السبت 10/مايو/2025

أفي فلسطين عملاء؟! .. ربّاه لطفاً بنا

د. عوض السليمان

في المدرسة الابتدائية ومنذ الأيام الأولى للدراسة، تعلمت أناشيد تحرير فلسطين واستعادة الحق العربي – الإسلامي فيها. أذكر صورة لا تزال راسخة في ذهني حتى هذه اللحظة، وهي صورة أو رسم طفل يكتب بحجر أبيض طبشوري على الشارع فلسطين عربية. ولا أزال أذكر، وسأبقى، قصص بيّارات الليمون السليبة، وقصص أم سعد التي تخيلتها لدرجة أصبحت فيها حقيقة .

وانطبقت عندي صورة فلسطين مع صورة الفلسطيني، فكل فلسطيني هو فلسطين وهو رمز لفلسطين. وكنت أعتقد أن الفلسطيني لا يخطئ، ولا يظلم ولا يسرق، ولا يخون، بل هو الذي يُظلم ويُسرق ويُخان.

بقيت هذه الفكرة في ذهني سنوات طويلة، كنت إذا رأيت فلسطينياً في المدينة أسرعت للسلام عليه وتكلفت الأسئلة لأبقى معه بعض الوقت، بل وحدثت عن ذلك أصدقائي فافتخرت بذلك اللقاء وبالغت في حجمه وزدت قليلاً على ما جرى فيه.

كان عندي ما يبرر موقفي هذا، فما تعرضت له أرض فلسطين من اغتصاب، وما تعرض له الفلسطينيون من قمع وتشريد، وخيانة من الأشقاء قبل الأعداء. كل ذلك سيجعلهم “معصومين” من أن يقوموا بالتفريط بتراب فلسطين، أو أن يتآمر بعضهم على بعض.

لا شك أن أحداثاً مرت ونقاشات وقعت بيني وبين بعض الفلسطينيين أظهرت أن الناس في أرض الرباط ليسوا من فكر واحد وأن لبعضهم انتماءات قد لا نرتضيها، ولكنني حافظت دائماً على صورة واحدة لكل أهل فلسطين،   صورة المجاهد بالبندقية وبالحجر ضد أعتى أنواع الأسلحة الأمريكية – الصهيونية.

والتقيت أيضاً في فرنسا بكثير من الفلسطينيين الذين لا يشاطرونني وجهة النظر المتمسكة باستعادة فلسطين من البحر إلى النهر ، والتقيت بمن لا يهتم بالمسألة من أصلها فهو يعيش في أوروبا ولا يشغل خاطره بهذه المسائل.

ومرة أخرى كنت قادراً على تجاهل هذه الآراء معمقاً في الوقت نفسه صورة الفلسطيني المجاهد، الذي لا يمكن أن يبيع وطنه أو أن يفرط في بعض حقوقه.

كان استشهاد الرئيس ياسر عرفات مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، مع أنه كان مُعمراً ومريضاً. ولكنني تفاجأت من حيث أن ياسر عرفات كان رمزاً فلسطينياً ذا مكانة خاصة ، فقلما تذكر لفظة فلسطين دون اسمه. ولكن الأمر انتهى وقتل الرجل تحت نظر العالم وسمعه وما حرك العرب ساكناً لإظهار حقيقة الجريمة ، ولا ثأروا من قاتله، وتوقف شجاعهم عند التمتمة الخجولة حول المسألة. بينما لعبت أطراف فلسطينية على إخفاء الأمر والتقليل من حجمه.

وبعد ياسر عرفات، جاءنا محمود عباس، وأين هذا الرجل من ذاك ، ولكنه أصبح بوقت قليل أشهر من نار على علم، كيف لا فهو رجل أمريكا في فلسطين. وهنا كانت الصدمة حيث رأيت مباشرة ودون أي عمليات تجميل فلسطينيين يسوّقون لنا العدو ويتآمرون على القدس بل على تراب فلسطين كلها. ولا يستحيون من العمل ضد المقاومة جهاراً نهاراً.

لقد أفرزت الانتخابات الفلسطينية نجاحاً باهراً لحماس، ولما كانت هذه لا تريد الاعتراف بإسرائيل وتتمسك بالسلاح، حاربتها أمريكا والعالم “المتمدن”، وهذا أمر مفهوم، لكن عباساً أيضاً حاربها ووقف ضدها وساهم مع العدو في حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه.

وبدأ يبحث عن أية طريقة للقضاء على هذه الحكومة وعزلها، علماً أن الانتخابات جرت في ظل حكومته وبموافقته، فكيف انقلب عليها؟ والسؤال لا يحتاج إلى كثير من التفكير، فما يريده الصهاينة يريده عباس، وما يبغضه الصهاينة يبغضه عباس.

لم يقتصر موقف عباس على محاربة الحكومة الجديدة وتجويع الفلسطينيين، بل تعداه من خلال توجيه بنادق دحلان لصدور المجاهدين في فلسطين، وقيامه بمحاولة اغتيال من يقاوم العدو الصهيوني. فماذا نقول وكيف نصف من يريد قتل المدافعين عن تراب فلسطين؟، وفي سبيل من يفعل ذلك؟ وهل وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها قتل الفلسطيني، أفضل من قتل الصهاينة الذين اغتصبوا فلسطين؟!.

هكذا فقط بدأت أعرف أن ليس كل أهل فلسطين من المجاهدين ، وإن كنت مصراً أن هذه الفئة التي يقدمها دحلان وعباس هي الفئة القليلة التي لا يمكن أن تمثل شعب فلسطين العظيم. ولكنني عرفت أن في فلسطين خونة وعملاء. وبدأت أفهم تلك الأنباء الواردة من الضفة والقطاع والتي تتحدث عن إعدام عميل للصهاينة، باع شرفه من أجل حفنة من المال.

  إذاً لم يعد في فلسطين الشهيد فتحي الشقاقي ويحيى عياش والرنتيسي وأحمد ياسين ، بل هناك أيضاً العميل عباس والمرْتَزَق دحلان وغيره.  

اليوم أستطيع أن أذكر نقاشاً جرى بيني وبين أحد فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948. فقد زارني رجل فلسطيني إلى بيتي في فرنسا، لا أذكر اسمه وأكاد أنسى وصفه، قال لي: جئت إلى هنا أدعو المسلمين إلى الله فقد ابتعد الناس عنه. وبعد أن حدثني حديث الدعوة سألته، وكيف حالكم في فلسطين تحت ظل حكومة العدو ، فرد دون تفكير: أحسن حالاً منكم في سورية، فنحن نعيش في ديموقراطية قل نظيرها، وزوجتي تمشي في الطريق بالنقاب لا يتعرض لها أحد، وأنا- يتكلم عن نفسه- أتقن عدة لغات وتعلمت في أحسن الجامعات الإسرائيلية، فماذا نريد بعد ذلك، إننا ولله الحمد في وضع نحسد عليه، ولا ينقصنا إلا أن تكفوا أو قال “تفكوا عنا”. ألجمني جوابه، وأخرسني بيانه، وقطعت لساني فصاحته، فاستخدمت حذائي في طرده من بيتي.

فهل يمثل هذا الشخص أبناء فلسطين، أو هل يمثل الشيخَ رائد صلاح ورفاقه حفظهم الله.

بالطبع نتحدث اليوم عن فئتين في فلسطين، واحدة عميلة تخدم مصالح العدو وتدعو له بطول العمر، وفئة أرجو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شملها بقوله، لا تزال طائفة من أمتي على الحق…………وهم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات