الأحد 11/مايو/2025

كيف يمكن كسر حلقة الإفساد الحالية؟

رشيد
كيف يمكن كسر حلقة التخريب الدائرة في فلسطين الآن؟

أصبحت الحال في فلسطين صعبة فعلا؛ وتكمن الصعوبة في أن هناك طرفين يتنازعان الموقف؛ أحدهما مخلص ووطني وشريف ومؤطر شرعيا الى مستويات مثالية ربما تكون في بعض الأحيان حالمة ورومانسية ومفرطة في الانضباط وتستنتد لفقه يبالغ في الحذر والحرص؛ في حين أن الطرف الآخر يملك تراثا عريقا في التخريب وادارة التخريب ومحاولة التربح من الفوضى والخراب؛ وهو طبعا منفلت من أي عقال للحكمة والتعقل أو الخلق.

والصورة في فلسطين الآن قاتمة؛ فهناك الضفة التي تحولت حماس فيها وكل المؤسسات التي يشتبه في أنها تعمل من أجل القيم الاسلامية رهائن في أيدي الجبناء المسلحين الذين يعملون في وضح النهار ودون أي ملاحقة من جيش الاحتلال؛ بحيث أن مقار هذه المؤسسات وممتلكاتها العينية وشخوص العاملين فيها وشخوص عناصر حماس وأفراد عائلاتهم وبيوتهم وسياراتهم وباقي أملاكهم صارت كلها هدفا للرماية من اللحديين الجدد؛ الذين يستأسدون في ظل جراح حماس المثخنة صهيونيا؛ بين الاعتقال وملاحقة المطاردين.

وفي غزة تمتلك حماس قوة مسلحة؛ لكن فتح تعمد الى اشاعة القتل العشوائي والجرائم التي تهدف للتوتير ورفع درجات الاحتقان وكان أحد آخرها قتل الشيخ عادل نصار – اسلامي سلفي – والذي لم تتأخر وسائل اعلام غوبلز في تحميل دمه لحماس؛ وتهدف فتح بهذه التصرفات الى محاولة اتهام حماس بكل هذه الجرائم؛ أو على الأقل تحاول غرز أقدامها في مستنقع الوحل على اعتبار أن فتح لم يعد لديها سمعة طيبة لتخسرها وأي مشاجرة بين الصالحين والرعاع ستفضي لتوجيه ولو بعض اللوم للصالحين حسب منطق المجتمع العربي المسلم المحافظ والتقليدي.

هذا اذا: حفنة من القادة المرتشين الخونة والمفرطين بالحقوق قرروا وها هم ينفذون سياسة الخمسة بلدي؛ فيكملون مشوار اسرائيل في قمع حماس ويعاقبون الجماهير التي لفظتهم ويريدون أن يجهزوا المجتمع لانقلاب يطيح بالمقاومة ويحمل الشعب على الخيانة الجماعية. هذا هو هدفهم؛ والا لما كان التعريض بالقوة التنفيذية وكتائب القسام هو أبرز ما يستفرغه الاعلام الغوبلزي في كل أخباره وتقاريره.

وواضح أيضا أن الجماعة لا ماء في وجوههم؛ وما عاد يجدي حشد كل كلمات اسرائيل في دعمهم ولا ابراز أخبار تسليحهم من قبل الصهاينة والأمريكان – ما عادت تجدي في صرفهم عن غيهم وعيهم او كسر الحالة القبلية في التفاف جمهور فتح حول هذه القيادة الخائنة!

فما العمل؟ وكيف يمكن ردع هذه الشرذمة المارقة من استئصاليي فتح؟
عند التفكير في آلية ردع يجب الحرص على أن تكون هذه الآلية مضبوطة شرعا وقانونا وخلقا وفي العرف العام؛ ويجب الحرص بداهة على أن تكون هذه الآلية رادعة فعلا. برأيي ان دراسة تجربة سابقة لفتح في ظروف قريبة نسبيا توفر الاجابة.

في الحرب الأهلية في لبنان كانت فتح وكل الفرقاء حريصين على قصر وقود الحرب على عوام الأنصار. صحيح أن الفريق المسيحي شهد حروب اغتيالات عنيفة قتل فيها القادة مع أفراد عائلاتهم بمجازر وحشية – ما حصل مع عائلات فرنجية وشمعون – الا أن هذا كان استثناء تعلق برغبة زعامة مسيحية بعينها وهي رئاسة الكتائب اللبنانية – بشير جميل ثم سمير جعجع رئيس القوات من بعده – في فرض نفسها على الطائفة واصرارها على ذلك من منظور ديني ووطني سوغ لها قتل كل الزعماء المنافسين. لو تم استبعاد هذه الاغتيالات ولو تم استبعاد الاغتيالات التي تورطت فيها دول وقوى خارجية – ايران وسوريا واسرائيل والعراق وحتى دول الخليج وأمريكا – فان السياق العام للحرب كان حريصا على قصر المعاناة على الناس؛ وكان هناك تفاهم عجيب بين الفرقاء على حماية القادة واحترام حمايتهم وسلامتهم وسلامة افراد عائلاتهم. فتح بالذات قدمت أمثلة عديدة على هذا السلوك والذي كان يهدف فيما يهدف له الى ضمان سلامة قادتها في هذه الحرب التي أريد بها تحصين نفوذ المتحاربين ولو على حساب حياة البشر المساكين في قعر الهرم.

لنتذكر كيف أن ياسر عرفات حرص على اعادة بشير الجميل من بعد احتجازه – أيام كان حدثا – في مخيم تل الزعتر؛ وكيف حرص على اعادته معززا سالما الى والده. ولنتذكر كيف أن فتح والقوى المتحالفة معها حين قررت الانتقام للسبت الأسود باقتحام الدامور المسيحية وقتل من فيها فانها حرصت على استخراج أفراد عائلة الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون وارسالهم لكبيرهم سالمين؛ لا بل ان ياسر عرفات وقع صكا “على بياض” لتعويض شمعون عن التدمير الذي لحق بقصر العائلة في الدامور. ولاحقا حين فتك حزب الكتائب بالوطنيين الأحرار انتقل كميل شمعون السبب الرئيس في الحرب الأهلية ومجرم الحرب في تل الزعتر – انتقل الى مناطق نفوذ عرفات وحلفائه في بيروت الغربية ولقي هناك الحصانة والتكريم والحماية!

وفي مقابل هذه الحصانة التي كان عرفات وكانت فتح تمنحها لقادة “العدو” فانهم هم أيضا كانوا يمنحون هذه الحصانة لهم؛ ولا ننسى هنا كيف أن بشير جميل كان قد حذر “أبو علي حسن سلامة” من أنه سيكون عرضة لاغتيال وشيك. ولا ننسى شهادات المعاصرين عن الاجتماعات الحميمة التي كانت تجمع آل الجميل وقادة الكتائب مع عرفات وابو اياد وابو علي حسن سلامة رغم استعار المعارك وقهقة المدفعية!

هذا مثال على نوع الفوضى الذي تنشط فيه فتح وتقبل الانخراط فيه. فتح مستعدة للخوض في أجبن أشكال المعارك اضرارا بالناس والمدنيين البسطاء؛ طالما أن القيادة تسلم من الأذى! في لبنان فتح مارست نفس القتل العشوائي الدائر الآن في غزة؛ ومارست نفس الكذب ونفس القتل ونفس التخريب الذي تمارسه الآن في غزة؛ ومارست نفس التذرع بالفضيلة والتباكي عليها متسببة بالمعاناة للأبرياء من شعبنا أولا؛ ومن المدنيين اللبنانيين الذين لم يكن في الاذى الذي لحقهم أي فائدة لغرض الكفاح الفلسطيني لتحرير الأرض. وطالما كان الأذى والتخريب يدار بحيث يكون بعيدا عن القيادة فان أي وازع من ضمير أو خلق لن ينجح في وقف شذوذ قادة الزعران في غابة البنادق!

ربما لو كان في لبنان وقت حربه الأهلية حزب واحد يمتلك قيادة شريفة ويمتلك القوة الكافية لتوقفت الحرب سريعا؛ اذ كان يكفي ان يقوم هذا الحزب بتحميل المسؤولية للقتلة الكبار ومشعلي الحرب ويقتص منهم بضرب رقابهم ولا يتلهى بالأذناب! وأهم من ذلك أن تكون قيادته حرة شريفة؛ لا أن تكون منتفعة مجرمة تريد المتاجرة بالدماء والحروب لمصالحها الخاصة! وربما لو شعر أمراء الحرب اللبنانيون أن استمرار الحرب يعني تهديدا جديا لشخوصهم لراجعوا أنفسهم كثيرا بخصوص استمرار الحرب؛ أو ليس القتل أنفى للقتل؟

وبالعودة لفلسطين…

أعتقد أن على الطرف الخير في هذه الحرب منع فتح من استمرار اللعب وفق قواعد اللعب البيروتية. يجب على حماس وقوى المقاومة معها كسر حلقة التخريب الفتحاوية بتغيير قواعد اللعب؛ وتحويلها الى قواعد لا تمنح الحصانة للقتلة الكبار بل تدينهم بكل ملفات الجرائم التي تورمت وتضخمت مما فيها من قرائن وأدلة على خيانة أصحابها واجرامهم وفسادهم. حين يحدث هذا وحين يعرف قادة الافك والتخريب والافساد أنهم غير محصنين فان أجل الحرب الأهلية سينقصف وسيطرق قادة الخيانة للأرض- أو من يتبقى منهم! – ويطلبون الحديث بواقعية ويعيدون مراجعة موازين القوى على الأرض!

وهذه ليست أبدا دعوة للقتل العشوائي؛ بل دعوة للحساب والمحاسبة بأي قانون محترم في أرض فلسطين من أول دستور حركة الجهاد المقدس في ثلاثينيات القرن الماضي الى آخر ما توافق عليه الناس في فلسطين.

ولا أقصد هنا لا سمح الله أن قيادة حماس مارست للآن سياسة لوردات الحرب اللبنانية في شراء السلامة بالسكوت عن القادة الفجار! لكن حماس تأخرت للآن في محاسبة هؤلاء نظرا لقراءة فقهية وسياسية ترى أن السكوت عنهم أحقن للدم وأحفظ لحقوق الناس؛ وربما بات واضحا الآن أن على هذا الاجتهاد أن يتغير أو يراجع بشكل جذري.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات