الجمعة 05/يوليو/2024

انتخابات الفتنة في فلسطين

انتخابات الفتنة في فلسطين

صحيفة الخليج الإماراتية

حظي خطاب محمود عباس وقراره بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة في المناطق الفلسطينية المحتلة بترحيب شديد من “إسرائيل” ومن إدارة جورج بوش ومن توني بلير! لم يبد غيرها من حكومات الكرة الأرضية ومنها حكومات الدول العربية “الشقيقة” مثل هذا الترحيب، ولا صدر عنها ما يوحي به، على ما لدى كثير منها من مواقف التأييد اللامشروط لعباس وسياساته “الواقعية” تجاه “إسرائيل” والحازمة تجاه “حماس” والمقاومة الفلسطينية المسلحة .

ليست هذه هي المناسبِة للقول إن مثل ذلك التأييد الذي مُحض إياه محمود عباس لا وظيفة له سوى توجيه الإهانة لرئيس السلطة الفلسطينية وتلويث صورته وسمعته، فذلك مما يحق الاعتقاد به لدى أي فلسطيني (أو عربي) يحرص على حماية المعنى العميق للموقف الوطني، لكنها المناسبة المثالية لدفع عباس وفريقه السياسي إلى التوقف قليلاً عند النازلة (التأييد اللامشروط من جبهة أعداء الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية) والتساؤل عما ترومه القوى المؤيدة من تأييدها له .

شخصياً، آمل أن يكون التأييد “الإسرائيلي” الأمريكي البريطاني لقرار محمود عباس قد أحرج هذا الأخير ونبهه إلى الخطأ الذي وقع فيه، وآمل أن يستتبع ذلك استدراك منه لذلك الذي وقع فيه وتصحيح، فأنا مازلت حتى إشعار آخر أرفض أن أنسى أن “أبا مازن” رفيق ياسر عرفات، وخليل الوزير (أبوجهاد) وصلاح خلف (أبو اياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول) وفاروق القدومي (أبو اللطف)، وأرفض أن أخرجه من جمعهم ومن دائرة ثوابتهم (كما يفعل كثيرون بغير تردد)، ومازلت أراهن على أن ضميره الوطني غير قابل للمساومة على مبدأ الوحدة الوطنية تحت أي ظرف، ولا هو جاهز للتجاوب مع استحسان العدو واستنكار الأخ والصديق والرفيق .

يعرف محمود عباس قطعاً أن تأييد “إسرائيل” وبوش وبلير لقراره (بإجراء انتخابات مبكرة) ليس أعظم قيمة من رفض الأعم الأغلب من قوى الحركة الوطنية الفلسطينية للقرار، أو من عدم إعلان التأييد العربي لذلك القرار، وهو قطعاً يدرك أن حماسة جبهة الأعداء للقرار ليست معروفة لمصلحة شعبه الفلسطيني بقدر ما هي معنية في المقام الأول برعاية مصالح الكيان الصهيوني. لكن هذا الإدراك لا يستقيم إلا متى أمكنه أن يجد سبيلاً آخر للخروج من المأزق الذي أوقعه فيه القرار المتسرع وغير المحسوب. وأول خطوة نحو الخروج من ذلك المأزق (هي) التساؤل عن المصلحة الكامنة وراء الترحيب بالقرار لدى من رحبوا به (“إسرائيل”، الولايات المتحدة، بريطانيا) والبناء على الاستنتاجات الصحيحة التي يقود إليها التفكير في ذلك السؤال .

على المرء أن يكون حقيراً أو على درجة محترمة من الغباء حتى يصدق أن التأييد الصهيوني والأمريكي والبريطاني لقرار إجراء انتخابات مبكرة إنما قصد به ترسيخ الشرعية الديمقراطية أو إعادة بنائها في المناطق الفلسطينية المحتلة؛ ذلك أن هذه الشرعية قائمة سلفاً (وإن لم يكن في إطار دولة وطنية مستقلة) ومثلتها انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي الأخيرة، ولا معنى لإعادة النظر فيها إلا إذا كان الهدف تدميرها ومعاقبة الشعب على اختياره نخبة سياسية لا يرضى عنها العدو، ثم دفعه بالضغط والابتزاز المعيشي أو بالتزوير إلى أن يمحض التأييد نخبة سياسية أخرى مقبولة خارجياً!

نعم، من حق محمود عباس أن يدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة إن كان يعتزم الانسحاب من موقع الرئاسة وعدم الترشح له ثانية، أو من أجل تعزيز شرعيته من جديد؛ لكنه لا يملك أن يتجاهل الشرعية الشعبية والدستورية للمجلس التشريعي الحالي وأن يتصرف فيها بمقتضى الحاجة إلى التناغم مع موجبات “الشرعية الدولية”! أية شرعية دولية: هل صدر قرار عن مجلس الأمن تحت أحكام الفصل السابع يدعو إلى حل المجلس التشريعي وإعادة الانتخابات أم أن ذلك يأتي تنفيذاً لإملاءات أمريكية و”إسرائيلية”؟

يعرف الأمريكيون و”الاسرائيليون”، ربما أكثر من رجال السلطة في رام الله، أن إجراء انتخابات مبكرة سيعيد “حماس” إن سمح لها بالمشاركة أغلبية إلى المجلس التشريعي، بل قد يقود “فتح” ومحمود عباس إلى خسارة موقع الرئاسة (إن سمح لإسماعيل هنية أن يترشح له)، ومع ذلك فهم يؤيدون قرار إجراء هذه الانتخابات المبكرة. لا يحتاج المرء إلى كبير ذكاء ليدرك أن هدفهم من تأييدها ليس شيئاً آخر غير دق الإسفين بين “حماس” و”فتح” ودفعهما إلى الاقتتال. وهذا كان باستمرار هدفاً “إسرائيلياً” منذ العام 1993، بل هو الذي أسس لإنتاج فكرة قيام سلطة فلسطينية في مناطق الحكم الذاتي! وهل نشاهد اليوم غير نتائج هذا السيناريو الشيطاني مما يجري في غزة وفي رام الله؟

من المؤسف أن تنجح نخبة صغيرة من الفتحاويين في اختطاف حركة “فتح” وأخذها جملة إلى خيارات سياسية تجافي تراثها الوطني والثوري، وتضعها تحت تصرف “أجندات” مشبوهة. ومن المؤسف أن تستدرج “حماس” إلى فخ الصدام الداخلي الذي سيقيم الحجة عليها في الخارج! كاتب هذه السطور لم يكن سعيداً يوماً بوصول “حماس” إلى السلطة لأنه يحسبها حركة مقاومة في المقام الأول، ولأنه يعرف أن هذه السلطة طعم قاتل لها ولمشروعها الوطني (مثلما كانت قاتلة ل “فتح”)؛ وهو بالتأكيد لن يكون سعيداً إذا تمسكت “حماس” بهذه السلطة وبأي ثمن؛ غير أنه في نفس الوقت يشعر بالغضب، مثل ملايين الفلسطينيين والعرب، لهذا السلوك الظاهر وغير الأخلاقي الذي يسلكه بعض السياسيين الفلسطينيين تجاه “حماس” وتجاه الشرعية الشعبية الديمقراطية، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

١١ عملاً مقاوماً في الضفة خلال 24 ساعة

١١ عملاً مقاوماً في الضفة خلال 24 ساعة

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام سجل مركز معلومات فلسطين "معطى" 11 عملاً مقاوماً، توزعت بين اشتباكين مسلحين، وتفجير عبوة ناسفة، واندلاع مواجهات...