حاجة حماس إلى السياسة وحاجة المقاومة لحماس
من الإجحاف الحكم على تجربة حماس (كحكومة) بالفشل لأنها لم تعط لا فرصة ولا وقتا لكي نعدل في الحكم على تجربتها ،فالحصار مفروض على الحكومة التي شكلتها من الداخل والخارج ،وتركة الحكومات السابقة من البيروقراطية والفساد تنوء بحملها الجبال.
ولكن حماس وجدت نفسها مضطرة إلى تبني خطاب مرن،وإلى تغيير –ولو كان تكتيكيا- في الطرح،صحيح أن حماس ترفض الاعتراف بإسرائيل لكنها خففت إلى حد ما من حدة خطابها وهي ملتزمة بالتهدئة مع إسرائيل ،ولكن حماس تعلم أن المطلوب منها أمريكيا وإسرائيليا بطبيعة الحال أكثر من مجرد تصريحات واقتراحات حلول ،فالمطلوب من حماس هو التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين ،ومن الطبيعي أن ترفض هذا المطلب بشدة.
لكن وضع المقاومة الفلسطينية بدون حركة حماس وذراعها العسكري ضعيف ،ولقد رأينا كيف أن حماس بعد انتهاء تهدئة عام 2005م بستة أشهر نفذت مع ألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام عملية “الوهم المتبدد” وهي عملية نوعية بكل المقاييس لم يسبق لها مثيل،ولا أحد ينكر أن معظم الضربات الموجعة للكيان العبري كما ونوعا كانت من نصيب حركة حماس.
إجمالا تنحصر المقاومة –عموما- في قطاع غزة وتقتصر حاليا على إطلاق الصواريخ على المستوطنات والمدن الجنوبية مثل أسديروت وعسقلان، علما أن أقوى العمليات الحمساوية خرجت من الضفة الغربية،هناك مقاومة يقوم بها بعض عناصر كتائب شهداء الأقصى تتمثل في التصدي لدوريات الاحتلال في بعض المدن خاصة في شمال الضفة ،ونصب بعض الكمائن على الطرق،ويلاحظ أن حجم هذه الأعمال قليل جدا مقارنة مع عدد المحسوبين على كتائب الأقصى وعدد قطع السلاح المتوفرة لديهم،ويضاف إلى ذلك عمليات مشابهة تقوم بها سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي خاصة في شمال الضفة، عدا عن محاولات السرايا تنفيذ عمليات في داخل الخط الأخضر ،ولكنها في الفترة الأخيرة فشلت جميعا واعتقل القائمون عليها من قبل المخابرات الإسرائيلية.
وبالإضافة إلى غياب جناح حماس المسلح عن العمل من وفي الضفة الغربية فإن عناصر وقيادات ووزراء ومؤسسات حركة حماس في الضفة عرضة لعمليات انتقامية مستمرة من عنصر محسوبة على فتح بسبب تفوق حماس العسكري في غزة،ولم تستطع حماس في رام الله وجنين ونابلس من تنظيم مهرجانات واحتفالات بمناسبة انطلاقتها بسبب بطش أجهزة الأمن وعناصر مسلحة من فتح بالمشاركين بتلك الاحتفالات ،ولا يكاد يمضي يوم في الضفة الغربية دون إطلاق النار على شخصية حمساوية أو مقربة من حماس أو حرق سيارات لعناصر ووزراء أو مؤسسات اجتماعية وخيرية تابعة للحركة ،فيما ترد حماس على تلك الأحداث –في الغالب- بإصدار البيانات المنددة والمستنكرة والمتوعدة بإنزال أقسى العقوبات وأشدها على الفاعلين،وعلى المدى المنظور فإن شعبية حماس تزداد بسبب ضبط النفس في الضفة الغربية ،خاصة أن الجماهير الفلسطينية خائفة ورافضة لامتداد الاقتتال إلى الضفة،ومن لا يلجأ إلى الانتقام فإن الجمهور سيحترمه ضمنا ،ولكن غياب حماس عن المقاومة في الضفة قد يعطي انطباعا آخر بخصوص ما يعتبر ضبطا للنفس وحرصا على الوحدة الوطنية ،فلو كانت لحماس نشاطات مقاومة في الضفة فلن يفسر الأمر على أنه ضعف أو “تحقيق توازن قوى” بين قوة حماس في قطاع غزة وضعفها المفترض في الضفة الغربية.
بالتوازي مع ذلك فإن حماس أو جزءا منها لم تعد مجرد حركة مقاومة تقول ما تشاء وتفعل ما تريد ،لأنها باتت جزءا من النظام السياسي الفلسطيني ومطلوب منها علاقات خارجية وخدمات للسكان كونها تشكل الحكومة الحالية،وهي بحاجة في الوقت الحاضر إلى المرونة السياسية قدر الإمكان لكسر الحصار والوفاء بالتزامات خدماتية للفلسطينيين ،وقد حققت اختراقات ملحوظة في هذا السياق ،وهذا طبعا على حساب المقاومة التي نجزم بالحكم عليها بالضعف أو شبه العجز بدون حماس.
إسرائيل تعتبر أن حماس تسعى لكسب الوقت لتقوية جناحها العسكري والتقاط أنفاسها وكسر الحصار عن حكومتها ،لهذا ترفض إسرائيل بشكل تام أن تشمل التهدئة مناطق الضفة الغربية حيث لا نشاط عسكري لحماس منذ مدة.
المعادلة صعبة إلى حد كبير فحماس كحركة مقاومة لا يمكنها الاستمرار بهذا النهج وإلا أضرت بالمقاومة الفلسطينية ككل ،وفي نفس الوقت لا يمكنها تجاهل الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني ،والمزاوجة بين فك الحصار والمقاومة صعبة للغاية في الظرف الحالي ،لا سيما أن الوضع الداخلي متوتر ويشهد حالات عنف مؤلمة للجميع.
الأفضل لحماس أن تسرع في إنجاز صفقة تبادل الأسرى ولو بتقديم بعض التنازلات بحيث تشمل الصفقة إطلاق سراح بعض قادة فتح لا سيما مروان البرغوثي ،لأن هذا سيعزز الوحدة الوطنية ويلجم دعاة الفتنة وقد يساهم في إحداث شراكة سياسية حقيقية بعيدا عن الاشتراطات الصهيو-أمريكية.
في الماضي كان هناك عنوان واحد لفتح هو الأهم والحاسم اسمه ياسر عرفات ،وبرحيل عرفات أصبحت هناك عناوين كثيرة،ومعظمها أو أقواها أثرا وصوتا معاد أو مستفز أو يسعى لإقصاء حماس ،ولكن صفقة “شاليط” لو تمت فستكون هناك عناوين جديدة قد تصبح بعد فترة قصيرة أقوى من العناوين الأخرى ،وستضمن حماس لنفسها موقعا آمنا في النظام السياسي بلا منغصات ،وفي نفس الوقت لن تخسر المقاومة الفلسطينية طرفا فاعلا ومؤثرا وقويا متمثلا بحماس.
*سري سمور – عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين.