الأحد 07/يوليو/2024

أمريكا لم تعد تملك 99% من أوراق اللعبة!

أمريكا لم تعد تملك 99% من أوراق اللعبة!

صحيفة الشرق القطرية

خلال السبعينيات دأب السادات على ترديد مقولته الشهيرة: إن أمريكا تملك 99% من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط، وكانت تلك المقولة تشكل اعترافاً بالقوة الأمريكية التي لا يستطيع أحد أن يواجهها، وبأن أمريكا تفرض سيطرتها على المنطقة بحيث لا يملك أحد القدرة على أن يقوم بعمل دون رضاها وموافقتها فبيدها وحدها مفتاح السلام والحرب .

ونتيجة لذلك رضخ الرجل للضغوط الأمريكية، وقبل معاهدة كامب ديفيد طبقاً لشروط ومصالح صديقه بيجن.. لكن بعد مرور ما يزيد على ربع قرن هل مازالت أمريكا تملك أوراقاً تلعب بها في المنطقة؟ .

القوة الإيرانية

يقول الجنرال وليم أدوم وهو من كبار قادة الجيش الأمريكي ويعمل حالياً أستاذاً بجامعة يال: إن أمريكا يجب أن تتخلص من الكثير من الخرافات التي روجتها وسائل الإعلام الأمريكية، وأن تنقل هذه الوسائل الحقائق للجماهير عن الأحداث في العراق، ومن أهم هذه الحقائق أن أمريكا لم تعد اللاعب الرئيسي في المنطقة، فالغزو الأمريكي للعراق أدى إلى زيادة القوة الإيرانية في المنطقة، وأمريكا لن تستطيع أن تمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، فالحل الوحيد أمام أمريكا لمنعها هو الغزو البري، ذلك أن إيران استفادت من تجربة ضرب “إسرائيل” للمفاعل النووي العراق، فأقامت منشآتها النووية داخل تحصينات قوية بحيث لا تؤثر فيها الضربات الجوية، وتجربة الغزو الأمريكي للعراق توضح أن الغزو البري لإيران أصبح مستحيلاً .

لذلك فإن أمريكا تقف عاجزة أمام إيران وهي تطور أسلحتها النووية وتزيد قوتها في المنطقة وتوسع نفوذها، وتصبح لاعباً رئيسياً .

وأمريكا لن تجرؤ أن تخوض حرباً جديدة بعد العراق، فالخسائر المادية والبشرية الأمريكية تتزايد، وسخط الشعب الأمريكي على هذه الحرب يتزايد أيضاً؛ ولذلك فإن النفوذ الأمريكي في المنطقة يتناقص في مواجهة القوة الأمريكية المتصاعدة .

الفشل الأمريكي

إن أهم الحقائق التي يجب أن تنقلها وسائل الإعلام الأمريكية للجمهور هي كما يقول الجنرال وليم أدوم ان أهداف أمريكا في العراق لا يمكن أن تتحقق، وهذا ما اعترف به أيضاً زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد حيث قال: إن الشعب الأمريكي لن يسمح باستمرارية هذه الحرب فهي ببساطة لا يمكن كسبها عسكرياً، ولذلك لابد أن نغير مسارنا في العراق .

ترتيباً على ذلك يقول الجنرال وليم أدوم الذي كان يشغل منصب مدير وكالة الأمن القومي: إن الانسحاب السريع من العراق هو الحل لأن استمرارية الاحتلال سيزيد الكارثة .

ولقد بدأت الأصوات المطالبة بالانسحاب السريع من العراق تتعالى في الولايات المتحدة حتى وصلت إلى الجيش، حيث قدم أكثر من ألف من الضباط والجنود الأمريكيين نداء إلى الكونجرس يطالبون بسحب الجيش الأمريكي من العراق وهذه أول مرة تحدث منذ حرب فيتنام. فالجنود والضباط الذين وقعوا على البيان مازالوا في الخدمة وهو ما يحمل دلالات خطيرة حيث يمكن أن تعتبر حركة تمرد في الجيش الأمريكي .

وهذا النداء لم يكن ليصدر من ضباط وجنود لولا أن الخسائر البشرية داخل الجيش الأمريكي قد وصلت إلى معدلات خطيرة لم يعد من الممكن أن يتحملها ذلك الجيش .

الاعترافات الرسمية تقترب بعدد الجرحى من الجنود الأمريكيين إلى 25 ألف جندي، وهؤلاء يشكلون مشكلة أكبر للإدارة الأمريكية حيث يحتاجون نفقات باهظة للعلاج وإعادة التأهيل، وفي الوقت نفسه فإنهم يمثلون شاهداً على حجم الكارثة التي تعرض لها الجيش الأمريكي وسوف ترتفع أصواتهم بإدانة الذين دفعوا بالجيش الأمريكي لهذه الحرب .

وأسر القتلى الذين يقترب عددهم طبقاً للاحصائيات الرسمية من ثلاثة آلاف قتيل سوف يتزايد سخطهم على الإدارة الأمريكية .

رفض شعبي

وهناك شكوك تتزايد بين الشعب الأمريكي أن عدد القتلى داخل الجيش الأمريكي أكبر بكثير من العدد المعلن، فقد أوضح استطلاع للرأي نشرته الواشنطون بوست وأذاعته شبكة ABC أن 77% من الشعب الأمريكي يعتقدون أن عدد الضحايا في الجيش الأمريكي لم يعد مقبولاً، ولذلك يرى 48% أن أمريكا يجب أن تسحب قواتها بسرعة من العراق في مقابل 48% يرون ضرورة بقاء القوات الأمريكية حتى يتم استعادة النظام في العراق .

ويوضح هذا الاستطلاع أن الشعب الأمريكي أصبح منقسماً بشكل حاد حول قرار الانسحاب لكن عدد من يطالبون بالانسحاب السريع يتزايد بسرعة .

يوضح الاستطلاع أيضاً أن 61% من الشعب الأمريكي يعتقد أن الحرب في العراق لم تكن تستحق كل ما تحملته أمريكا من خسائر مادية وبشرية، وهو ما يتفق مع رؤية الكولونيل بول هوفز وهو قائد سابق في الجيش الأمريكي الذي يقول: إننا نبدد الأموال والدماء الأمريكية في العراق .

يعبر ذلك عن حالة الغضب الشعبي من ارتفاع التكاليف المادية للحرب على العراق، والتي تشير بعض التقديرات إلى أنها قد تجاوزت تريليون دولار في الوقت الذي تعجز فيه أمريكا عن إعادة إعمار نيو أورلينز أو إيواء المشردين بسبب الإعصار، وترتفع نسبة الذين يقعون تحت خط الفقر .

ولذلك فإنه بالرغم من عناد بوش وإدارته فإنه من الواضح أن الشهور القليلة القادمة سوف تشهد انسحاباً سريعاً وربما غير مخطط من العراق يشبه إلى حد كبير الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان .

جريمة أخلاقية

خسائر أمريكا في العراق لا تقف عند حد الخسائر المادية والبشرية، ولكنها تتجاوز ذلك فقد خسرت أمريكا سمعتها وصورتها الذهنية . العالم كله أصبح الآن يعرف أن أمريكا ارتكبت جريمة ضد الإنسانية في العراق تمثلت في عملية إبادة لأكثر من مليون عراقي، وربما أكثر من ذلك .

يقول الجنرال وليم أدوم إن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية المعنوية عن عمليات القتل وانتهاك حقوق الإنسان التي لم يكن من الممكن أن تحدث لولا الغزو العراقي .

وتعتمد الإدارة الأمريكية في تبرير استمرار احتلالها للعراق بأنها تريد استعادة الأمن والنظام، وتلك خرافة كما يرى الجنرال أدوم، فالقوات الأمريكية هي التي تقوم بتسهيل عمليات الخطف والقتل التي تقوم بها المليشيات الشيعية ضد السنة .

ولذلك فإن الإدارة الأمريكية ارتكبت جريمة أخلاقية بإشعال الحرب الأهلية في العراق، وتقوية الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، وبالتالي فإنها تتحمل مسؤولية كل جرائم الإبادة والتهجير والخطف والتعذيب التي ترتكبها هذه الميليشيات ضد السنة .

يقول الجنرال أدوم إن المحاولات الأمريكية لوقف حمام الدم في العراق سيزيد النزيف، وسيفجر هذا الحمام بشكل أكبر ولن يوقفه .

الإدارة الأمريكية سلمت الشرطة والجيش العراقي للشيعة، بالإضافة إلى إمكانيات الحكومة العراقية المتحيزة للشيعة، ولذلك فإن كل جريمة ترتكبها هذه الميليشيات يقع وزرها وإثمها وعارها على عاتق الجيش الأمريكي .

سخط الدول السنية

والمليشيات الشيعية موالية لإيران، وهي تريد استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق حتى تكمل جريمتها التاريخية في إبادة السنة.. لكن ذلك سيثير غضب الدول العربية السنية التي ستجد نفسها مضطرة لمواجهة أطماع إيران في العراق بالإضافة إلى تقويض استقرار هذه الدول التي يوجد بها أقليات شيعية .

الدول السنية التي تحيط بالعراق ستجد نفسها مضطرة لأن تتحمل مسؤوليتها عن أهل السنة في العراق. والشعوب في المنطقة كلها سيتزايد سخطها على أمريكا التي فجرت هذا الصراع الطائفي .

ولذلك فإن بقاء الجيش الأمريكي في العراق يشكل كارثة لهذه الدول السنية. حيث سيزيد سخط شعوبها عليها وعلى أمريكا وهي ترى السنة يقتلون في العراق .

أمريكا عرضت علاقاتها مع دول المنطقة كلها للخطر، فهي تتحمل المسؤولية عن دماء السنة التي تراق في العراق، وعن جرائم الإبادة التي ترتكبها الميليشيات الشيعية ضدهم.. فهي التي أطلقت تلك الميليشيات .

لكن أمريكا لن تصمد طويلاً وستضطر إلى الاعتراف بالهزيمة والانسحاب من العراق ربما بأسرع مما يتخيل الجميع، وهذا الانسحاب يعني نهاية نفوذها في المنطقة .

وفي هذه الحالة سيجد السنة أنهم قد حققوا نصراً عظيماً، وأنهم قد حرروا العراق من الاحتلال الأمريكي، وهذا النصر سيزيد قوة الشعوب في مواجهة النظم العربية، وسيزيد قوة الأمة في مواجهة أمريكا و”إسرائيل”، وهذا النصر سيكون بداية الدورة الحضارية الإسلامية القادمة التي خططت أمريكا لمنعها بغزوها للعراق .

أمريكا تفقد أوراقها كلاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، وفي غضون شهور قليلة ستفقد كل أوراقها وستضطر للانسحاب مهزومة تحمل على رأسها عار جريمة ضد الإنسانية، وسيشعر الأمريكيون بعار يفوق عارهم في فيتنام. أما الأمة الإسلامية فهي برغم كل الآلام و

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات