الأحد 11/مايو/2025

هذا الصراع قبل أوسلو ومدريد.. ولن يُحَلَّ بتطييب الخواطر

نبيل أبو جعفر

تعالوا نقرأ نصاً من محاضر الماضي لنتأكد أن المواقف على حالها حتى اليوم :

ماذا قال الرئيس الراحل وبماذا ردّ عليه موسى ابو مرزوق وما رأي أبو الأديب وابراهيم غوشة وغيرهم في لقاء التفاهم بالخرطوم 1993 حول نفس المواقف المختلف عليها اليوم ؟

حتى لا يظن البعض منا ان ” هبّة ” الوساطات الأخوية ومساعي بعض الرسمية العربية ل “تهدئة الأوضاع ” يمكن ان تنجح في انهاء الخلاف الجذري بين موقفي رفاق السلاح في حركتي فتح وحماس ، وأن تضع حدا للبون الشاسع بين استيراتيجية كل منهما ، لابدّ ان نستعرض بصراحة  جذور هذا الصراع الذي أوصلنا إلى اقتتال الأخوة في الشوارع، لأسباب تبدو للبعض خلافيّة على مناصب أو مماحكات أمنية أو تنظيمية، بينما الحقيقة غير ذلك تماماً بدليل ان هذا الوضع لم يبدأ بالخلاف على تشكيل الحكومة، ولن ينتهي تالياً بخطاب التهدئة الذي أعلنه رئيس الوزراء إسماعيل هنية، حتى لو تمّت معالجة الموضوع، ونجحت المساعي والوساطات في وضع حدّ لحقن الدماء، طالما أن “العلّة” باقية على حالها.

والعلّة هنا تكمن في أن الشروط المطلوب من رأس السلطة الفلسطينية أن يضغط بدوره على رأس الحكومة وأعضائها من أجل القبول بها، هي نفس الشروط التي رفضتها “حماس” منذ بداية انطلاقتها قبل حوالي عشرين عاما، وستبقى ترفضها بالصيغة الواردة فيها على الأقل، سواء أكانت “فصيلاً مقاوماً”، أم امتداداً لحركة الإخوان المسلمين، أم غير ذلك، كما يتساءل عن “هويتها” بعض الأخوة الأذكياء في حركة فتح، لإثارة حواسّ شريحة أخرى من شعبنا بعيداً عن جذور الخلاف المبدئي.

لقد راوحت أزمة الحوار الوطني الفلسطيني مكانها فترة غير قصيرة من الوقت، تكّررت خلالها صورة التأزم والانفراج أكثر من مّرة على خلفية تشكيل الحكومة – كما كان يُعلن باستمرار-، وبات الفلسطينيون أكثر من ليلة على أمل ان يتحقق الوعد فيصحوا على خبر تشكيلها في صباح اليوم التالي، حتى هُيّء لهم ولغيرهم على امتداد الوطن والعالم ان الأزمة العالقة بين الفصيلين المختلفين الأساسيين عابرة وبِنْت ساعتها، على اعتبار أنها نتيجة شبه طبيعية لما أفرزته الانتخابات وما تبعها من حصار ترافق مع هجمة إسرائيلية- دولية- وعربية رسمية على الفصيل “المتشنّج” الذي أتت به أوراق الديمقراطية التي لا يعرف الفلسطينيون كيف يلعبونها على الطريقة الأميركية!

ما قبل مدريد واوسلو

ولكن الدقّة تقتضي الاعتراف بأن الخلاف الحقيقي يعود سياسياً إلى منطلقات كل فصيل وموقفه، ويعود زمنياً إلى ما قبل عودة الفصائل الفلسطينية إلى أرض الوطن وتشكيل السلطة الوطنية، أي إلى ما قبل اوسلو وحتى مدريد. وكل حديث مناقض لهذا الواقع ليس إلا ذراً للرماد في العيون، وتغطية على السبب الأساس المتمثل بوجود منهجين سياسيين متناقضين تجاه “إسرائيل” واطروحات التسوية معها، وتحديداً تجاه الموقف من “دولة غزة- أريحا”، والمفاوضات والاعتراف، وتمثيل منظمة التحرير.

وإذا كانت هذه الأطروحات قد رفضتها حماس، ورفضت دخول المنظمة على أساسها، وشرحت موقفها منذ البداية، وكرّرته على مّر السنين، فإن ما يُطرح عليها في هذه الأيام ليس فيه أي جديد، بل على العكس، هو نفس القديم ولكن بصيغة جديدة أكثر لؤماً من الماضي، مع بعض الإضافات التي تحمل بصمة المستجدات التي حدثت مع قدوم المحافظين الجدد واستفراد الولايات المتحدة بمقدرات هذا العالم، وشنّها الحروب على أكثر من بلدٍ وجبهة، كالتأكيد على حركة حماس إعلان التزامها بكل الاتفاقات السابقة المبرمة بين “إسرائيل” والسلطة، على الرغم من تنكر “إسرائيل” لها، وعدم الالتزام بأيٍ منها!

أمام هذه الدوّامة المتواصلة من الخبث الأميركي- الصهيوني، أليس من حقّنا ان نتساءل: كيف يمكن أن تقبل حماس بهذه الشروط التي تتناقص مع منطلقاتها، وقد رفضتها بالتعليل المفصل في مؤتمر للمصالحة عقد في مطلع العام 1993 بالخرطوم بمبادرة من الشيخ حسن الترابي إثر ارتفاع وتيرة الخلاف بين فتح وحماس ووصوله إلى حد التهجم الإعلامي من كلا الطرفين.

يومها أعاد الرئيس الراحل أبو عمار على قيادة حماس طلب الإنضمام إلى ركب المنظمة وليس الانضواء تحت لوائها- على حد تعبيره الحرفي- وان تكون التنظيم الثاني، شريطة أن توافق على ما هو مطلوب منها الموافقة عليه في هذه الأيام، ويومها لم تكن هناك أية خلافات حول حقائب وزارية وسلطات أمنية أو إدارية وما شابه.

وعندما لم تتجاوب حماس، دخل الكلّ في نقاش حاد وصل حدّ تبادل الاتهامات، فتكهرب الجوّ، وحاول أبو عمار الانسحاب أكثر من مرّة لولا تدخّل الترابي لتهدئة الخواطر. وباختصار يمكن القول أن الأجواء التي سادت وقتها كانت شبيهة إلى حدّ كبير بأجواء اليوم، ولكن دون اللجوء إلى السلاح ولا غلبة صوت الرصاص على أصوات الحوار.
ومن أجل أن نتأكد من هذه الحقيقة، وكي لا يكون كلامنا نقلاً عن لسان شهداء فقط، نورد نصاً حرفياً لبعض ما جاء في “حوار الخرطوم” قبل 14 عاما من اليوم، وفيه شهادات بلسان أحياء، ثم نعود لقراءة وضعنا الحالي واحتمالات ما سيؤول إليه.

أبو عمار: لم أذهب للمفاوضات برضاي

التأمت الجلسة الأولى للحوار صباح السبت 2/1/1993 وقد حضرها عن “فتح” بالإضافة إلى “أبو عمار”، سليم الزعنون، نصر يوسف، عبد المنعم أبو سردانه، عبد العزيز شاهين، العميد صائب العاجز، محمد دحلان، ثم السفير الفلسطيني في السودان عمر شلايل. كما حضرها عن “حماس”: د. موسى أبو مرزوق، إبراهيم غوشه، د. محمد صياح، د. محمد أحمد عبد الله، وعمار العلي.

بعد تبادل الكلمات الترحيبية المعتادة بين الترابي والرئيس الراحل، واستعراض العلاقة بين الفصيليين، وتأكيد أبو عمار على “ضرورة مشاركة الأخوة في حماس بالصيغة التي يرونها في المنظمة”، قال بالحرف: “بعض الدول تتمنى أن تزول منظمة التحرير، ولا تظنّوا ان دول الخليج التي تتحالفون معها تحبكم لأنكم مسلمون، بل لأنكم ضد منظمة التحرير، وإذا عملتُ معهم صفقة فستصبحون صغاراً، وكذلك سورية، لكن جرّبوا فالتجربة ليست خطأ”.

ولما تشعّب النقاش الحاد حول هذه النقطة، وحول أموال الخليج التي قال د. موسى أبو مرزوق أن فتح والمنظمة تصرف منها، ردّ عليه أبو عمار: نحن نأخذ من أموال الأمة العربية على أساس قرارات الجامعة، وهم سرقونا، وحدها السعودية أعطتنا 86 مليوناً، ليبيا لم تدفع والجزائريون بسبب ظروفهم لم يدفعوا.. أما الكويتيون فدفعوا أربع سنين من أصل عشر وكذلك الظبيانيون…الخ.
ثم خاطب أبو مرزوق قائلاً: أنت لسّه جديد ولم تعش العهر العربي.
أجابه أبو مرزوق: فقط جملة واحدة (نريدها): الإنسحاب من المفاوضات (مع الإسرائيليين).
أبو عمار: انت ما تفهمش سياسة، أنا ما رحتش برضاي للمفاوضات.

هنا اقترح الترابي وضع جدول للأعمال ورفعت الجلسة لصبيحة اليوم التالي، حيث تكلم في بدايتها الترابي وطلب من حماس إبداء وجهة نظرها فيما طرحه “أبو عمار” بجلسة الأمس حول مشاركتها في المنظمة والمؤسسات الفلسطينية الأخرى.

أجاب أبو مرزوق في شرح مطّول وصل في نهايته إلى القول:”بخصوص التمثيل (في المنظمة) نحن لسنا ضدّ دخول منظمة التحرير، لكن لنا رؤية وتصّورات حول هذه القضية، لقد تزامن انطلاق حماس مع الانتفاضة وفيما يتعلق بالالتحاق بالقيادة الموحدة كان الموقف مرتبطاً بالخارج وينعكس على الداخل. واقترحنا في أكثر من لقاء إنشاء قيادة مشتركة في الداخل. أما فيما يتعلق بعلاقاتنا العربية والإسلامية فهي في سياق مصلحة الشعب الفلسطيني. والمنظمات العشر تحالف سياسي لهدف يخص الوضع الفلسطيني حتى ينتهي هذا الوضع الذي نعتقد أنه خاطئ.
إننا فصيل فلسطيني نشأ من قلب الداخل ولن يصبح صفراً حتى بوجود تحالفات للبعض في دول الخليج أو غيرها، وفي حركتنا السياسية لا نهاجم أحداً، ولا نسعى لأن نكون وحدة واحدة مع جميع الفصائل في مسار القضية”.

أبو الأديب: من حيث المبدأ حديث الأخ موسى يشمل كل الأمور بما فيها المنظمة وفتح والسياسة. وحتى لو افترضنا أن “حركة حماس” جاءت بعد الانتفاضة فلا يُتصّور أن يحدث تخلف عن القيادة الموحدة. هذا هو السبب في حدوث المشاكل والاقتتال الداخلي، فإذا لم يكن للبيت عمود يسقط.
إبراهيم غوشه: ثمة ما يجمعنا وهو الانتفاضة وتصعيدها، والعلاقة بين فتح والحركة الإسلامية تعزّزت في نهاية الستينات عبر الجهاد المشترك في معسكرات الشيوخ بالأردن. أما بالنسبة للمنظمة فقد أعلنا استعدادنا لدخولها في ميثاقنا، ولكن أدبيات فتح والمنظمة تتحدث عنا بإعتبارنا نعمل لنكون بديلاً لها.

عقدة المنظمة من جديد

وعاد النقاش ليتشعب حول نقاط أخرى وتحت نفس الجّو الضاغط واختلاف الموقفين، إلى أن وصل الحاضرون لكتابة البيان المشترك، ووصف منظمة التحرير، فقال أبو الأديب: في البند الأول اقترح إضافة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
أبو عمار: أُكتب ما نصّت عليه مواثيق الأمم المتحدة.
د. صيام: إبقها كما هي.
الترابي: سأُضيف عبارة الممثل الشرعي..الخ، في وصف السيد ياسر عرفات (ويقصد وصف المنظمة).
أبو مرزوق: لا أحد ينتظر عربياً ودولياً من حماس هذا الاعتراف. ونعتقد أن هذا الشرط ليس مطلوباً. أما من حيث السياسة فلا ندعي أننا بديل، ولن نطرح أنفسنا بديلاً. لا علاقة بين هذه الجملة ودخولنا المنظمة.
إننا نعتقد أن من مصلحة الشعب الفلسطيني أن لا نذكر الجملة. لأنه إذا وقّعتم أي اتفاقية ومثل هذه الاتفاقيات يرفضها الشعب، أُتركوا لنا الحّرية حتى يوجد إطار بديل عندما تنهار المنظمة.
أبو عمار: ما في داعي لأي اتفاق. اجتمعنا على الخير والبركة. وأنا مش جاي على السودان لكي أبيع منظمة التحرير “…..”.

***
… ورغم كل ما قيل، وهو أضعاف أضعاف ما ذكر آنفاً، فقد تم الاتفاق على بيان مشترك نصّ على تجنّب الصدامات الإعلامية والإتفاق على مراجعة المواثيق وتشكيل لجان مشتركة.. ولكن كل هذه القرارات لم تأخذ طريقها للتنفيذ، والبقية معروفة من يومها إلى اليوم، بدءاً بسنوات سُلطة فتح، وصولاً إلى الانتخابات التي تمّت في جو ديمقراطي لا غبار عليه.

لكن الديمقراطية في حقيقتها ليست صناديق اقتراع فقط ولا مظاهر تسَلُّم وتسليم، بل اقتناع كامل بالعملية كلها. وإقرار عملي بنتيجتها، وعدم وضع العراقيل في وجه من اختاره الشعب، أي إكمال المشوار إلى آخره، وعدم الغوص في مسلسل من النقد والاتهامات المتبادلة وتحميل المسؤوليات للطرف الآخر.

أما وقد وصل الوضع الى هذا الحال بكل انعكاساته السلبية وتوّج بقرار الرئيس محمود عباس نسف الانتخابات بانتخابات أخرى مبكرة بكل ما يحمله ذلك من تبعات خطيرة لا يمكن قراءة أبعادها منذ الآن، فإن الممكن الوحيد قراءة إمكانية التراجع عن هذا القرار الذي استند الى أسباب يمكن أن تسقط مع الأيام القادمة خصوصاً وأنه لم يحدد موعداً لإجرائها، وما زال الباب مفتوحاً لسقوطها أو اسقاطها.

وعلى الأغلب فإن الرئيس عباس قد حسب ذلك بدقّة ونظره للواقع والمستقبل، رغم دفع بعض الأخوة نحو اتخاذ قرار جذري يقضي بحل الحكومة أو المجلس. ولكن هذا لا يعني انتهاء الإشكال حتى لو تمّ “الصلح” وأُلغي قرار إجراء الانتخابات، ذلك لأنه المطلوب من رأس السلطة ما زال مطلوباً..

ألم يتعمّد هنية في خطابه الأخير توجيه التحية لأهلنا في “فلسطين المحتلة ع

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات