الشروط الأمريكية و أي حكومة نريد ؟

قبل الشروع في تناول الموضوع ، لابد لي من أن أوجه نداءً خاصاً للأخوة في حركة حماس مستذكرا ومستحضرا حديث جرى بيني وبين الأخ خالد مشعل قبل سنوات قليلة له صلة بندائي هذا . أيها الأخوة في حماس نناشدكم عدم اللجوء للانتقام في علاقتكم مع الأخوة في حركة فتح لان هذا لا يقدم اى فائدة لشعبنا بل يذبح كل آمالنا في الحرية والاستقلال ويبقى الذريعة لكل المصطادين في الماء العكر ، ويقيم دليلا عليكم ولا يرضى الله ورسوله والمؤمنين . ورغم معرفتي بموقف قيادتكم الطيب تجاه حل الأزمة ووقف الفتنة ، إلا أنكم ملزمون أخلاقياً ودينياً ووطنياً بوقف اى ردود فعل على ما جرى قديماً ويجرى الآن ، وهو ما نطلبه من الاخوة في فتح أيضاً . أما الحديث الذي أشرت إليه بيني وبين الأخ خالد مشعل فقد كان في بيت عزاء لأحد شهداء عملية أسدود البطولية والتي استشهد فيها ابن شقيق الرفيق موسى سالم ( ابوباسل ) عضو اللجنة المركزية السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وكان العزاء في بيته .
وتحدث فيه الأخ خالد مشعل حول الأوضاع السياسية ومعاني الاستشهاد ، وعندما أكمل حديثه أبديت له وعلى مسمع من كل الحضور بعض الملاحظات التي كنت أرى ضرورة إيرادها في معرض التعقيب على ما تفضل به . وهنا سأذكر ملاحظتين كنت اراهما مهمتان في حينه ولا تزالان . الأولى وأكدت فيها على أن تنتبه قيادة حماس لقرار العدو في اجتماع وزارته الأمنية المصغرة باغتيال قادة حماس ، وأبديت قناعتي التي تقول أن العدو مصمم على فعل ذلك ونأمل أن تحذروا . وقد كان رد الأخ مشعل أننا منتبهون وندرك ذلك ، وان الأعمار في النتيجة بيد الله ، والحال انه بعد اقل من شهرين كانت” إسرائيل ” قد اغتالت الشيخ القائد احمد ياسين ، والقائد الوطني الكبير عبد العزيز الرنتيسى .
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالعلاقة مع حركة فتح وسلطتها الوطنية ، وقد تمنيت على الأخ مشعل وحركة حماس أن تتحلى بالصبر وسعة الصدر في الرد على استفزازات الأجهزة الأمنية وبعض جهات حركة فتح واننى أتوقع أن تزداد الضغوط والاعتقالات والملاحقات لأعضاء الحركة ولذلك فان المطلوب هو استيعاب كل ذلك وعدم الانجرار إلى اى اشتباك حفاظاً على الدم الفلسطيني وقلت بالنص : ” يا أخ أبو الوليد تحملتم في الماضي كل الضغوط والاستفزازات بما في ذلك المهين منها وشكركم شعبنا على صبركم وحكمتكم فأكملوا علينا فضلكم بتحمل القادم ” والذي ربما يكون أسوأ مما مضى ، وقد رد الأخ مشعل بأننا سنفعل بإذن الله ولن نكون إلا محافظين على دم شعبنا وأهلنا لان هذا أهم من اى شيء بالنسبة لنا، وأنا هنا أعود لأطلب من الاخوة في حماس أن يكونوا عند وعدهم لنا وان يوجهوا أعضاءهم ومناصريهم علناً لوقف الرد والانتقام كما سمعناه من الأخ أبو مرزوق قبل ثلاثة أيام وهو الكلام الذي أثلج صدورنا ، ونتمنى الالتزام به .
أمل أن يعذرني القارىء على هذه المقدمة الطويلة لعنوان قد يبدو بعيداً عما قدمناه ولكن ليس لكاتب أن يتجاهل الوضع الخطر الذي نواجه مهما كان عنوان حديثه ، وان اى حديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية أو تناول اى مهمة من مهمات العمل الوطني الراهنة لا يمكن أن تفهم بعيداً عن استقرار الأوضاع الداخلية أو متانة الجبهة الداخلية وتراص صفوفها ، ومن هنا يمكن رؤية اى وجهات نظر نتفق معها أو نختلف حول سبل العلاج للخروج من مأزقنا الراهن .
وفى الموضوع المحدد ، فان اقتراح تشكيل حكومة تتوافق مع الشروط الخارجية أياً كان مصدرها تحت اسم حكومة فك الحصار هو بدعة ليس لها سوابق إلا في ظل الهزائم العسكرية أو قبول شعب أو امة باحتلال وطنها نتيجة غزو قهري لهذه الأمة أو الشعب ولا يذكر التاريخ اى واقعة كان توحد الناس فيها يستهدف التكيف مع شروط المحاصرين لرفع هذا الحصار بل كان العكس هو الذي يحدث ، اى يتوحد الناس ويتعاضدوا خلف قيادتهم لكسر الحصار ومقاومته ، أو يتم حسم المعركة لصالح المُحاصِرين باستسلام المُحاصَرين ، وهذا ممكن وجائز وله شواهد عبر التاريخ كثيرة ، أو يتفق الجانبان على شروط رفع الحصار ، والذي كان عادة يأخذ طابع الحصار العسكري حول قلاع محصنة ويستمر لفترة طويلة من الزمن .
إن تشكيل حكومة الاشتراطات الدولية أو بالاحرى الأمريكية يتناقض كلياً مع تشكيل حكومة وحدة وطنية ، وهى بدعة غير مقبولة ، من شعب كشعبنا المقاوم والشجاع وصاحب الكرامة الوطنية ، والهامة العالية بين أبناء أمته العربية .
إن شروط تشكيل حكومة وحدة وطنية لايمكن أن تتوافق مع شروط الرباعية ، أو ما يسمى زوراً الشرعية الدولية ، باستثناء الدول والشعوب المهزومة كما أوردنا سابقاً ، ولهذا كانت دعوات الجميع لتشكيل حكومة وحدة وطنية حريصة على التبرؤ من الاشتراطات المهينة أمريكية كانت أو إسرائيلية وهذا ما ورد نصاً على لسان نبيل شعث عضو مركزية فتح والمجلس التشريعي ، وهو الرجل المعروف بمرونته السياسية ولا يخرج عن رؤية الرئيس ومن يحيطون به . وكما يقال فان القلاع المحصنة لا تسقط إلا من الداخل لذلك نرى هذا الكم الهائل من الضغط والإغراءات لضرب الجبهة الداخلية وخلق فتنة يسهل معها إسقاط قلعة صمودنا وتمسكنا بكامل حقوقنا في وطننا ومستقبل أبنائنا .
لقد قدم شعبنا خيرة أبنائه وخيرة رجاله من اجل عزته وكرامته ، ومن اجل تحرير أرضه ورفع الظلم والجور الذي ما زال يلاحقنا منذ أكثر من قرن ، وفى سبيل الحرية والاستقلال ، وليس من المنطق ولا من العدل أن تفرض عليه مثل هذه الشروط المجحفة .
إن برنامجنا الوطني لا يزال برنامج التحرر الوطني وجوهره المقاومة للغزوة الصهيونية لأرضنا وعودة اللاجئين لوطنهم السليب ، وعليه تبنى اى حكومة وتكتيكها أو برنامجها السياسي ، وإذا كان الحصار على شعبنا مالياً يستهدف إسقاط حماس ومقاومتنا للظلم وطرد الاحتلال فان مواجهة هذا الحصار لا يمكن أن تنجح بدون وحدتنا على أساس هذا البرنامج وقد جربنا ليس فقط الانصياع للوعود والاملاءات بل وخرجت قيادتنا عن كل الأصول الوحدوية سابقاً من اجل تحقيق هذا الهدف النبيل وكانت النتيجة التنكر من هذا العدو مع خسارة وحدتنا .
والآن هل الهدف الحكومة ؟ دعونا نضيف لذلك عناوين أخرى أصبحت معروفة وأولها منظمة التحرير ، ولهذا فالنشاط السياسي والعمل يجب أن يستهدف خلق قيادة موحدة وإرادة عمل موحدة من اجل إنجاز كافة العناوين ومن بينها حكومة الوحدة ، المختلفة في الجوهر عن حكومة فك الحصار ، لان فك الحصار أو بالاحرى كسره يجب أن يكون إحدى نقاط البرنامج وليس كل البرنامج ، كما لا يجب أن يكون فك الحصار هو الاسم الحركي للتساوق مع شروط الرباعية المهينة والمجحفة ، ودعونا نفتح معركة أموالنا المحتجزة عند العدو بدل معاركنا مع أنفسنا ، ونفتح معركة الاحتلال لأرضنا بكل الوسائل بما في ذلك إعادة النظر في التهدئة مع العدو ، ويكف البعض عن لعب دور حصان طروادة لمخططات القوى المعادية لاحلام شعبنا وحقوقه سواء كانوا يدركون ما يفعلون أو بحسن نية .
إن الحصار كما ترون هو حصار مالي ليس إلا ، فرام الله تعج بالزوار والمسئولين الدوليين والرئيس يتحرك بكل حرية ولاى مكان يريد أم أن مؤسسة الرئاسة ليست السلطة الوطنية ؟
إذن دعونا نستفيد من ذلك في رفع الحصار المالي .
إن هدف إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة على أرضنا المحتلة منذ عام 67 وعاصمتها القدس وحق العودة ، ما زال الهدف المتفق عليه لاى حكومة فلسطينية مهما كان شكلها أو أفرادها ولهذا الهدف بالذات لا يمكن تشكيل حكومة الاشتراطات المذكورة حول الشرعيات خصوصاً شرعية وجود الكيان الصهيوني الغاشم ، لان هذا يمثل بداية ليس فقط تشبه اتفاق اوسلو التفريطى بل أسوأ من ذلك ، ولان اى تساوق مع هذا سيعطى أسبقية خطرة لكيفية التعامل غير المتزن ولا العادل مع شعبنا ، وسيقدم نموذجاً مريحاً لعدونا في تهميش من تريد وإقصاء من لا يرضخ لمشيئتها وهذا ما يرفضه شعبنا بكل قواه سواء في فتح أو حماس أو غيرها من الفصائل والقوى . إن استبعاد حماس الآن يعنى هذا تماماً والأمر لا يتعلق بهوى شخصي لهذا الفرد أو ذاك أو لهذه المجموعة أو تلك انه يتعلق بمستقبلنا وكرامة شعبنا وحرية قراره السياسي ، الآن وبعد ألف عام . إن هذا لا يعنى تأبيد حماس أو تنزيهها عن النقد على الإطلاق ، انه ببساطة يعنى شرعية اى حكومة ارتباطاً بإرادة الشعب الفلسطيني سواء كانت هذه الحكومة من حماس أو من فتح أو غيرهما ، وسواء رضيت عنها أمريكا و “إسرائيل “أو لم ترضيا . وهذا هو الأساس لوحدتنا وليس اى شيء آخر ، فلا وحدة بدون حرية الإرادة كما يقال .
إن التمييز الذي تتعمده الدوائر المعادية ، بين الحكومة والرئاسة مفهوم لشعبنا والذي يستهدف تعميق الشرخ والانقسام باتجاه إغلاق كل أبواب الحوار لجسر الهوة بين مكونات السلطة الوطنية في ظل الاحتلال والحصار من جانب العدو الصهيوني ، بما في ذلك حجز أموالنا ، يتطلب أن تعطى الأولوية له في الصراع الدائر اليوم فوق أرضنا .
وحتى لا نبقى ندور في حلقة مفرغة حول الاولويات وكيف ومن أين نبدأ علينا أن نجيب على الأسئلة الملحة : ما هو الهدف من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ؟ انه كما اعتقد وفى المقام الأول منع تفاقم الخلاف ووقف نزيف الدم بين أبناء الصف الوطني الواحد .
ومن ثم يأتي هدف كسر الحصار ومقاومته ، ثم توفير الأجواء لتنفيذ اتفاق القاهرة حول عناوين العمل الوطني وفى طليعته إعادة بناء م . ت . ف على أسس جديدة بمشاركة الجميع وتفعيل دورها السياسي والقيادي باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في الداخل والخارج . وفى المقابل وبعد تحديد هذه الأمور بهذه الدقة نطلب بذات الوضوح من حركة حماس بالإضافة لوقف الانتقام والقتل ، أن تتجاوب وتتفهم آلام الناس ومطالبها في العيش الكريم والأمن لها ولأولادها ، واجتراح التكتيكات الملائمة لرفع المعاناة عن شعبنا ووقف الحصار المالي وهذه تحتاج ليس فقط الحديث عن الثوابت أو جمع التبرعات ، بل تحتاج إلى حركة سياسية مع الجميع للوصول إلى تفاهم وطني عام يشكل قناعة لدى الجميع ، دون أن يؤدى إلى تنازل ، أو تفريط بحقوق شعبنا .
وفى الختام فان خطوة من جانب الرئيس بالتراجع عن موضوع الانتخابات المبكرة ، يجب أن يقابلها مرونة من الاخوة في حماس في موضوع تسمية بعض الوزراء والمبادرة للاعتراف والمشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية والمساهمة في إعادة تفعيلها ، وكلنا في انتظار لقاء الاخوة على وحدة الدم الفلسطيني وعدم إهداره إلا في مواجهة العدو الصهيوني .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...