السبت 10/مايو/2025

تكبيرة واحدة واثنان وعشرون رجلاً

د. عوض السليمان

لو هاجمت الذئاب قريتك التي تسكن فيها، فلا شك أنك ستخاف على مالك وولدك، فتهب للدفاع عن القرية بكل ما تملك من قوة. فإن لم تستطع فعل ذلك وحيداً، دعوت إخوتك وأقرباءك. فإذا كان عدد المدافعين لا يفي بالغرض، فستطلب مساعدة المقاتلين من القرية الثانية، وربما الثالثة وربما تطلب المساعدة من اثنتين وعشرين قرية من قرى إخوانك وأهلك المحيطة بك. أهل القرى المجاورة سيهبون لنجدة القرية المنكوبة، وهذا أمر طبيعي، فلو عدت الذئاب على القرية الأولى لمزقتها شر ممزق، فإذا جاعت مرة أخرى، هاجمت القرية الثانية ثم الثالثة إلى أن تنتهي من القرى الاثنتين والعشرين جميعها. فلو اجتمع المقاتلون من هذه القرى جميعهم وعلى لسانهم تكبيرة واحدة”الله أكبر” ثم حملوا على الوحوش حملة رجل واحد لهزموها ولطردوها من غير رجعة.

ظهرت شوكة في حقل والدي المليء بالحنطة، وفي كل مرة أذهب معه كنت أحاول قلع تلك الشوكة، ولكنها كانت قاسية وخبيثة. لاحظ والدي ذلك فدعا جميع إخوته وأبنائه، وقال لهم هلا ساعدتموني على قلع هذه الشوكة، فإنها إن بقيت أهلكت زرعي و زرعكم. اجتمع الرجال وكانوا أيضاً اثنين وعشرين رجلاً ، وضعوا يدهم على جذع الشوكة ومع تكبيرة واحدة “الله أكبر” كانت الشوكة أثراً بعد عين.

ها هي الذئاب تعدو على قرانا قرية إثر قرية. هجمت على أفغانستان، فقتلت شعبها الفقير، واستبدلت حقول الحبوب بحقول المخدرات، بل وقصفت طائراتهم أعراس البسطاء، ودمرت عن قصد بيوت الفلاحين الطينية، لم تتوان عن إبادة النساء وخطف الأطفال. فماذا فعلت القرى الإسلامية الأخرى؟ إما لا شيء وإما بشرت بالفتح الأمريكي، الذي سيقضي على إرهاب المزارعين في أفغانستان.

القرى العربية قالت: وما شأننا بأفغانستان، هؤلاء جماعة متشددون دعونا نتخلص منهم فهم خطر علينا وعلى تسامحنا.  

ولكن الذئاب ما لبثت أن اعتدت على العراق، وأول شيء فعلته في “فتحها لبلاد الرافدين”، أن بحثت عن أفضل الأساليب وأسرعها في قتل العراقيين، واغتصاب نسائهم، وزج الباقي في سجن أبي غريب، “منارة الديمقراطية”، وعَلَمُ “ثقافة الحياة” التي جاءوا بها إلى بلادنا.

وأيضاً هذه المرة، صمت مخاتير القرى العربية، وإن كان بعضهم قد رحب بالفكرة، فاحتلال العراق هو تخلص من النظام البعثي المتشدد، حيث سمعتُ أكثر من مختار أو عمدة عربي، تكلم عن نصحه للرئيس صدام حسين، بأن يتخلص من أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته، وهم يعلمون على كل حال، أن ليس للرجل، وليتها كانت، أسلحة دمار شامل. والملفت في هذه النصيحة التي يجب أن تكتب بماء الذهب، أنها اقتصرت على العراق وتوجهت إلى قرية عربية، والأولى أن يتوجه أصحابها إلى إسرائيل التي تملك السلاح النووي والجرثومي وتجربه على أبناء جلدتنا وديننا في لبنان وفلسطين صباح مساء.

وسقط الرئيس صدام في يد الذئاب، فصنعوا له محاكمة قبل أن يأكلوه، فعلوا، قاصدين، كما قال تعالى في سورة الأنبياء” فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون”، حتى تكون رسالة للحكام الآخرين فلا ينبسون ببنت شفة.

ولكن حكامنا الميامين، أبوا إلا أن يكرموا أمريكا، فشنت وسائل إعلامهم حملة مسعورة على المقاومة العراقية الباسلة، ونعتوها بالزندقة والكفر مرة، وبالإرهاب مرة أخرى، فحسبنا الله ونعم الوكيل، كيف أصبحت المقاومة إرهاباً، وكيف أصبح الدفاع عن العرض والوطن إجراماً. وتخلى مخاتير القرى العربية عن العراق، وتسابق كبارهم، لإثبات الولاء لأمريكا، من خلال تقديم المعلومات الاستخبارية للقضاء على المجاهدين، أو من خلال إصدار الفتاوى التي تجرم المقاومة وتتهما بالعصيان والخروج على الطاعة. ومن خلال شجب العمليات الفدائية التي يقوم بها المجاهدون هناك ضد القوات الأمريكية.

وفي طرفة عين، أصبحت أمريكا مظلومة في العراق، والشعب العراقي هو الظالم المجرم. فتابعت الذئاب مخططها وتساءلت من أين يأتي المجرمون إلى العراق، فقالوا من القرى العربية المجاورة، فبدأت أمريكا تخطط للقضاء على هذه الدول، وسيبرر لهم العرب ذلك، إذ أن هدف أمريكا الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، بل والدفاع عن الولاة الذين عينتهم في بلادنا، فالإرهاب خطر عليهم أيضاً.

ولقد قالوا أكلت حين أكل الثور الأبيض، وقد أحسنوا إذ قالوا الثور ولم يقولوا شيئاً آخر، فالثور فقط هو من سيفرح أن أخاه الأول أكل وكذلك الثاني إلى أن يأتي دوره ولات حين مندم. ويجب ألا نتعب من تكرار القول أن أمريكا ستبدأ بجواسيسها وأزلامها في المنطقة فتقضي عليهم قبل غيرهم، إذ تنتهي صلاحيتهم بالنسبة لها، عندما تتغير الخطة، فتطلق عليهم النار وتحرقهم. تماماً كما يفعلون بالدواب الهرمة الخطرة على البيئة.

الناظر إلى القرى العربية، يلحظ دون عناء، أن مخاتيرنا ليسوا أشرفنا ولا أعلمَنا، ولا أكثرنا تديناً، ولا أشجعَنا، فمن هم إذاً وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه من سؤدد وغنى؟ لا أظن أن الجواب يخفى إلا على جاهل. ولم أرد هنا أن أجيب عليه، ولكنني أردت فقط، أن أفهم، والحالة هذه، لماذا تتناحر الدول العربية فيما بينها، وتتفاخر بسبّ الآخر والتآمر عليه.

معظم، إن لم نقل، كل الدول العربية المتجاورة، تتمتع بعلاقات سوء الجوار. وهذا يعكس تماماً حالة مخاتيرنا في البلاد العربية، الذين لم يأتوا بإرادتنا، ولم يتكلموا يوماً باسمنا، ولم يقيموا لنا اعتباراً في تصرف أو مفاوضات أو مؤامرات.

إذاً، فالتناحر بين الدول العربية، ليس تناحراً بين الشعوب، هو تناحر بين القيادات. فالشعوب العربية متلاحمة متآزرة، تكاد تحمل كلها الأفكار نفسها. وها أنذا أعيش في فرنسا وألتقي بالعرب من كل الجنسيات، وهم، حقاً، يحملون الهموم نفسها والأفكار نفسها. كلهم بكى على العراق، وكلهم دعا على الظالمين، وكلهم يدعوا رباً واحداً ويفتخرون برسول واحد وبأبي بكر واحد، لا أحد يقول كان عمر من جنسية كذا أ أو كان عثمان من دولة كذا، فمحمد، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، لنا جميعاً. وفوق ذلك كله، فكل هؤلاء العرب يكرر تكبيرة واحدة” الله أكبر”. ولا تستغربوا إذ يكرر كل واحد منهم قصة الظلم في بلاده كأنه ينقلها عن الآخر. بل كلهم يروي الأخبار نفسها عن المعتقلات وأساليب التعذيب، وعندما يصف أحدهم القطاع الصحي في بلده فهو يتكلم وكأنه يعرف حال المشافي والدواء في البلاد العربية كلها . ولن أذكركم كيف يتكلم كلهم العربية نفسها ، ويستخدم المصطلحات ذاتها، ويرى في نومه الأحلام عينها.

ومع ذلك، فلا تزال الذئاب تمزق في جسدنا، ولا تزال الشوكة في حلق هذه الأمة مزروعة في فلسطين رغماً عنا.

لا يجهل جاهلنا فضلاً عن عالمنا، إن إسرائيل هذه، لا تتحمل بُصاقنا، قبل جهادنا، فنحن الذين صنعنا مقولة ” إسرائيل دولة لا تقهر”، وأنها أقوى منا وأشد من مجاهدينا، لأن حكامنا لا يعيشون إلا في ظل الانكسارات والانهزامات فحافظوا عليها وتاجروا بنا وبدماء شهدائنا.

ولو سمح بالجهاد ضد إسرائيل لهرب جيشها بأسلحته النووية قبل بدء المعارك فقد” نصرتُ بالرعب مسيرة شهر”.

صدقوني، إسرائيل هذه الشوكة، لا تحتاج إلا لاثنين وعشرين رجلاً وتكبيرة واحدة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات