الأحد 11/مايو/2025

الاستيطان والاغتيال الرد الإسرائيلي على الواهمين في سياسة السلام

عمر نجيب
منذ أن تم زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية ثبت بالتجربة العملية أن الصهاينة لا يفهمون سوى لغة القوة، وأنهم حتى عندما يتحدثون عن المرونة ويتظاهرون بما قد يعتبره البعض اعتدالا أو تنازلا لا يعرفون سوى الخداع والمكر ونكث الوعود والإلتزامات، كما ثبت أن ساسة تل أبيب لا يرضخون لبعض مطالب العرب إلا عندما تكون كفة توازن القوى في غير صالحهم أو عندما تفشل خططهم العدوانية ويخسرون الكثير من الجنود والمال.

تجربة الفلسطينيين غنية أكثر من غيرهم من العرب في اساليب التعامل مع الصهاينة سوء خلال الكفاح ضد الإستيطان بعد سقوط فلسطين تحت الإنتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى وحتى حرب 1948، وبعد ذلك مع اطلاق أول رصاصة للثورة الفلسطينية في يناير 1965 على يد حركة فتح مرورا بفترة انطلاق الثورة من الأردن ثم من لبنان حتى الغزو الإسرائيلي الأول للبنان، أو مع الإنتفاضات الفلسطينية المتعاقبة وصولا الى اتفاق أوسلو.

فكلما كان الفلسطينيون اقوى وأصلب في المواجهة كلما أجبرت إسرائيل على التزحزح عن جزء من تعنتها، وهذا كان أحد أسس التعامل التي تبناها بعض الذين راهنوا على البحث عن الحل خطوة بخطوة، على أساس حجم الضغط المفروض سياسيا أو عسكريا على الكيان الصهيوني، وليس خيارات هذا المستعمر القادر على المناورة والتضليل.

هكذا كان الحال والوضع عندما أجبرت إسرائيل على الإنسحاب من قطاع غزة بالكامل وإخلاء كل المستوطنات رغم أنها كانت تعتبر مجرد التفكير في هذا الإحتمال خطا أحمر لا يجوز أبدا عبوره.
إسرائيل انسحبت من كل غزة لأن المقاومة المسلحة فرضت عليها ذلك ودفعت من أجل ذلك شهداء بالمئات تجرأ البعض من حين لآخر قبل التراجع الصهيوني على الإدعاء أن هذه التضحيات لن تجلب مكسبا أو أنها اهدار للدم الفلسطيني.

عندما اجتمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم السبت 23 ديسمبر برئيس وزراء إسرائيل أولمرت في منزلة بالقدس المحتلة تنافست بعض الأوساط الإعلامية والسياسية على تكبير وتزيين الوعود التي قدمها أولمرت رغم أن العديد من الأوساط فلسطينية وأجنبية أكدت أن الأمر لا يتجاوز محاولة تلميع صورة الرجلين اللذين يواجهان مشاكل سياسية داخلية ويحاولان ارضاء اللولايات المتحدة التي تسعى لإيهام العالم انها تنجح في احلال الإستقرار في الشرق الأوسط.

قبل أن تمضي 72 ساعة على اللقاء الحار والذي أشارت صحف صهيونية الى القبل المتبادلة خلاله بين عباس وأولمرت، أعادت تل أبيب يوم الثلاثاء 26 ديسمبر تذكير من نسوا أنها لا تفهم سوى لغة القوة.

فقد اعطت الحكومة الاسرائيلية للمرة الاولى منذ العام 1992 موافقتها لبناء مستوطنة جديدة في الضفة الغربية بغور الاردن. واعلنت ناطقة باسم وزارة الدفاع الاسرائيلية يوم الثلاثاء لوكالة فرانس برس “ان الوزارة اعطت موافقتها على بناء ثلاثين منزلا بموجب التزام قطعه وزير الدفاع السابق شاوول موفاز لايواء سكان المستوطنات التي تم اخلاؤها في قطاع غزة” في صيف العام 2005.

وبحسب حركة السلام الان الاسرائيلية المعارضة للاستيطان، لم تعط الحكومة اي ترخيص لبناء مستوطنات منذ العام 1992. لكن السلطات الاسرائيلية سمحت في المقابل ببناء احياء جديدة في مستوطنات قائمة اصلا واستولت بالتالي على المزيد من الأراضي الفلسطينية.

 وانتقد المدير العام لحركة السلام الان ياريف اوبنهايمر هذا القرار وقال لفرانس برس “انها فضيحة حقيقية خصوصا وان هذا القرار اتخذ من قبل عمير بيريتس” زعيم حزب العمل والعضو السابق في السلام الان. واضاف اوبنهايمر “ان هذا القرار يتعارض مع خارطة الطريق (خطة السلام الدولية الاخيرة) وبرنامج الحكومة. ولم يلق فضلا عن ذلك موافقة البرلمان”.

في المقابل قالت اميلي عمروسي المتحدثة بإسم مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، كبرى المنظمات الاستيطانية، انه “لا يوجد ما يفرح في هذا القرار لانه ليس سوى تطبيق وعد قطع للمبعدين من غوش قطيف (تكتل المستوطنات سابقا في قطاع غزة)”. واعتبرت ان بناء هذه المستوطنة التي اطلق عليها اسم “ماسكيوت” يتطلب “سنتين او ثلاث سنوات” على ان تبدأ الاشغال في غضون اسبوعين، وأشارت أن مستعمرات أخرى سيتم تشييدها في الضفة الغربية.
واضافت ان موقع المستوطنة “موضع توافق في اسرائيل. ان القادة الاسرائيليين اكدوا مرارا على وجوب ان تحتفظ الدولة العبرية بغور الاردن في حال اي تسوية للنزاع مع الفلسطينيين أكانت تفاوضية ام احادية الجانب”.

ويقيم 260042 مستوطنا في الوقت الحاضر في الضفة الغربية بمعزل عن القدس الشرقية التي احتلتها اسرائيل واعلنت ضمها وحيث يقيم اكثر من 200 الف اسرائيلي في حوالى اثني عشر حيا بحسب احصاءات لوزارة الداخلية نشرت في سبتمبر الماضي.
وتفيد حركة السلام الان بان 121 مستوطنة بنيت بترخيص حكومي فيما انشئت 102 اخرى بصورة عشوائية على يد مستوطنين.

مباشرة بعد تحدى الإستيطان الجديد جاءت عملية الغدر الصهيونية الثانية فقد أمر رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت صباح يوم الأربعاء 27 ديسمبر قادة جيشه، باستئناف عمليات الاغتيال ضد الفلسطينيين، ناسفا بذلك التهدئة التي أعلن عنها في السادس والعشرين من نوفمبر الماضي.

وأعطى أولمرت، في اجتماع ترأسه لقادة الأجهزة الأمنية بحضور وزير الحرب الصهيوني عامير بيرتس، الضوء الأخضر للجيش باستهداف مطلقي الصواريخ من قطاع غزة، الأمر الذي ينسف التهدئة من أساسها. كما طالب أولمرت رئيس السلطة الفلسطينية باتخاذ إجراءات فورية لوقف إطلاق الصواريخ، وقد نسى أولمرت ان قواته قتلت في ظل التهدئة 16 فلسطينيا ولم يكن من الممكن ألا يرد المعتدى عليهم.

وكان مصدر سياسي صهيوني، قد كشف النقاب، عن خطة وضعتها قيادة جيش الاحتلال، عرضت مؤخراً على مجلس الوزراء الصهيوني، تقضي باستئناف عمليات الاغتيال ضد مجاهدي المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بشكل واسع.

ونقل عن المصدر قوله: إن الدوائر الحربية أوصت رئيس الوزراء أولمرت بوضع حد لما يطلق عليه اسم “ضبط النفس”، والعمل بقوة ضد مطلقي الصواريخ من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، “وفقا لخطة أعدها الجيش، وعرضها على مجلس الوزراء”.

أمام هذه المواقف الصهيونية لم يكن أمام الذين دافعوا عن محادثات وسياسة الرئيس عباس تجاه الصهاينة إلا ان يعترفوا ضمنا بأنهم كانوا على خطأ وأن سياسة الحكومة أكثر حكمة.
فقد أدانت السلطة الفلسطينية بلسان كبير مفاوضيها صائب عريقات قرار الموافقة على بناء المستوطنة الجديدة. وقال عريقات لوكالة فرانس برس “نحن ندين هذا القرار خاصة وانه جاء بعد ان تعهدت اسرائيل خلال اللقاء بين الرئيس ابو  مازن وايهود اولمرت، بعدم القيام باي اجراءات احادية الجانب، تؤدي الى الاجحاف بالوضع النهائي”. واعتبر ان قرار وزارة الدفاع الاسرائيلي “سيعمل على تعطيل الاتفاقات التي تم التوصل اليها بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في لقائهما الاخير”. واضاف “هذا القرار انما يعطل كل ما تم الاتفاق عليه، وما تعهدت به اسرائيل، وهذا القرار يجب الغاؤه، وعلى اسرائيل ان تختار اما السلام او الاستيطان، لان القضيتين خطان متوازيان لا يلتقيان”.

هنا يجب استرجاع بعض ما قيل عن عبثية لقاء السبت في القدس والذي ثبتت صحته عمليا الأن.
بعد ساعات من لقاء عباس وأولمرت اعتبر مشير المصري أمين سر كتلة “التغيير والإصلاح” البرلمانية، التابعة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، أن السياسة التي ينتهجها محمود عباس تجاه الصهاينة، هي سياسة فاشلة وتعيد القضية الفلسطينية إلى الوراء. وقال: “إن الوعود التي قدمها أولمرت لعباس، هي “سياسة إعلامية، ومخطط شكلي دون أن يترجم على أرض الواقع”. وأضاف: “إن تاريخ اللقاءات حافل بالفشل للفلسطينيين، وحمل الأوهام والأحلام، حتى الحديث عن الأسرى، فإن التجربة تقول إن العدو الصهيوني عندما كان يبدي حسن نوايا، كما يصفها البعض، فكان يفرج عن أسرى شارفت محكومياتهم على الانتهاء”. وتابع: “لكن أمام المقاومة، وثبات حركة حماس، أولمرت نفسه أعلن عن استعداده للإفراج عن أسرى من أصحاب المحكوميات العالية، وهذه تمثل سابقة تاريخية لم تأت بالتفاوض والتنسيق الأمني واللقاءات المحمومة، لكنها جاءت بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل المقاومة والصمود واستراتيجية الخطف”.

وفي رده على وعود أولمرت لعباس، في ظل الحديث عن موافقة وزير الحرب الصهيوني على تفكيك عدد من الحواجز من أصل 400 أقامها الاحتلال؛ أجاب المصري: “هذا يدل على الاستخفاف بهذا اللقاء ومدى النظرة للجانب الفلسطيني من قبل العدو الصهيوني”، متسائلاً: “ما الذي قدمه عباس للشعب بإزالة بعض الحواجز؟ في حين أن المقاومة قدمت في قطاع غزة فك كل المستعمرات”.
واعتبر النائب الفلسطيني أن الحديث عن الإفراج عن 30 أسيرا، بأنها “خطوة إعلامية وشكلية، وليس أكثر من ذلك”، مشددا على أن المقاومة “ستفرج إن شاء الله عن مئات الأسرى، ويجب أن يدرك عباس بأن هذه السياسة فاشلة وتعيد القضية الفلسطينية إلى الوراء”.
يجب الأن على كل الفلسطينيين المخلصين أن يتمسكوا بخيار الوحدة الوطنية والمقاومة لأن هذا السبيل الوحيد لمواجهة عدو جوهر تفكيره الغدر والخداع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات