السبت 10/مايو/2025

المأزق الأمريكي في العراق وتهدئة الجبهة الفلسطينية

د. محمد اسحق الريفي

منطقة الشرق الأوسط بصدد سياسة أمريكية جديدة تقوم على أساس نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار وإشعال النزاعات المحلية والإقليمية، وتهدف هذه السياسة إلى محاربة تيار الممانعة والمقاومة، لتتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من صياغة الشرق الأوسطي بما يخدم مصالحها ومشروعها الإمبراطوري وينسجم مع أيديولوجية المحافظين الأمريكيين الجدد.

المستنقع الأمريكي في العراق يعد عائقاً كبيراً في وجه المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، ومما زاد الأمر سوءاً بالنسبة للأمريكيين أنه بعد أن كانت الإدارة الأمريكية تعول على توظيف انتصاراتها وإنجازاتها العسكرية في العراق في القضاء على تيار الممانعة والمقاومة في المنطقة وإنهاء القضية الفلسطينية؛ أصبح الخروج بماء الوجه من العراق استراتيجية أمريكية لها أولوية كبرى، ويرجع هذا المأزق الأمريكي إلى إساءة الإدارة الأمريكية حساباتها فيما يتعلق بقدرة الشعوب العربية على مقاومة الاحتلال واستنزافه بشرياً واقتصادياً.

وللخروج من مأزقها الخطير لم يبق أمام الإدارة الأمريكية إلا تجنيد ما تسميها “الدول العربية المعتدلة” وحشد دعمها للخروج من المستنقع العراقي الذي وضع الولايات المتحدة الأمريكية وجهاً لوجه أمام حقيقة استحالة انتصارها في معركتها مع المقاومة وأوقفها صاغرة أمام ما دأبت الإدارة الأمريكية على تسميته “الإرهاب”.

لذلك فإن الإدارة الأمريكية تسعى اليوم إلى تكوين قوة عربية إسلامية تعمل على التصدي للمقاومة العراقية بذريعة حفظ الأمن ومساعدة حكومة المالكي على الاستقرار والاستمرار، بينما تبقى القوات الأمريكية المحتلة للعراق في مناطق محددة بعيداً عن الاحتكاك بالعراقيين، وهذا لا يمكن أن يتم دون تهدئة الصراع العربي الصهيوني وإيجاد حل شكلي للقضية الفلسطينية عن طريق خوض جولة جديدة من المفاوضات طويلة المدى، انسجاماً ما جاء في تقرير بيكر– هاملتون ربط بين المأزق الأمريكي في العراق والقضية الفلسطينية.

ولذلك فالولايات المتحدة الأمريكية لا تجد اليوم مفراً من تهدئة الأوضاع في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة حتى ولو أدى ذلك إلى إجبار كيان الاحتلال الصهيوني على تقديم تنازلات شكلية محدودة، والحقيقة أن الإدارة الأمريكية تحاول من خلال أطروحاتها الجديدة لحل القضية الفلسطينية إلباس سياستها الشرق أوسطية ثوباً جديداً يخفي قدراً كبيراً من المراوغة ويعتمد على الخداع والتضليل وكسب الوقت.

الدعوة إلى التهدئة وإعادة ترتيب بنود “خارطة الطريق” هي أبرز سمات السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، وتقتصر الخطة التي أعلنت الإدارة الأمريكية أنها تدرسها فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية مؤقتة قبل نهاية العام 2007م على إعادة ترتيب بنود خارطة الطريق ووضع جداول زمنية جديدة وإعطاء أولوية أكبر لتهدئة الجبهة الفلسطينية ليتسنى للولايات المتحدة الأمريكية تجنيد دعم حلفائها العرب لإنجاز مهامها.

محاولات التهدئة التي تشهدها المنطقة العربية والجبهة الفلسطينية تهدف إلى إتاحة الفرصة لحراك سياسي في المنطقة يقوض تيار الممانعة والمقاومة المتمثل في حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وهي تهدف أيضاً إلى إزاحة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» عن الحكم وإقصائها عن السلطة بتعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس وتقوية حركة فتح وإضعاف حركة حماس.

وبات من المؤكد أن سبب هذا التحول في طريقة تعاطي الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي مع القضية الفلسطينية ليس هو الخشية من اندلاع حرب أهلية، ولكنه الخشية من أن يؤدي الصراع بين حركتي حماس وفتح إلى إسقاط السلطة، لاسيما أن ميزان القوة في الشارع الفلسطيني يميل لكفة حماس فضلاً عن التأييد الشعبي الكبير الذي تحظى به حماس.

وهذا هو ذات السبب الذي حدا بالإدارة الأمريكية إلى الدعوة إلى تجاوز البند الأول من خارطة الطريق المتعلق بتفكيك الأجهزة العسكرية لفصائل المقاومة الإسلامية وتجريد المجاهدين والمقاومين من أسلحتهم…

والحقيقة أن تبني الإدارة الأمريكية لخطة جديدة تتضمن إقامة دولة فلسطينية مؤقتة قبل نهاية العام 2007م يتزامن مع خطة أمريكية أوروبية إسرائيلية مدعومة من بعض الدول العربية لتعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية ومدها بالأموال والسلاح ودعمها سياسياً واقتصادياً وإعلامياً…

وتجدر الإشارة إلى أن هناك توافقاً كبيراً بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية حول الدولة الفلسطينية، فهم يتفقون على أن تكون هذه الدولة مؤقتة، ويتفقون على تأجيل المفاوضات على القضايا الجوهرية (القدس، عودة اللاجئين، الحدود، المياه، الاستيطان) إلى مراحل مقبلة يتم فيها عقد مؤتمر دولي على شاكلة مؤتمر مدريد لمناقشة تلك المسائل الجوهرية العالقة. وهم يتفقون كذلك على تجاهل الحديث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

وتخشى حكومة كيان الاحتلال أن يؤدي هذا التوجه الأمريكي والأوروبي إلى اضطرارها إلى تقديم تنازلات وتحقيق الاستقرار في المنطقة على حساب المشروع الصهيوني، ولهذا سارعت حكومة الاحتلال بالإعلان عن إقامة مستوطنة جديدة في الضفة الغربية وقام المجلس الأمني المصغر للحكومة الصهيونية باتخاذ قرارات بمواصلة إجراءاتها العدوانية المعتادة ضد الشعب الفلسطيني والتضييق عليه.

وتتزامن الأطروحات الأمريكية والأوروبية مع تشجيع التهدئة الراهنة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، وذلك لتوفير أجواء مناسبة للحراك السياسي الذي يهدف إلى إطلاق جولة جديدة من مراوغات الاحتلال ومفاوضاته الماراثونية في محاولة لذر الرماد في العيون وتضليل الجماهير الفلسطينية والعربية.

والدليل على ذلك استمرار الاعتقالات الصهيونية للفلسطينيين وهدم المنازل الفلسطينية وإقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية واتخاذ قرارات على المستوى السياسي والأمني لتصعيد الأعمال العسكرية ضد الفلسطينيين بذريعة خرق المقاومة الفلسطينية للتهدئة مع الاحتلال.  وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الصهيونية قامت بتأجيل رفع عدد قليل من الحواجز العسكرية للاحتلال في الضفة، كما أوصى ضباط (كبار) في جيش الاحتلال الصهيوني بنقل هذه الحواجز إلى أماكن أخرى في الضفة بدلا من إزالتها.

لذلك فإن ما وصفت بأنها “إجراءات صهيونية لإبداء حسن النية” هي مجرد مراوغة صهيونية تهدف إلى تعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية وإضعاف حركة حماس وتعزيز وضع حركة فتح وإرباك الوضع الداخلي الفلسطيني والتشويش على الحكومة الفلسطينية والتشكيك بها.

وما يؤكد هذه المراوغة الصهيونية عدم وجود إجماع على المستوى العسكري والأمني لحكومة الاحتلال على التخفيف من إجراءاتها العدوانية ضد الفلسطينيين، فقد أبدى ضباط (كبار) في جيش الاحتلال معارضة كبيرة لهذا التخفيف بذريعة مكافحة الإرهاب هو الذي يسيطر على الساسة والعسكريين والأمنيين الصهاينة.

إن كل الأطروحات الأمريكية والأوروبية لحل القضية الفلسطينية لا ترقى للحد الأدنى للطموحات الفلسطينية، فشعبنا لن يقبل بإقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة على 89% من الاراضي المحتلة في العام 1967م، ولن يقبل بإقامة دولة فلسطينية مع بقاء الكتل الاستيطانية اليهودية ومبادلتها بأراض ضرورية للدولة الفلسطينية لتوسيع قطاع غزة لحل مشكلة الانفجار السكاني.

فشعبنا الفلسطيني لن تنطلي عليه هذه المحاولات الماكرة التي تحاول إدخاله مرة أخرى إلى نفق مظلم لا نهاية له، ولن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من الخروج من المستنقع العراقي إلا بكف عدوانها على شعوبنا والانسحاب من الأراضي التي تحتلها ووقف دعمها للاحتلال الصهيوني الغاشم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات