقة الخضراء الكلام نفسه، وهذا يعني أن القرار كان قد صدر في البيت الأبيض ولم يكن تنفيذه أو تعليقه إلا مرتبطا بدرجة نجاح واشنطن في عقد صفقة مع الرئيس الشرعي للعراق أو مع المقاومة .
المحكمة الهزلية التي أنشأها المحتل لم تكن سوى غطاء لإعطاء وهم شرعية قرار إعدام الرئيس صدام حسين .
بوش وهو يصدر الأمر باغتيال الرئيس صدام حسين بالإضافة أنه كان يفعل ذلك انتقاما من هزيمة سيسجلها التاريخ لأقصر الإمبراطوريات عمرا في التاريخ الحديث ، فإنه ظل واهما مرة أخرى بأن القتل يمكن أن يأتي له بالنصر الذي حلم به وهو يشاهد دبابات قواته تسقط تمثال الرئيس العراقي في ساحة الفردوس وسط بغداد يوم 9 أبريل 2003 .
محاولة إذلال
كما أراد بوش بتنفيذ حكم الإعدام يوم عيد الأضحى أن يرسل إشارات اعتبرها بمثابة إهانة وإذلال للمسلمين في كل مكان انتقاما من الكوارث التي الحقوها بسياسته من أفغانستان مرورا بالعراق والسودان وغيرها، وقد حرص المحافظون الجدد أن يوجهوا إهانة لجميع السنة في العالم لأن الإعدام مورس على طريقة طائفية لا تمثل الشيعة العرب العراقيين، وأنما مثلت طائفة شيعية أخرى، ولقد كان إهانة للعروبة والمشروع القومي .
إخراج مسرحية قتل صدام كانت فاشلة من البداية الى النهاية وقد فضحت المستور عن تخبط لا يليق حتى بجمهوريات الموز التي كانت الولايات المتحدة تتباهى بالسيطرة عليها في أمريكا الوسطى، وستأتي بنتائج كارثية على الولايات المتحدة وكل حلفائها المحليين والإقليميين .
صحيفة لوس انجلوس تايمز ذكرت في الثلث الأخير من شهر ديسمبر أن كاميرات فيديو حديثة ستصور وقائع إعدام الرئيس العراقي وأنه سيتم نقل الوقائع مباشرة الى عدة مراكز في الولايات المتحدة، في حين ذكرت حكومة المنطقة الخضراء أن التسجيل لن يعرض للعموم. في نفس الوقت روج مستشار الأمن القومي موفق الربيعي أخبارا عن انهيار معنويات الرئيس صدام مع قرب تنفيذ حكم الإعدام وأنه أخذ يتوسل لحراسه .
بوش والبث المباشر لجريمة الاغتيال
مصادر رصد المانية أكدت في وقت متزامن مع إعدام صدام أن عدة خبراء في الخدع السينمائية موجودون في بغداد منذ بداية شهر ديسمبر وأن مهمتهم هي تعديل مشاهد الإعدام حتى يظهر صدام ضعيفا وخائفا مما قد يؤثر على معنويات العراقيين. نفس المصادر ومصادر اعلامية أمريكية ذكرت يوم السبت 30 ديسمبر أن الرئيس بوش شاهد مباشرة من مزرعته في تكساس عملية الإعدام مما دفع الناطقة بإسم البيت الأبيض الى الإد
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ103
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ103 على التوالي، ولليوم الـ90 على مخيم...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

استطلاع: نتنياهو يحصل على 48 مقعدًا والمعارضة 62
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام كشف استطلاع رأي نشرته صحيفة معاريف، اليوم الجمعة، أن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيحصل على 48 مقعدًا في...

الاحتلال يعترف بمقتل جنديين في اشتباكات رفح ويكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام نشرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، تفاصيل ثقيلة لخسائر صفوف جنوده خلال اشتباكات وقعت يوم أمس في...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...