الأحد 06/أكتوبر/2024

حفيد بلفور وخطة الوداع

حفيد بلفور وخطة الوداع

صحيفة الخليج الإماراتية

عندما وقف بلير إلى جوار أولمرت مرتدياً الطاقية اليهودية، أيقظ في الذاكرة العربية أحداثاً لعبت فيها بريطانيا دور البطولة لصالح الصهيونية، فالوعد جاء من لندن أولاً، لكن الزمن دار أيضاً كما تدور الأرض وتحول البطل القديم أيام السينما الصامتة إلى كومبارس في زمن السينما الملونة والثرثارة .

لقد عول البعض من منتظري الخلاص حتى لو كان سراباً في عز القيظ على زيارة بلير إلى المنطقة ونسوا أنه الآن في نهايات خريفه السياسي، وأن أية خطة يقدمها لتسوية النزاعات في الشرق الأوسط على اختلاف أقواسه الملتهبة هي خطة وداع، فالبريطاني الذي ورث منصبه عن تشرشل تولى الحكم شاباً وإن كانت الإمبراطورية الهرمة قد تحولت إلى ضاحية وراء المحيط لواشنطن .

وقد لا يسمح المقام بتذكير المتفائلين بوصفات بلير الممنوعة من الصرف إلا في الصيدلية الأمريكية بما قاله عنه مغنون ومعلقون من بلاده، فقد وصف بكلمة غير قابلة للترجمة، وهي تستخدم للسخرية السوداء من التابع الذي يفقد السيطرة على نفسه وعلى موقعه، ويتحول إلى مجرد صدى .

كلاهما إذن، يرسمان خطط الوداع، بوش في عرينه الذي لم يعد محروساً من الضباع التي تتربص بالأسد المريض. وبلير الذي اختبأ فور هبوطه من الطائرة على أرض بغداد، لأن السماء غير آمنة، والأرض مزروعة بالأفخاخ، والاستقرار النموذج الذي حلم به الرئيس بوش وتابعه قفة بتعميمه وتصديره تحول إلى أمثولة في الفوضى وعدم الاستقرار لأن التاريخ لا يستجيب للرغائب، ولا يلبي أحلام اليقظة، خصوصاً لهؤلاء الذين يصرون على استخدام عصا الأسلاف التي قضمها السوس .

خطة الوداع، كما جاء بها بلير تكرار عقيم لسيناريو لا يزال يبحث عن مخرج، وإن كان الممثلون بعدد الحصى، ومنهم المحترفون والهواة .

فالخطوط الحمر في الاستراتيجية الصهيونية لا يقترب منها هذا الانجلوساكسوني الذي لا يشارك أسلافه الحصافة والنفوذ، والكلام المتكرر عن دولتين متجاورتين بمعزل عن شروط الحياة والديمومة للدولة المقترحة هو حبر على ورق بل هو كتابة على الماء أو الرمل، لأن الذهنية الصهيونية سواء عبر عنها أولمرت أو نتنياهو أو بيريز وشامير إلى آخر القائمة، تبقى أسيرة الشرنقة الأسطورية، وهي تموت وتتذرر في الهواء النقي لأنها أشبه بالمومياء التي يجب أن تبقى محفوظة ومعلبة كي لا تتحول إلى هباء !

لقد سخر بعض المعلقين على زيارة بلير قائلين إنها مناسبة لوعد آخر مضاد لوعد بلفور، ولعل الزائر الذي يقترب من غسقه يعتذر عما اقترف ساسة بلاده.. لكن الأمور ليست بهذا التبسيط، والسياسة لا تعرف مثل هذا الندم الأخلاقي، وما يحدث غالباً هو الاستمرار في الخطأ حتى يتحول إلى جملة خطايا، لأن الأحفاد أخذتهم العزة الكاذبة بالإثم .

ومن الواضح أن رؤساء وزارات معظم دول أوروبا يبدأون يومهم الأول بوعود لا يتذكرونها إلا في يومهم الأخير، لأنهم متورطون بأجندات بلدانهم واستراتيجياتها، وهي تضع مصالحها أولاً.. وعاشراً وحتى المليون .

وإذا كان بلير قد نفذ خطة الوداع بطاقية، ليست للإخفاء بقدر ما هي للممالأة السياسية والنفاق الأيديولوجي، فإن الرئيس بوش يبحث الآن عن مستشارين جدد لإعداد خطة وداعه .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات