الانتخابات الفلسطينية وأكذوبة استطلاعات الرأي
عرفت دول العالم الثالث استطلاعات الرأي متأخرة عن غيرها من دول العالم الأول والثاني، ويبدو أن جل استطلاعات الرأي في دول العالم الثالث بما فيها دول العالم العربي تعبر عن البيئة التي تصدر منه فما زالت تحمل بقايا مما يحمله عالمهم من تبعية مجهل ومكابرة وتخلف.
إن استطلاعات الرأي في العالم الأول أو الثاني لا تكون صحيحة مئة بالمئة، بيد أن الخطأ فيها قد يتجاوز الواحد في المئة؛ لذا يتبناها السياسيون والمنظرون والمحللون السياسيون ويعتمدون عليها لا سيما الاستطلاعات التي تجرى قبيل الانتخابات .
أما الاستطلاعات في عالمنا العربية وعلى قلتها فالكثير منها يعمل ضمن أجندة حزبية تبشر بنتائج سياسية من باب الدعاية الحزبية والحرب النفسية ضد المناوئين أو ما تتمنى مما ستحصده من أصوات مزورة، وأما إذا كانت الانتخابات نزيهة أو شبه نزيهة فإن قراءة النتائج غالبا تأتي بعكس ما بشرت به الاستطلاعات السابقة.
وما أجواء الانتخابات الفلسطينية الأخيرة قبل تسعة أشهر بعيدة عنها فمراكز الدراسات والاستطلاعات بشرت المناوئين لحركة حماس بالنصر المظفر على الحركة وأعطت هذه المراكز أرقاما ظلت تكابر بها طيلة فترة الدعايات الانتخابية وحتى قبيل الإعلان الرسمي عن النتائج. ويبدو أن بعض السياسيين اعتمد على ما بشرت به الاستطلاعات فكانت لثقتهم بهذه الاستطلاعات الوقع السيئ لهم ولمن صوت لهم.
ففي استطلاع للرأي نشره المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي قبل الانتخابات التشريعية بتاريخ 20-21 يناير/ كانون الثاني 2006 بشرت هذه الاستطلاعات بهزيمة حركة حماس وفوز كاسح لحركة فتح ويبدو أن مرشحي فتح وغيرهم وثقوا بهذه الاستطلاعات فأخذوا يبشرون بها عبر الفضائيات والصحف قبيل الإعلان الرسمي عن النتائج وابتهج البعض بإطلاق الأعيرة النارية تعبيرا عن فوزه المضمون والتي بشرت بحصول فتح على 39.6% و حماس على28،8%.
وفي استطلاع آخر لمركز “استطلاعات الرأي والدراسات المسحية- جامعة النجاح – أكد حصول فتح على39% و حصول حماس على23.4 %، أي تقدم فتح على حماس بشكل كبير .
وذكرت جريدة الوطن ما يلي:
القدس 25 يناير كانون الثاني (رويترز) – قال مصدر رفيع في إحدى الجماعات التي تقوم باستطلاع مواقف الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع أن من المتوقع أن تفوز حركة حماس بنسبة 30 في المائة من الأصوات في الانتخابات الفلسطينية اليوم الاربعاء وان تفوز حركة فتح بنسبة 40 في المئة.
وذكرت الصحيفة أنَّ هذه النتائج تتفق على وجه التقريب مع نتائج الاستطلاعات السابقة على الانتخابات وهي أول انتخابات تشريعية فلسطينية منذ نحو عقد.
ولكن النتائج الفعلية جاءت بما لا تشتهي السفن والصناديق وعلى عكس التوقعات، فلم تحصل فتح إلا على 45 مقعدا مقابل 74 مقعدا لحركة حماس!!
ويبدو أن الكرة تعيد نفسها هذه الأيام وبعد الحرب الدائرة بين أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية بسبب إجراء الانتخابات فبدل أن تعتذر مراكز استطلاع الرأي عن فشلها في الاقتراب من النتائج الحقيقة للانتخابات التشريعية الأخيرة نجدها شمرت عن ساعديها لتبشر بنتائج استطلاعاتها المستقلة !!
ويبدو أن كل مركز يغني على ليلاه فبعض المراكز يبشر بنسب تسر الفريق المؤيد للانتخابات وبعضها جاء بنتائج مغايرة تماما!!
وعلى سبيل المثال ما ذكرته صحيفة الحياة 23/12/2006 أن أكبر مركز للاستطلاع في فلسطين المحتله أجرى استطلاعا على منافسة السلطة بين عباس وهنية نال الأول على 46% بينما نال الثاني 45% أما إذا كانت المنافسة بين مروان البرغوثي وخالد مشعل فسيحصل الأول على 57% بينما يحصل مشعل على 36%، بينما يرى هذا المركز تراجعا ملموسا في شعبية حماس إذ سينخفض تأييدها من 47% إلى 36% وأن شعبية فتح سترتفع شعبيتها من 38% إلى 42%
ونقل موقع البوابة عن بعض مراكز الاستطلاع ما يلي:
أفاد استطلاع أجري قبيل دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الانتخابات مبكرة إن حركة حماس ستخسر الانتخابات التشريعية أمام حركة فتح في حال أجريت الانتخابات الآن .
وأجرى المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية استطلاعا في الفترة بين 14 و16 كانون الاول/ديسمبر 2007 جاءت نتائجه أن 61 % من الفلسطينيين يفضلون إجراء انتخابات مبكرة. وعارض ذلك 37 % .
وأظهر الاستطلاع إن حركة فتح التي يقودها عباس ستحصل على 42 في المئة من الأصوات فيما ستحصل حماس على 36 في المئة. وستذهب الأصوات الباقية للمستقلين أو للأصوات التي أفادت أنها لم تحسم أمرها
أما جامعة ” بيرزيت” الفلسطينية فقد أجرت استطلاعا برقم 28 بتاريخ 20/9/2006 تحت عنوان :
الانتخابات الفلسطينية: تراجع في شعبية حماس وثبات شعبية فتح، وتأييد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة وجاءت نتائجه كما يلي:
– يؤيد 58% من المستطلعين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة، في حين يعارض ذلك 39%.
– في حال حصلت انتخابات تشريعية جديدة في هذه الفترة، ستحصل حركة فتح على 35% من الأصوات (متفوقة على حماس للمرة الأولى منذ الانتخابات السابقة)، في حين ستحصل حماس على 31% حسب آراء المستطلعين. وتشير نتائج الاستطلاعات المختلفة إلى التراجع في نسبة منتخبي حماس حيث كانت هذه النسبة 50% في نيسان الماضي، وقد هبطت إلى 37% في حزيران الماضي.
بينما نرى نتائج بعض المراكز القريبة من حركة حماس أو المستقلة على مفارقة عجيبة بل متناقضة!! ولا سيما الاستطلاعات التي تجرى على مواقع الانترنت ففي قراءة سريعة لبعضها نجد ما يلي:
في الاستطلاع الذي أجراه موقع “المركز الفلسطيني للإعلام”، وشارك فيه أكثر من سبعة آلاف مصوت؛ فإن 85.78 في المائة من زوار الموقع أعربوا عن رفضهم لدعوة عباس، فيما أيدها 13.43%بينما عبر 79. % بلا أدري.
أما الاستطلاع أجراه موقع قناة “الجزيرة” على شبكة الانترنت، الذي بين أن 82.4 % من إجمالي المشاركين في الاستطلاع، وعددهم أكثر من أربعين ألفاً لا يؤيدون الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، فيما أيدها فقط 17.67 % من إجمالي المصوتين .
وفي استطلاع آخر، أجراه موقع صحيفة القدس الفلسطينية، وشارك فيه قرابة 11 ألفاً؛ قال نحو 48.52 % من المشاركين في الاستطلاع أنهم سيصوتون لصالح حركة حماس إذا أجريت الانتخابات المبكرة، فيما قال 30.35 % إنهم سيصوتون لصالح حركة فتح .
وفي إجابة المستطلعين على سؤال، طرحه موقع إخباريات الإلكتروني: إذا جرت انتخابات مبكرة لمن ستصوت؟ قال 56.3 % من المشاركين في الاستطلاع، والذي بلغ عددهم 1200 زائر، إنهم سيصوتون لحركة حماس، و32.9 % لفتح “.
أما نتيجة استطلاع موقع “فلسطين اليوم”، والذي شارك فيه نحو ألف زائر، حول موقفهم من دعوة رئيس السلطة محمود عباس لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة فكانت على النحو التالي: 61.68 % يرفضون هذه الدعوة، فيما أيدها 38.32 %
وفي استطلاع لموقع “فلسطين الآن”؛ أجابت نسبة 67.5 % من المشاركين في الاستطلاع وعددهم نحو خمسمائة، أن الخروج من الأزمة السياسية الراهنة يكون بإجراء انتخابات رئاسية فقط، مقابل 22 % رأوا بأنه مرتبط بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، و10.4 % غير ذلك .
ومن خلال القراءتين السابقتين نجد أن استطلاعات الرأي العربية لا تحترم عقل القارئ العربي وهي متناقضة إلى حد بعيد ومتفاوتة، في الوقت الذي يجب أن تكون متقاربة، ونجد إنها تعاني عدة مشكلات أهمها التبعية وعدم الصدقية ولا سيما التي تقام من قبل مراكز والتي تسمي نفسها مستقلة، فهذه المركز إما أنها تجهل المعايير الحقيقية للاستطلاع من حيث العينات والأسئلة المطروحة والأعمار وتنوع الانتماء السياسي، أما أنها تخفي عن عمد النتائج الحقيقة للمستطلعين ولا تبوح بها في انتظار التزوير المرتقب أو أنها وسيلة من وسائل الحرب النفسية ضد الخصوم، أو أنها تكابر في شعبيتها المرتقبة والتي لا يكشفها سوى صناديق الانتخابات لا سيما إذا كانت شفافة.
* عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين / دمشق