المؤامرة تتجدد بمحاولة للانقلاب على الشعب الفلسطيني وخياره الديمقراطي

لا يمكن لأحد يملك منطقا سليما أن يدافع عن توجهات الرئاسة الفلسطينية والمجموعة الإنقلابية في حركة فتح، ذلك أنه تبين الأن بعد أن أشرفت السنة على نهايتها أن رهان الأطراف السابقة كان منذ البداية، العمل على اسقاط حكومة حماس والسعي لإفشال سياستها ومشاريعها وتكتيكاتها. فبعد انتخابات يناير ورغم فوز حركة المقاومة الإسلامية بغالبية ساحقة في البرلمان لم تحرص حماس على احتكار السلطة التنفيذية رغم أن ذلك من حقها، بل سعت الى تشكيل حكومة وحدة وطنية وخاصة مع حركة فتح التي جاءت في الصف الثاني. المفاوضات استمرت لأكثر من شهرين بعد الإنتخابات التشريعية ولكنها فشلت أساسا بسبب مواقف رئاسة فتح أي الرئيس محمود عباس.
في الأشهر التالية وقفت الرئاسة الفلسطينية تقريبا بدون أي فعل ايجابي بل أحيانا بتحرك سلبي في مواجهة الحصار الأمريكي الغربي الذي فرض على كل الشعب الفلسطيني، حتى أن بعض المراقبين الغربيين قدروا في حينها أن الحصار المالي الذي بدأ في الربع الأول من السنة والذي أخذ يعطل صرف أجور 160 الف من موظفي الحكومة، ولد ارتياحا في صفوف هيئة الرئاسة والفتحاويين الذين شنوا حربا شرسة على حماس ليس من منطلق الخلاف السياسي ولكن بسبب المنافع والمناصب والنفوذ المفقود. العديدون روجوا في بداية صيف 2006 أن عمر حكومة حماس لن يتجاوز ثلاثة أشهر ووصل الأمر بالبعض الى التأكيد أن حكومة هنية ستسقط في شهر أغسطس.
عندما تسلمت حكومة حماس السلطة التنفيذية وضعت أقدامها على أرضية لا يمكن وصفها إلا أنها كانت ملغمة خاصة على الصعيد المالي، وزير المالية وجد الخزائن فارغة والميزانية مثقلة بالديون رغم معونات دولية سنوية معلنة تفوق 1420 مليون دولار، وعندما بدأت مشكلة دفع الرواتب تتكرس ورغم اعلان بعض الأطراف الدولية في حينها عن تحويل بعض المعونات عبر حسابات الرئاسة ورغم تاكيد عدة بنوك أن للرئاسة أرصدة بعدة مئات الملايين من الدولارات، لم يتحرك الرئيس عباس للتخفيف من معاناة الموظفين الفلسطينيين الذين يعولون زهاء المليون نسمة.
خلال صيف 2006 سجل أن الرئاسة الفلسطينية لم ترحب بنجاح الحكومة في ادخال الأموال نقدا عبر الأراضي المصرية الى غزة لدفع جزء من رواتب الفلسطينيين، بل إن الرئاسة واجهزتها أثارة أزمات متتالية من أجل أن تودع الأموال التي أدخلها وزراء وأعضاء حماس في حساباتها قبل أن تدفع للموظفين، ولم تضع الرئاسة يدها في حساباتها الخاصة لتخفف من معاناة مواطنيها وكأنها غريبة عن الشعب الفلسطيني ولا شأن لها به.
في الأسابيع التالية ورغم تأكيدات مصادر غربية وأمريكية شبه رسمية على ضخ الولايات المتحدة لملايين الدولارات في حسابات الرئاسة لدعم أجهزتها الأمنية لم يخرج دولار واحد لدفع الرواتب للمحرومين حتى هؤلاء الغالبية من العاملين في الأجهزة الأمنية، بل تم تحريض أفراد الأجهزة لا ليتظاهروا وهذا حقهم الذي يضمنه القانون، بل ليعيثوا في الأرض فسادا ويخربوا المؤسسات الفلسطينية من وزارات ومصالح.
لقد تعاملت الرئاسة الفلسطينية وانقالبيو فتح مع حكومة هنية كخصم وعدو ونسوا أن العدو هو إسرائيل، واضطرت حكومة هنية ان تصارع على جبهتين ضد العدو الإسرائيلي من جانب وضد خصومها في الداخل الذين وصلت عداوتهم الى حد التخريب والتحريض وإستخدام السلاح وإهدار الدم الفلسطيني الذي يعتبر خطا أحمر.
لم تسحق حكومة حماس في أغسطس ولا سبتمبر وتعثر الرهان الإنقلابي، وبرزت في هذه الأثناء قضية وثيقة الأسرى التي سعت بعض أطراف الرئاسة الفلسطينية الى ترجمتها على أسس ملتوية بهدف ارضاء المطالب الإسرائيلية الأمريكية حول الإعتراف بالكيان الصهيوني وتقديم تنازلات مسبقة دون مقابل من الطرف الأخر. حماس رفضت ذلك التفسير المغلوط والذي تبرأ منه بعد ذلك الأسرى انفسهم، وأكدت انها لن تتخلى عن ثوابتها، وأشارت الى ان السلطة الفلسطينية قدمت الكثير من التنازلات التي تمس حقوق الشعب الفلسطيني ولم تجد لدى الطرف الآخر سوى إصرار على الحصول على المزيد من التفريط عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.
حماس كانت مرنة سياسيا في حدود الثوابت وهكذا تفاوضت مع الرئاسة على تحويل وثيقة الأسرى الى مبادئ للوفاق الوطني ولكن بدون الترجمة الملتوية السابقة، وبذلت الجهد الكبير من أجل إقامة حكومة الوحدة الوطنية وقبلت التخلى عن مواقع حكومية رغم أن الناخب الفلسطيني اختارها لها، حتى هنية قال أنه لن يتولى رئاسة حكومة الوحدة. حركة المقاومة الإسلامية في مفاوضاتها مع فتح أشارت الى ان تنازلاتها التي لا تمس الثوابت يجب أن تكون مضمونة بتعهدات دولية برفع الحصار المالي.
المحادثات حول إقامة حكومة الوحدة الوطنية طالت لأكثر من اللازم وكان واضحا أن الرئاسة هي التي تجر أقدامها وتطلب المزيد من التنازلات كل يوم متعللة بالشروط الأمريكية الإسرائيلية.
في الوقت الذي كانت تجري فيه المفاوضات حول حكومة الوحدة، ظهرت معطيات قوية عن انهيارات في جدار الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني.
هنا وانصافا لسجلات التاريخ يجب الإشارة أنه قبل أن يشرع هنية في جولته العربية وزيارته لإيران حرصت الرئاسة الفلسطينية ومعها انقلابيو فتح على التأكيد على أن مفاوضات تشكيل حكومة الوحدة قد فشلت في حين كانت حماس حريصة على القول أن هناك صعوبات يجرى التفاوض على تسويتها. المقصود من هذا الموقف الرئاسي كان واضحا وهو وضع العراقيل أمام نجاح جهود حكومة هنية لكسر الحصار.
رغم كل التشويش والضغوط نجحت جولة هنية، قطر قررت دفع رواتب 40 الف من الموظفين الفلسطينيين وبناء مؤسسة عقارية ضخمة تخصص مداخيلها للقدس كما قررت اقامة مؤسسة بنكية اسلامية في الأراضي الفلسطينية لتكسير الحصار البنكي الذي تفرضه المؤسسات المالية الأمريكية مما أثار احتجاجا رسميا من جانب البيت الأبيض. إيران أعلنت عن تخصيص 250 مليون دولار لدعم فلسطين خلال زيارة هنية لطهران، والسودان رغم الحروب التي يتعرض لها قدم 10 ملايين دولار نقدا لرئيس الوزراء الفلسطيني. كانت هناك إنجازات هامة أخرى لجولة هنية فضلت أطرافها ان تبقى سرية حرصا على المصلحة الفلسطينية.
عندما قطع هنية جولته بسبب محاولات انقلابي فتح تفجير الساحة الفلسطينية من الداخل والزج بالشعب في أتون فتنة دامية، تعرض للحصار على معبر رفح ومنع من ادخال 35 مليون دولار أراد بها ان يخفف معاناة شعبه فلم يكن نصيبه من الرئاسة سوى وصف العملية بالتهريب. وعندما مر هنية الى غزة جرت محاولة تنفيذ جريمة أخرى هذه المرة استهدفت اغتياله وذلك على يد الحرس الرئاسي.
مناورات خصوم الشعب الفلسطيني الداخليين وصلت الى حد جرائم الإغتيال واهدار الدم الفلسطيني والعمل على اشعال الحرب الأهلية ليتمكن الصهاينة من تمرير مخططاتهم. الحرس الرئاسي الذي كان عليه ان يحمي الشعب الفلسطيني من الصهاينة تحول اساسا الى اداة لضرب الشعب الفلسطيني وإرهابه، والرئاسة قررت أن تكمل المخطط بصراع جديد حول أطروحة اجراء انتخابات مبكرة على أمل اسقاط حماس أو استفزاز الشعب ودفعه الى التطاحن.
غالبية الفصائل الفلسطينية رفضت القفز على القوانين واختيارات الشعب فأكدت بعد اجتماعها في دمشق بحضور أمنائها العامين أو من يمثلهم، معارضتها بشكل قطعي إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وأدانت بشدة “حادث إطلاق النار الذي استهدف حياة رئيس الوزراء إسماعيل هنية”، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في ذلك. حتى المخلصون للخط الوطني في حركة فتح وهم كثيرون رفضوا مخطط الرئاسة وقد أكد ذلك فاروق قدومي.
ترحيب اسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة وأذنابهم في الوطن العربي وخارجه بهذه المحاولة الجديدة لضرب خيار الشعب الفلسطيني، هي وسام فخر للشعب الفلسطيني الذي قرر دعم قيادته التي اختارها ديمقراطيا وظل يساندها رغم الحصار والتجويع والقتل واستباحة دمائه
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...