الدكتور أبو مرزوق: نُقتَل ولا نَقتُل.. نُظلَم ولا نَظلِم

لأن الوضع أصبح ثقيلاً على كل نفس ، والدم قد أريق بغير تبصر، أرى من واجبي أن انقل بأمانة إلى كل شعبنا اللقاء المطول الذي جرى اليوم بيننا وبين الأخ الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ونحن جميعا كوادر وضباط نعمل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ، ولا نرتبط باى فصيل بالمعنى الحزبي ، هذا اللقاء الذي استمر ما يزيد عن الثلاث ساعات في احد الأماكن بدمشق والذي جرى خلاله اتصال هام بين الأخ أبو مرزوق والدكتور غازي حمد الناطق الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية في غزة ، وسمعنا تفاصيله جميعاً وهو والحق يستحق أن انقله بحرفيته قدر الامكان ، وربما يساعد في وضع حد للقتال بين الأخوة ، ويتوقف هذا العبث بمصيرنا جميعاً ، وقد سبق هذا اللقاء كلمة الأخ هنية رئيس الوزراء المتلفزة بأقل من ثلاث ساعات . وسأروى المكالمة كما سمعتها بإذن الله .

وقد جاء اللقاء بناءً على طلبنا ، لمعالجة مسألتين الأولى مالية إدارية ، والثانية سياسية وهكذا جرى الحوار. وفى القسم التالي من الحوار أشار الإخوة بمجموعهم إلى مجموعة مسائل وملاحظات تتعلق بالرواتب ومخصصات العاملين في الدوائر والضباط ارتباطاً بوجودهم في سوريا ، وعلى ضوء إشكالات قديمة تسببت في توقف حركة الكادر وترقياته منذ ما يزيد عن عشرين عاماً وكان بعضهم قد طرح الأمر على السيد الرئيس أبو مازن في زيارته العام الماضي لدمشق وجرى حينها تعديل الرواتب باتجاه أفضل لكنها توقفت منذ تسعة اشهر وهى الأزمة التي يعيشها اغلب الناس ، لكن الأمر الذي تم التركيز عليه هو مخصصات اسر الشهداء والأسرى ، وقد طلبنا كلنا أن الأولوية يجب أن تعطى لهذا الشأن .

وقد تحدث بعض الأخوة عن موضوع الصندوق القومي وعلاقته بوزارة المالية الفلسطينية والإشكالات التي واجهت موضوع التنسيق بين الطرفين والذي تمثل في ضم الصندوق إلى الوزارة في الوقت الذي يجب أن تكون كل الوزارات بإشراف مؤسسات منظمة التحرير وليس العكس . ولن أفصل في هذا كثيراً كون الموضوع عنوان لمقال كبير ومستقل .

وكانت محصلة النقاش لهذا الجانب وعد من الأخ أبو مرزوق بالقيام بما يجب لتحريك البحث في كيفية صرف معاشات الشهداء والأسرى والجرحى بأسرع وقت ممكن .

وفيما يتعلق بالقسط الآخر من الموضوع المالي فقد تناول أكثر من أخ من الحضور تأخير صرف الرواتب وقدموا أكثر من استفسار حول هذا الأمر ، وكان السؤال الأبرز هو : لماذا يتم صرف رواتب المتفرغين في حماس وفتح والشعبية وغيرها حتى للمعتمدين على ملاك السلطة والمنظمة بينما لا يتم ذلك مع باقي الحالات ، وان هذا تمييز غير مفهوم وغير مبرر وخاطىء .

وتشعب الحديث في هذا المجال بما في ذلك الحصار المفروض على شعبنا في الداخل ومالياً على الجميع خصوصاً . وقد أجاب الأخ أبو مرزوق على كل المداخلات على النحو التالي : إن الحصار الذي يعانى منه شعبنا ليس حصاراً أجنبياً فقط بل هو حصار عربي وبالخصوص فلسطيني ، وان الأخوة في الرئاسة وفى فتح كانوا قد أعطوا الأمريكيين وعداً بأن حماس لن تصمد أكثر من ثلاثة اشهر على ضوء هذا الحصار حيث سيثور الشعب في وجوههم وتنهار الحكومة بنهاية شهر تموز ( يوليو ) من هذا العام وانه على ضوء صمود حماس وعدم تخليها عن الحكومة ازدادت الضغوط علينا وبدأنا نواجه أشكال جديدة من الاستدراج والاستفزاز بما في ذلك سحب كل الصلاحيات من الوزارات وخصوصاً الداخلية ، واتى على قصة المعابر والمالية وغيرها من الأمثلة التي تعزز وجهة نظر الأخوة في حماس حول رؤيتهم لحجم الحصار واستهدافاته السياسية . وأضاف نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بأنه رغم صمود الحركة إلا أن هذا الأمر اثر سلباً على شعبية حماس وخلق توترات كبيرة في الشارع الفلسطيني رغم أننا وكل الناس والفصائل تعرف أن الحصار لا تتحمل مسؤوليته حماس بل الضالعين فى المشروع الامريكى لمنطقة الشرق الأوسط ، وضرب مثالاً بدولة عربية غنية وفى لقاء مع قيادة هذه الدولة جرى حديث حول الحصار المالي فطلبت هذه الدولة من حماس الاعتراف بالمبادرة العربية وسيتم رفع الحصار وتحصل الحكومة على كل شيء وأولها الميزانية ، فوافقت قيادة حماس على المبادرة مشترطة عدم الاعتراف بإسرائيل فقوبل شرطها بالرفض بل قيل لحماس بصريح العبارة بأنه بدون الاعتراف بإسرائيل لا إمكانية لإعطائكم اى دعم وأنكم لا ترغبون في أن نكون في مواجهة مع الأمريكيين . وهذا ينطبق على معظم دول الصداقة مع أمريكا وللأسف فان السلطة الفلسطينية والتي تقبض عليها الرئاسة تسير وتتصرف على نفس الأرضية .

وقد تناول أيضاً موضوع النقود الورقية ( الكاش ) والتي تدخل مع الوزراء ففصل فيها وأوضح بجلاء أنها تذهب مباشرة لوزارة المالية وتوزع على الموظفين وبمعرفة الرئيس وموافقته وأننا نتحدى اى جهة فلسطينية أو عربية تبرز لنا اى دليل أو وصولات مالية تثبت أننا أخذنا اموالاً من اى طرف ولم نورده لوزارة المالية وبشكل رسمي وقانوني ، بخلاف النقود التي بغالبيتها تأتى مباشرة للرئاسة حيث لا نتحكم بها وأحياناً لا نعرف كيف تصرف وفى اى مجالات ، وقد أكد الأخ أبو مرزوق أن حركة حماس تشعر بالألم وهى ترى حاجة الناس وألمها وفقرها وأنها ترغب وبشدة في أن يتعاون معها الأخوة في فتح لتسديد الرواتب ورفع الحصار المالي عن الشعب ، كما أوضح أن كل المبالغ التي تأتى من الخارج على شكل أوراق نقدية يعلم بها الأخوة المصريون بل ويؤمنوا لها الحماية إلى أن تصل إلى معبر رفح ، وحتى لا أطيل في هذا العنوان أحيل الأخوة إلى خطاب الأخ هنية هذه الليلة وتفاصيل هذه الشؤون لان ما ورد في الخطاب فصله أمامنا الدكتور أبو مرزوق .

لقد ورد على لسان الأخ أبو مرزوق أمثلة كثيرة لا أجد من المفيد ذكرها على ما تعانيه حماس لإيصال الدعم والأموال للناس وعلى حجم العراقيل التي توضع أمامها من القريب والبعيد لإضعافها من اجل إسقاطها توطئة لتمرير مشاريع لا تخدم الشعب الفلسطيني بل تهدر حقوقه .

وفى موضوع النقود التي تتبرع بها الدول فقد أشار إلى حجم الضغوط الأمريكية على هذه الدول وكيف تتعامل أمريكا مع هذه الأموال إذا أرسلت باسم الحكومة وأنها تعتبرها أموال تذهب لإرهابيين ، وتقوم بعرقلة وصولها إن لم تحجزها ، وهذا ينطبق على الأموال التي تتبرع بها إيران فلو قامت إيران بتحويل المبالغ التي تتبرع بها عن طريق البنوك فان هذه الأموال سيتم مصادرتها حتماً ولن تصل ، وعندما أتى احد الأخوة على ذكر حزب الله في هذا المجال رد أبو مرزوق بان حزب الله يتلقى المال مباشرة سواء عبر المطار أو الحدود البرية وهذه غير متوفرة لنا ناهيك عن فرق المبلغ وحجمه بين ما تعطيه إيران لنا وما تلتزم به تجاه حزب الله .

وحول ما جرى في معبر رفح وحجز الأموال فقد أوضح كما الأخ هنية إن الذي ابلغ عن النقود وعرقل دخولها هو الرئيس عباس ومن معه ولولا ذلك لدخلت وصرفت للعاملين قبل العيد .

أما في القسم الثاني والمتعلق بالجانب السياسي فقد تناولنا بالنقاش عدة عناوين كان أبرزها حالة الاشتباك الدامية والتي نراها تتفاقم يوماً بعد يوم ، خلفياتها وأبعادها والى أين؟ وبجانب هذا العنوان تناولنا عناوين عديدة منها منظمة التحرير الفلسطينية وأهمية إعادة بنائها وإشراك الجميع في مؤسساتها وقيادتها حسب اتفاق القاهرة بين الفصائل ، كما موضوع حكومة وحدة وطنية بعناوينه الفرعية وتجربة حماس على هذا الصعيد … الخ والداخل والخارج والعلاقات الفصائلية إلى آخر ما هناك من شؤون وشجون فلسطينية كان في نهايتها تلخيص لرأى غالبية الحضور وأنا منهم في أن تبدى حماس كل المرونة المطلوبة من اجل تهدئة الوضع ووقف الاقتتال مع الأخوة في فتح وتجاه كافة عناوين المحور السياسي في النقاش ، وبالتأكيد استثنينا موضوع الاعتراف الذي لا يمكن أن يكون فيه مرونة لألف سبب . هذه المرونة التي لا تخرج القطار عن سكته أو تفرط بحقوق شعبنا ، وقد أثنى الحاضرون على موقف حماس المرن والذكي تجاه الإقرار بالهدف المرحلي لنضال شعبنا كما ورد في برنامج منظمة التحرير ، بإقامة الدولة كاملة السيادة على أراضى الرابع من حزيران عام 1967 وحق العودة والقدس ، وان هذا يشكل أرضية للقاء سياسي يخدم الجهود المبذولة للملمة الصفوف وتوحيدها وكذلك رفع الحصار المالي عن شعبنا .

وفى أثناء الحوار رن الهاتف وكان من غزة وتحديداً من الأخ غازي حمد الناطق الرسمي باسم الحكومة ، ولان الحوار بين الرجلين يجيب على العديد من أسئلة الواقع الراهن وتداعيات الأزمة الممسكة برقبة أهلنا في فلسطين وبقلوب شعبنا في الشتات ولأهمية حديث الأخ الدكتور أبو مرزوق فاني أوردها بأكبر قدر من الدقة وبحرفيتها إن أمكن تاركاً لأهلنا وشعبنا كيفية تقدير الأمر وموقف الأخوة في حماس ونحن بهذا نوصل الأمانة وربما نساهم إن شاء الله في رأب الصدع وإيقاف نزيف الدم في وطننا وبين أبناء شعبنا ومناضلينا .

يقول الدكتور موسى أبو مرزوق في رده على كلام الأخ غازي حمد التالي : أتمنى عليك يا أبا عمر ( ويقصد غازي حمد ) أن تتصل بكل الأخوة ، ليقوموا بتسهيل الاتصال من جانب لجنة المتابعة لعمل كل ما يلزم لوقف القتال ، كما أرجو أن تتصل بالأخ هنية أو تذهب إليه في بيته الآن لكي تقول له أن يطلب في كلمته المتلفزة بعد قليل من كل مقاتلي الحركة والقوة التنفيذية أن يوقفوا إطلاق النار ، وان لا يردوا على إطلاق النار بالمثل ، وان يعود الجميع إلى مواقعهم بما في ذلك القوة التنفيذية كما ذكرت ، وان يتصرف الأخوة على أرضية أن يتوقف النزف ولا يستمر باى ذريعة ، وأردف حرفياً : ” لا يجوز يا دكتور أن نحفر حفرة أو أن يحفر الآخرون لنا حفرة ثم نعمقها بأيدينا ” ، ثم أكمل بأنه حتى لو قتل منا الأخوة في فتح اى عدد فلا تردوا ولنعتبرهم شهداء حماية شعبنا من الأكبر ، وأردف حرفياً : ” أن نخسر الآن خمسة قتلى ويتوقف الدم خير من أن نخسر لاحقاً مئة وربما مئات ” ، وفى هذا فقد كان الحضور يشير للدكتور مؤيداً لما يقول بالصوت وبالإشارة ، ومع استمرار المكالمة الهاتفية وحديث أبو مرزوق على هذا النحو أنهى الحديث بالقول للدكتور غازي : إذا كان لديكم محتجزين أو أسرى من الأخوة في فتح فأطلقوا سراحهم حتى لو لم يطلق الأخوة سراح أبنائنا لديهم وان ينتهي الأمر اليوم قبل الغد وقوموا بمنع المسيرات في الشوارع درءاً للفتنة والاحتكاك ، مختتماً بما أوردناه عنواناً لهذا المقال ” نُقتَل ولا نَقتُل … نُظلَم ولا نَظلـِم ” .

هذا ما ورد على لسان الأخ الدكتور نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في حديثه التوجيهي الهام لوقف الاقتتال ، وقد اثنينا على موقفه بعد انتهاء المحادثة ، وأنا هنا انقل بأمانة وأتمنى أن يسمع الكل النصيحة وصرخة الأهل هنا ، ويشهد على ذلك الأخوة الذين حضروا معي ، ويشهد من هو اكبر من الجميع رب العالمين ، وغادرنا المكان آملين أن يتجاوب الأخوة في الداخل مع هذه التوجيهات والأمنيات الطيبة والخيرة وندعوا الله أن يتوقف النزف في وطننا الحبيب كما في قلوبنا ، وان تتوقف هذه الاشتباكات الدامية ، وتتوجه كل البنادق نحو العدو الذي لم يوقف عدوانه واغتيالاته لمناضلينا ، مستغلاً فرقتنا وتنابذنا وقلة تبصرنا ، وأنا باسمي وباسم كل الذين كانوا معي ومعنا كل أهلنا في الشتات نناشد الجميع وخصوصاً الأخوة في حركة فتح أن تتجاوب مع الأخوة في حماس وان تفعل قيادتهم ذات الأمر ، كما التزام أخوتنا في حماس بهذه التوجيهات ، ولكل شعبنا وفصائله وم