السبت 10/مايو/2025

المقاومة هي الحل

سوسن البرغوثي

لا شك في أن الحدث الجلل والأكثر إيلاماً الذي مسّ مشاعر وكرامة الأمة الإسلامية والعربية، تمثّل بالأسلوب الهمجي في طريقة وتوقيت تنفيذ عملية إعدام الرئيس صدام حسين، والكل يعلم بأن المحكمة أو المسرحية التي تابعنا فصولها جميعاً هي من صنع الاحتلال تخطيطاً وتنفيذاً بامتياز، وعليه فإن الاحتلال يتحمل المسؤولية كاملة، أما عن استخدام الاحتلال لعدد من خونة العراق وأيّ كانت طائفتهم أو مذهبهم أو انتماؤهم فهو يصّب في رغبة الاحتلال إيقاع وتصعيد حرب طائفية مذهبية، ولمصلحة المحتل أولاً وأخيراً موظفاً رغبة الانتقام والثأر لمصالحه وأجندته.فهل استطاع هذا الحدث الأليم أن يفقدنا بوصلة الحقيقة، وهل ساهم في خلط الأوراق الوطنية؟.

لا بد من وقفة مراجعة دقيقة ولا بد من إعادة الوهج الإعلامي النظيف إلى المقاومة العراقية والحد من الاختراق الإعلامي البديل الذي يعطي صورة مشوهة عن المقاومة في الشارع العربي، فالمقاومة العربية في فلسطين ولبنان ليست في جيب أحد، وعلى ذلك علينا أن ندرك أيضاً بأن التحالفات السياسية لا تعني الارتماء المطلق في حضن أجندة الآخر، ولا يمكن أن نجحف المقاومة والمقاومين الشرفاء حقهم ونلغي أو نجبّ تضحياتهم وانتصاراتهم، فنحن إن فعلنا ذلك سنجد أننا ندافع عن سياسات أمريكا و”إسرائيل”، وندفع دون أن نقصد بتيار ما يسمى بالمعتدلين العرب إلى تحقيق نصر عجزوا عن تحقيقه حتى الآن على أرض الواقع.

نحترم ونجلّ كل شهداء الأمة العربية الذين ضحوا من أجل حرية الأمّّة العربية، فالمقاومة هي الخيار الوحيد للشعب العربي على جميع الأصعدة بعد أن أغلقوا في وجهه كل السبل الأخرى، وعلينا أن لا ننسى وصايا الشهداء بنبذ الأحقاد فيما بيننا والتحلي بروح المقاوم الوطني الأصيل.
فالجبهات الثلاث المقاومة على الساحة العربية موجهة ضد محتل أمريكي واحد، ومحتل صهيوني واحد يعملان لتثبيت الكيان الصهيوني كخنجر مسموم في قلب الوطن العربي، ولعل ما واجهته قاعدة صهيونية متحركة في العراق من ضربات المقاومة قبيل اغتيال الرئيس صدام حسين، يقودنا إلى أن “إسرائيل” أيضاً تلعب دوراً واضحاً في إيقاع الشقاق بين العراقيين، وتزيد من توغل الموساد في ظل انعدام السيادة العراقية، وبوجود حكومة فلتان وفوضى أمني تساهم في اغتيال العراق الواحد، ليطمع كل من يريد اقتسام العراق المنهك المتهالك، وهو بلا شك يصب في مصلحة أعداء أمريكا لاستمرار وجود قواتها في العراق.

إن الأجواء الضبابية وحالة الإحباط تسمح للتيار العربي المتصهين بأن يقوي من أطروحته، خاصة وأن الشعوب العربية تغط في حزن عميق. هو العشاء الأخير لموت أمّة أمامها خيارات الانقسام بفتن طائفية أو حزبية، أو خيار التحديات، وليس بالمعنى القطري البحت لمصلحة كل دولة عربية على حده، فهذا يسهل التهامها وتذويبها إلى دويلات وكنتونات، ويشيع الفوضى التي بشرت بها رايس، ثم تفعيل وتنشيط صياغة هذه الفوضى بنظرية “الشرق الأوسط الجديد”، والذي يلغينا جميعاً ويلغي هويتنا ووجودنا كأمة لها جذور وتاريخ من النضال ضد أعدائها.

علينا أن ندرك ونعترف بأن الوطن العربي من المحيط إلى الخليج محتل بشكل أو بآخر، ويقبع في عصر قمع وديكتاتورية المحتل وبأيدي وجرم عربي وفتن تجعل عملاء التصهين الأمريكي  أكثر من تربة صالحة لبث السموم ضد المقاومة، وما انتصار المقاومة في العراق والاعتراف بهزيمة أمريكا، إلا سبباً لاعتماد منهج المؤامرات، ودليلاً جلياً على أن المقاومة كبدت المحتل خسائر فادحة، وأجبرتهم على التراجع إلى جحور الظلام يحيكون الدسائس لتفريق الشعب الواحد.

أما الخونة فلا وطن ولا دين لهم، وليسوا معنيين بأي حال بمصلحة البلد، بقدر تحريكهم كدمى لمرحلة معينة ثم يتم التخلص منهم، وهذا ما ستثبته الأيام بالتخلص السريع من “مقتدى” الحاقد الغبي الذي بلع الطعم، ومن ثم إسقاط حكومة المرابي “المالكي”، وبعدها لن يتمكن “الحكيم” بدهائه ومطلبه اعتلاء السلطة ولو على خراب العراق من السيطرة على مقاومة شريفة مرادها تحرير العراق.

وهذا الحال نفسه ينطبق على المقاومة في فلسطين وفي لبنان، فالفعل المقاوم واحد وإن اختلفت الأيدلوجيات وأسلوب التعامل مع المحتل، فهم بكل الأحوال يقفون على أرض يعرفون التركيبة الاجتماعية والسياسية فيها.
الاحتلال لا يفرق بين فرد وآخر بأي بلد يحل به خراباً وتدميراً، ومساعيهم للتفريق دعم لسيادته وخدمة مجانية نقدمها له محمولة على جثث أهلنا ودمائهم، ودمار الأرض وإحراقها.

النائبات من المفترض أن تجمع أهلها على التفكر والتبصر، أما تكفير وإقصاء المقاومة هو مبتغى الطامعين ويثير شهوة التيار العربي الذي يدعم الاحتلال لبقائه سيفاً مسلطا على رقابنا، لنقدم لهم الجمل بما حمل.
عندما يجتاح وباء البلاد يُجتث من جذوره، ولا نهاجم آثاره السلبية التخريبية، فإن تم القضاء على الداء، تزول العوامل الهادمة التي ترعرعت بكنفه ورعايته.

“إسرائيل” صنعت انقساماتنا واختلافاتنا، وصنعت رؤوس عربية في الحرب الأهلية في لبنان سابقاً، فماذا كانت النتيجة التي وصلنا لها، وماذا استطاعت سلطة أوسلو والحكومات المتتالية في العراق أن تثبت؟، غير أنها أدوات طيعة يغلب عليها صفة الخنوع إن لم تكن صفات أخرى أكثر واقعية ومرارة.

من المفترض أن النكبات العربية علمت الشعوب دروساً وأوصلتهم إلى وعي ونضج سياسي أكثر، إلا أن ترجيح واستخدام وسائل مبتدعة من أجل الإطاحة بالأمة ككل، جعلهم يصلون بسرعة فائقة إلى تسجيل انتصار على جبهة الصمود والتصدي، واختراق المجال الوطني بإبعاد الأنظار عن الخطر الأصلي الحقيقي.

لا أكتم أن الصدمة كانت مؤلمة، ولكن عندما نضع بعين الاعتبار أن هناك حريقاً سيقضي على الجسد الواحد ولن يستثني أحداً، وأن نختار بإرادتنا الطعن بالمقاومة وبأفراد يقفون بصمود في وجه الأعاصير، فهو الغباء والجهل بعينه، ومبايعة للمحتل وأعوانه دون أن ندري!.

فإما أن نتوافق بالسير على درب شهدائنا وأبطالنا العرب الشرفاء، وعلى نهج من لم يستسلم ولم يقايض السلطة من أجل نجاته الشخصية أو من أجل حكم ذليل، وأن ندعم بكل الوسائل المتاحة والممكنة مسير قافلة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين نحو التحرير، وأن نعلن موقفاً واضحاً أمام ما نشاهده من اختراق وتمزيق للوطن العربي من أكثر من بوّابة، وأن نكون كلنا مقاومة لأننا كلنا دون استثناء مستهدفون، وإن لم نفعل ذلك فالخوف كل الخوف”على أمتنا السلام”…

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات