وحدة فتح: الغاية الخسيسة بالوسائل الدنيئة!

يعتقد المخلصون عموماً أن الممارسة السياسية ينبغي أن تضبط بمنظومة أخلاقية تحول بينها وبين المكائد الرخيصة، والوسائل الخبيثة في سبيل الوصول للمكسب السياسي. وتتأكد هذه الرؤية النظيفة في العمل السياسي في ظل حالة وطنية من قبيل معارك التحرر الوطني، إذ يحرم وطنياً وأخلاقياً في هذه الحالة -بصرف النظرعن المرجعيات الأيديولوجية لأطراف الساحة- ما قد يستسيغه البعض من وسائل تتجاوز القيم والأخلاق في المنافسة السياسية في الوضع الطبيعي.
انطلاقاً من هذه الرؤية، عملت حركة حماس، وبقية القوى الإسلامية المجاهدة في فلسطين، على دعم أية نواة نضالية في الفصائل الفلسطينية في انتفاضة المسجد الأقصى تحديداً، ولم تتوقف إطلاقاً عند إمكانية أن يوفر هذا الدعم المقاوم والنضالي للقوى الفلسطينية الأخرى شعبية ومكانة جماهيرية تهدد شعبيتها ومكانتها، إذ أن القضية الوطنية التي يقف إزاءها الجميع هي فعلاً أكبر من كل حسابات التجارة الحزبية. وهو الأمر الذي دفع القوى الإسلامية المجاهدة في فلسطين لدعم أية خطوة من قبل قيادة حركة فتح ممثلة في شخص الرئيس عرفات باتجاه التكفير عن الخطايا السياسية التي ارتكبت بحق القضية الوطنية، كدعم عرفات في بعض مواقفه الأخيرة في حصاره في المقاطعة، رغم ما فعلته الأجهزة الأمنية التي رعاها وقادها الرئيس عرفات من اعتقال وقمع وتنكيل بهذه القوى المجاهدة (حماس والجهاد) في مرحلة سابقة، إذ أن القضية الوطنية مقدمة -عند العقلاء- على الثارات الحزبية، ومشاعر الانتقام الخاصة. واعتقدت هذه القوى الإسلامية المجاهدة -مخلصة- أن حركة فتح قوية وموحدة خلف قيادة مناضلة ونظيفة، وعلى أساس برنامج نضالي ومقاوم، هو مكسب حقيقي لها ولبرنامجها، بقدر ما هو مكسب للقضية عموماً، إذ أن مصلحة هذه القوى المجاهدة تتعزز بقوة الطرح المقاوم والنظيف في الساحة، كما أن حمل قضية من حجم وفي تعقيد القضية الفلسطينية، ومقاومة عدو بهذا الصلف والوحشية أكبر وأثقل من أن يتصدر له طرف دون بقية الأطراف، وهو ما يلزمه وحدة وقوة الجميع خلف برنامج المقاومة ومشروعها!
وبهذا المنطق العاقل، يكسب الجميع في ميدان المنافسة النظيفة، وأي مكسب يحققه الفعل النضالي لأي من قوى الساحة الفلسطينية يحسب لصالح القوى المقاومة كلها، وبهذا المنطق العاقل تبقى القضية الوطنية خالية من الصراعات والشقاقات الداخلية، وحرة القرار الوطني بعيداً عن الإملاءات الصهيونية والأمريكية. وبهذا المنطق العاقل تصبح وحدة حركة فتح خلف قيادة وطنية، وعلى برنامج وطني، ضرورة وطنية ملحة، وحاجة نضالية ماسة.
هذا المنطق السياسي النبيل، لا وجود له في قاموس العمل السياسي الفتحاوي اليوم، بعد أن اختطف بعض العملاء حركة فتح، ورهنوها للمصالح الصهيونية والأمريكية. هؤلاء العملاء يعملون اليوم بالدم الفلسطيني، وبالتخطيط الأمريكي والصهيوني على تنفيذ خطتين ترتبطان بوحدة حركة فتح:
الأولى: توحيد حركة فتح، حيث أن في حركة فتح قوية وموحدة، ما يضمن عودة سيطرة هذه الحركة على السلطة على طريقة الأنظمة الشمولية القمعية، وما يضمن سيطرة هؤلاء العملاء على المشروع الفلسطيني برمته، يما يخدم مصالحهم الخاصة والمرتبطة عضوياً بالعدو الصهيوني. مستغلين حركة كبيرة وعريضة، بجمهورها الواسع وإرثها النضالي، وإمساكها بالقرار الفلسطيني طوال الأربعين عاماً الماضية من عمر القضية، وسيطرتها على مفاصل المؤسسات الفلسطينية المالية والأمنية، وعلاقاتها الدولية والعربية المتشعبة.
الثانية: الانقلاب على الشرعية الفلسطينية، عبر فعل دموي عنيف، شبيه بما حصل في الجزائر، وقد كان واضحاً أن نشر قوات الرئيس عباس بصورة هستيرية في شوارع الوطن، ومحاولة منع الاحتفالات بانطلاقة حماس بالرصاص القاتل، ومن ثم محاولة اغتيال الرئيس هنية، كلها أعمال هادفة لخلق صراع دموي مع حماس، علماً بأن كل هذه الأحداث تلت الحديث الغبي لدحلان عن التجربة الجزائرية والظلاميين في الجزائر! وهو حديث أطلقه دحلان أثناء مشاركته في تشييع أطفال بعلوشة، وهو ما دفع البعض لربط هذا الحديث الغبي، والجرائم البشعة، بعلاقة مفترضة لدحلان بقتل الأطفال الثلاثة.
هذا السفك المجنون للدم الفلسطيني، والمحاولات المجرمة لإغراق فلسطين بدم أبنائها، هو العمود الفقري للخطتين الفتحاويتين: (توحيد فتح، والانقلاب المستقوى بالعدو على الشرعية الفلسطينية)، حيث يعتقد قادة التيار الانقلابي في حركة فتح، أن السبيل الوحيد لتوحيد حركة فتح هو خلق صراع دموي مع حماس مستفيدين من حوادث بسيطة ومحدودة في بعض المواقع، حيث لم يكن يجمع فرقاء ومنتفعي فتح لبعض الوقت في تلك المواقع سوى افتعال المشاكل مع حماس، ومن ناحية أخرى فإن نصائح الأمريكان ووكلائهم العرب في المنطقة أفادت انقلابيي فتح من تجاربهم الطويلة في حرب الإسلاميين، هذه التجارب التي تقول: أن أفضل الطرق المجربة في إفشال الإسلاميين هي الحرب الأهلية كما حصل في الجزائر، فضلاً عن فشل كل محاولات اسقاط الفائزين في صندوق الاقتراع، مما يعني أنه لم يبق في الجعبة سوى الرصاصة! وهي نصائح أو أوامر ستلقى -حتماً- كامل الارتياح في تلك الضمائر الخربة، التي اعتادت، الخيانة، والقتل، والنهب!
فسفك الدم الفلسطيني، هو سبيل فتح اليوم، لتوحيد هذه الحركة الممزقة بين مجموعة من المنتفعين، والمرتبطين بمجموعة من العواصم الأجنبية والعربية ذات الصلة الوثيقة بالأمريكان، فضلاً عن العلاقات الحميمية بالعدو الصهيوني، وبقية من الشرفاء الذين لم يعد لهم أية سيطرة على قرار فتح، وأية قدرة للحفاظ على إرثها النضالي بعيداً عن مقامرة العملاء!
وسفك الدم الفلسطيني، هو سبيل فتح اليوم، للإمساك بالسلطة بطريقة قمعية وشمولية، بعد ضمان وحدة فتح على خط عملاء أمريكا.
من الواضح تماماً، أن عملاء أمريكا، وأصدقاء الشاباك الصهيوني، قد نجحوا نجاحاً كبيراً في اختطاف فتح، وتوحيدها خلفهم، ويمكن بنظرة بسيطة للوراء مراجعة الكثير من الأصوات الإعلامية الفتحاوية التي كانت تغفو وتفيق على هجاء دحلان، كيف صارت اليوم تسبح بحمده بكرة وعشياً!
البعض من جمهور فتح، لم يعد مهماً بالنسبة له، سوى نصرة القبيلة، كما قال لنا زميل فتحاوي كاشفاً بعضاً مما قيل في اجتماع خاص بهم في إحدى محافظات الوطن. هذا الجمهور الذي يفكر بالعقل القبلي الجاهلي، والذي لا يهمه أولاً وأخيراً سوى إرضاء غرائزه القبلية، لم يعد يفكر بعواقب تحويل حركة فتح، إلى حركة خيانية، ونموذج فلسطيني لأمراء الحرب على “الإرهاب” في الصومال!
العملاء المسيطرون اليوم على القرار الفتحاوي، لا يعنيهم المصير الوطني لحركة فتح إطلاقاً، وكل ما يهمهم إتقان ممارسة الانتهازية السياسية، والتلون الحربائي لتحقيق مصالحهم المرتبطة بالعدو، أما شرفاء فتح فلم يعد لهم أي كلمة فاعلة في هذا الصراع الدائر بعد اختطاف حركتهم واقصائهم، مع تقديرنا لكل المحاولات الوطنية التي يبذلها بعضهم لتخليص فتح، وسمعتها، وتاريخها من سيطرة العملاء، أما الجمهور القبلي فالحديث إليه أشبه ما يكون بالحديث للمصابين بعمى القبلية الجاهلية، ممن تعمي بصائرهم عصبيتهم القبلية عن التقاط أية حكمة!
غير أن هذا لا يمنعنا، أن نقول، تشجيعاً للشرفاء، وتبصيراً للدهماء، وطمأنة لأبناء الوطن، ممن يفزعهم هذا المخطط الإجرامي، ويرعبهم أن تتحول حركة فتح بطولها وعرضها لحركة خيانية: أن في توحيد فتح على برنامج خياني، وخلف مجموعة من المرتزقة والجواسيس، يعني في المدى الاستراتيجي القريب نحر فتح وطنياً، وإخراجها من المشهد الفلسطيني نهائياً، حيث أنه لا بقاء في أي صراع مع الاحتلال إلا للمخلصين والمجاهدين، حيث أن الجهاد هو الثابت الوحيد الذي لا يمكن له أن يغادر الساحة الفلسطينية، وأن الشعب المقاوم وإن أخذ بعض الوقت في التقاط الأنفاس فإنه ما يلبث أن يعاود الثورة على المحتل وعملائه!
ويبدو أن العملاء المسيطرين على القرار الفتحاوي لا يدركون أبداً الخلاف الجوهري والعميق بين الحالة الفلسطينية والحالات العربية المحكومة بالسلطات القمعية الأمنية! حيث أن وضوح الموقف في فلسطين بوجود الاحتلال يحول دون استقرار الأوضاع للمحتل وعملائه! ناهيك عن التغير الدراماتيكي المتصاعد في الحالة العربية عموماً من جرأة شعبية غير مسبوقة على أنظمة القمع العربي، وتنامي الروح الجهادية في الأمة، وصعود الإسلاميين الكاسح! وبوادر انكسار أمريكي في العراق ينذر بخروج أمريكا نهائياً من المنطقة العربية، مما يعني بداية حقيقية للتراجع الصهيوني، وبالضرورة نهاية بائسة لعملاء أمريكا والعدو الصهيوني في فلسطين خصوصاً والمنطقة كلها عموماً!
الانقلابيون في فتح، ومن خلفهم الدهماء القبليون، ينسون أن ما حازته فتح في فترات السلطة السابقة من سيطرة محكمة على الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتكرر، حيث جاءت بمشروع السلطة الفلسطينية في سياق دفع دولي وعربي، ودعم مالي وإعلامي كبير، وعمل ضخم لترويج المشروع على الشعب الفلسطيني، ومن ضمن ذلك التسامح مع بعض المظاهر السيادية كالجواز، والعلم، والنشيد الوطني، والسلاح والزي العسكري في شوارع فلسطين، إضافة لسيطرة فتح المطلقة على المال والأمن والإعلام، والقيادة المتفردة لهذا المشروع كله. ومع ذلك انهار هذا المشروع الفتحاوي عند أول رصاصة تطلق في انتفاضة الأقصى، لتقصف السجون التي أودع فيها أرباب هذا المشروع المجاهدين بصواريخ الصهاينة، في عبرة لمن كان له قلب!
إن الواعي إلى طبيعة الصراع، والذاكر للتاريخ شديد القرب، ليطمئن كامل الاطمئنان على القضية الفلسطينية ومستقبلها، وفشل المشاريع الخيانية، وجعل رموزها عبرة للمعتبرين!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

اتحاد نقابات عمال النرويج يقرر فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام قرر الاتحاد العام لنقابات عمال النرويج (LO) فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال الإسرائيلي، وحظر التجارة والاستثمار مع...