الإثنين 08/يوليو/2024

ما العمل للخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي؟

ما العمل للخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي؟

صحيفة الاتحاد الإماراتية

صدق إحساسي عندما كتبتُ بعد اندلاع الاشتباكات المسلحة بين “حماس” و”فتح”، بأن أحداً من الطرفين لن يصغي للنصائح بالتهدئة والعودة إلى طريق الحوار والوفاق، ظناً من كل طرف أنه قادر على أن يؤكد للآخر وللعالم بمفردات القوة المسلحة، أنه الأجدر بالحكم وبتمثيل الشعب الفلسطيني في التسوية التي “فتح” احتمالاتها تقرير “بيكر- هاملتون”.

ذلك أن التهدئة التي أعلن عن التوصل إليها مساء الأحد لم تصمد إلى عصر يوم الاثنين، فدارت الاشتباكات وسقط قتيل من “فتح” واختطف أحد قيادات الصف الأول فيها، وهو وزير الأسرى السابق، وكذلك اختطفت عناصر قيادية من “حماس”. صحيح أن الوزير قد أطلق سراحه بعد ساعات فيما أسماه المتحدث باسم “حماس” ببادرة حسن نية، غير أن الفعل أكد مخاوفي التي عبرت عنها قبل أن تفلت الأمور من نطاق الاشتباكات المحدودة، التي تتصور القيادات العليا أنها مجرد استعراضات للقوة واقعة تحت السيطرة.

هذه المرة، قال الوزير المختطف بعد إطلاق سراحه: إن من اختطفوه كانوا شباناً تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والثانية والعشرين، لا يطمئن الإنسان إلى قدرتهم على ضبط النفس، ولكن المرة المقبلة لن تكون اختطافاً لقيادي من الصف الأول، بل ستكون اغتيالاً مدبراً بإحكام من جانب طرف ثالث لإحدى القيادات العليا لتنفجر الحرب الأهلية كما يجب أن تكون، ولتسيل حمامات الدم الفلسطيني مدراراً، وليرتسم أمامنا مسرح مطابق للمسرح العراقي.

إن ندائي اليوم موجه إلى حالة الثقة المفرطة التي يتعامل بها زعماء الحركتين، والذين يتصورون أنهم يمهدون بحوار الرصاص لحوار تالٍ بالكلمات، بعد أن يثبت كل من الطرفين للآخر أنه خصم لا يلين وأنه غير قابل للانكسار وتسليم إرادته للطرف الآخر. هذه الحالة لا يمكن وصفها بصفات تتصل بالحكمة السياسية لكل من قرأ عن تواريخ الصراعات بين القوى المتكافئة. في نهاية المطاف -هكذا يعلمنا التاريخ- أن القوى المتكافئة الحكيمة الحريصة على عدم التعرض لتجارب استنزاف طويلة المدى، تفضل الإقلاع سريعاً عن الحوار المسلح واللجوء إلى تقاسم الكعكة المتنازع عليها. هكذا فعلت القوتان العظميان الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في مطلع السبعينيات عندما توصلتا إلى سياسة الوفاق.

إننا ندرك أن هناك فروقاً موضوعية بين هذه الحالة والحالة الفلسطينية، فتلك كانت صراعاً بين دولتين، وهذه حالة صراع بين فريقين ينتميان إلى إطار وطني واحد، لكن المقصود هو أن نستوحي الدرس الواضح في ضرورة وحكمة تجنب استنزاف طويل المدى وأن نقدمه للفريقين.

إنني هنا أحاول عامداً أن أعزل عنصر التدخل الخارجي الذي يذكي الصراع ويؤججه بتشجيع الطرفين على مواصلة لغة الرصاص، إنْ صراحة وإن ضمناً، فكلنا يعرف أن أولمرت رئيس وزراء “إسرائيل” عبَّر أكثر من مرة، كانت الأخيرة يوم الاثنين بعد لقائه برئيس وزراء بريطانيا توني بلير، عن ضرورة دعم الرئيس محمود عباس، كما نعلم أن أطرافاً إقليمية تشجع “حماس” على مواصلة التحدي لعباس.

إنني أهيب بالفريقين أن يدركا أن النار التي ستندلع في البيت الفلسطيني، لن تصل إلى ملابس أولمرت ولا إلى جلابيب الآخرين، بل إنها ستأكل كل اللحم والعظم الفلسطينيين فحسب، في حين أن الأطراف الخارجية ستحصي نقاط التفوق على المعسكر الذي لا ترضى عنه.

لقد شعرت نوعاً ما، بقدر من الأمل عندما سمعت الرئيس محمود عباس يقول في حديث للتلفزيون المصري: إن أقوال أولمرت تؤذيه وإنه لا يريدها وإنه لا يعول على مساندته، لكنه لا يستطيع أن يكمم أفواه الآخرين.

إن المفتاح للتوافق بين الرئيس عباس وحكومة “حماس” بعد أن أدرك كل طرف أنه غير قادر على الانفراد بالساحة وإزاحة الآخر، يتمثل في اقتسام الحكم من خلال التوافق. ويمكن أن يتم هذا بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو بتشكيل حكومة تكنوقراط، أو بصيغ أخرى مطروحة. المهم الآن أن تتوافقوا وأن توقفوا اندلاع اللهب الذي لن يغذيه سوى وقود يسيل من عروقكم جميعاً.

ارحموا أنفسكم وارحموا العرب الذين دفعوا دماء أبنائهم دفاعاً عن قضيتكم في حروب متتالية، تقاسموا كعكة الحكم بدلاً من اقتسام النيران الحارقة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات