الأحد 11/مايو/2025

سيادة الرئيس… تمهل ؟؟؟؟

د. فراس مجاهد
لقد استطعت سيادة الرئيس أن تكتب اسمك ناصعا في سجل التاريخ كأول رئيس للسلطة الفلسطينية يجري الانتخابات التشريعية الحقيقية وبمشاركة كافة الأطراف الفلسطينية بكل نزاهة وشفافية شهدت الدنيا كلها بذلك ، ولكن النتائج جاءت على غير ما تشتهي أمريكا وإسرائيل والزمرة الداخلية الفاسدة وعلى غير توقع من كافة الأطراف المتنافسة والجهات المراقبة والمتابعة للشأن الفلسطيني ، وبدأت الضغوط والاملاءات الغربية والعربية الرسمية عليك سيادة الرئيس ولكن بحكمتك وصبرك وإصرارك على ترسيخ الديمقراطية الفلسطينية الناشئة الحامية لمستقبل الشعب الفلسطيني الحر من ربقة الأعداء وتسلط الطغاة والظالمين استطعت أن تتحمل كافة هذه الضغوط وكلفت الأخ إسماعيل هنية مرشح الأغلبية البرلمانيــة بتشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة حسب الأصول القانونية المرعية وبتوافق على البرنامج السياسي للحكومة الفلسطينية المقبلة.

وبدأت الحكومة فعليا عملها بعد أداء القسم القانونية أمامك في ظروف غير عادية وحصار جائر وتعطيل متعمد من قبل أمريكا وإسرائيل والزمرة الداخلية الفاسدة ولقد وقفت وقفة جريئة عندما تعرضت الحكومة لاعتقال وزرائها بتصريحك بأنك تقف في مؤازرة الحكومة ولن تخضع للابتزاز الإسرائيلي وسابقة إسقاط أي حكومة فلسطينية حالية كانت أم مقبلة عن طريق اعتقال أعضائها ، ولقد توالت الأحداث والصعاب الجسام والضغوطات نتيجة لبقاء الحكومة لفترة أطول من الفترة التي خطط لها أن تبقى نتيجة لحصار الشعب وتجويعه وانقلابه على حكومته المنتخبة ولكن هذا لم يحدث فاستثمرت ورقة الموظفين المدنيين ومن بعدها الموظفين الأمنيين ولكن كافة التحركات لم تنجح في إخراج الشعب إلى الشارع وإسقاط الحكومة التي قالت لأمريكا وإسرائيل والزمرة الداخلية الفاسدة لا

ولقد حاولت سيادة الرئيس جاهدا أن تخفف وطأة الحصار عن شعبنا المحاصر بكل ما أوتيت من هامش للمناورة ولكن الضغوط كانت أقوى وخصوصاً من سيف الفاسدين الداخليين المسلطين على شعبهم وبمساعدة واضحة من الاحتلال بارتكاب المجازر وتغذية الصراع وبث روح الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، حيث لم يرق لهم هذه الاستمرارية لحكومتك وحكومة شعبك المنتخبة وهذا التوافق الحاصل بينك وبين الحكومة ، وها هي الأمور قد آلت إلى ما آلت إليه بعد خطابك الذي أعلنت فيه عن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة ، ففي هذا السياق أقول فخامة الرئيس تمهل … وفكر هل هذا القرار سيفك الحصار، أم سيخفف الاحتقان، أم سيدخل الشعب في دوامات سياسية واجتماعية ووطنية هو في غنى عنها وسأتناول هذا الموضوع بالتحليل من عدة أصعدة:

أولا : على صعيد حركة فتح .

لقد عصفت حمى الانتخابات بحركة فتح في المرة السابقة فأظهرت خلافات عميقة أثرت على شعبية الحركة العظيمة صاحبة التاريخ النضالي الطويل والإرث الكبير من الشهداء والجرحى والمعتقلين على صعيد انتخابات البرايمرز الداخلية ولولا تدخلك الشخصي الحازم لما استطاعت الحركة أن تتماسك وتخوض الانتخابات بقائمة واحدة موحدة ، ولقد جاءت نتائج الانتخابات كالصاعقة على كل منتسبي ومحبي الحركة ، فكيف بالله عليك ستستطيع الحركة أن تتجاوز الحمى القاتلة التي ستنشأ الآن وخصوصا أن منصب الرئيس أيضا مطروح في هذه المرة فرؤيتي أن هذا الأمر سيعمق الخلاف ويزيد التشرذم داخل الحركة مع أن البعض يرى بأن ما حصل في المرة السابقة سيكون درسا ورادعا ومحفزا للعمل الجماعي الخلاق فأقول الدنيا غرورة والمناصب براقة مغرية والوازع الوطني الحقيقي ضعيف على المستوى الجماعي نتيجة الانتساب غير الحقيقي وركوب الموجة ممن لا ينتمون حقيقة لحركة فتح .

ثانيا : على صعيد حركة حماس.

قد يكون موضوع الانتخابات المبكرة طوق النجاة لحركة حماس من ناحيتين :

الناحية الاولى:  إن لم تشارك الحركة في الانتخابات:

إن لم تشارك حركة حماس في الانتخابات القادمة ( إن حصلت ) فستكون قد أعذرت نفسها وخرجت من الحكومة والعملية السياسية وهي صامدة متمسكة بحقوق الشعب الفلسطيني ولم تتنازل واستطاعت أن تصمد في وجه كل الضغوطات الداخلية والخارجية ولولا قرارك بالانتخابات لما خرجت وستحملك المسؤولية الوطنية والتاريخية عن الشعب الفلسطيني ووطنه وقضيته الذي سيقع فريسة الصلف الإسرائيلي والتنكر الأمريكي لحقوق الشعب الفلسطيني وستعود حركة حماس إلى المقاومة التي لم تتركها والى سلاحها الذي لم تنزعه والذي اكسبها كل هذا التعاطف الشعبي الفلسطيني والعربي .

الناحية الثانية: إن شاركت الحركة في الانتخابات:

نتيجة لكثير من الاستطلاعات المنشورة وغير المنشورة واستنادا إلى التلمس الشخصي لنبض الشارع الفلسطيني فاني أرى أن حركة حماس ستحصل في الانتخابات القادمة أكثر مما حصلت عليه في المرة السابقة من المقاعد في المجلس التشريعي هذا بالإضافة إلى كرسي الرئاسة لان الشعب الفلسطيني رغم الحصار والجوع والتصريحات الشعبية الناتجة عن واقع المعانة التي يعيش ستنصب لصالح حركة حماس عند المواجهة مع صندوق الانتخابات والشعور بالأمانة الوطنية والدينية عن الصوت الذي سيدلي به فالمفارقة هنا اكبر من جوع البطن وفقر الحال ، ونتيجة لتوقع هذه النتيجة من الانتخابات ستتعمق الخلافات ويزداد الحصار وستكون أنت سيادة الرئيس وشعبك اكبر الخاسرين .

ثالثا: على صعيد الزمرة الداخلية الفاسدة .  

لقد كان قرارك بإجراء الانتخابات المبكرة أمنية لهم ظنا منهم بأنهم سيتخلصون من حركة حماس ويعودون ليمارسوا دور الفساد والإفساد في هذا الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر ولكنهم نسوا أو تناسوا بأنهم بعملهم هذا قد يخربون الساحة الفلسطينية كاملة وتسقط السلطة الفلسطينية كخيار وكواقع فتذهب الكعكة كاملة نتيجة للفوضى المتوقعة أو تخريب الانتخابات أن ظهرت بوادر نتائجها على غير ما تشتهيه أنفسهم باستخدام التزوير والتهديد والبلطجة وهذا ما سيؤدي حتما إلى اندلاع اشتباكات ووقوع ضحايا وسقوط السلطة ، ولكن على فرض نجاح الزمرة الفاسدة في الانتخابات وتسلمهم لزمام الأمور بالكامل فسيحولون السلطة الفلسطينية الديمقراطية إلى سلطة شمولية ديكتاتورية ولن يحلم الشعب الفلسطيني بأي انتخابات قادمة والى الأبد .

رابعا: على صعيد أمريكا وإسرائيل .

لقد كان مشروع إيجاد سلطة حكم ذاتي محدود إلى جانب إسرائيل يعترف بها ويحمي حدودها ويحافظ على مصالحها حلماً أمريكياً وإسرائيلياً ظل يراودهم ردحا من الزمان وظنوا أنهم قد حققوه في بداية الأمر ولكن صمود الأخ الشهيد أبو عمار أوقف مسلسل أحلامهم وصمود الأخ أبو مازن من خلفه أربكهم وصعود حماس إلى السلطة خلط الأوراق عندهم فلم يبق لهم أمل إلى تولي الفاسدين لزمام الأمور وهذه مراهنة خاسرة قد تؤدي إلى سقوط مشروعهم وخيارهم وعودة الكفاح المسلح كلغة وحيدة للحوار مع إسرائيل نتيجة لسقوط السلطة الفلسطينية .

لذلك سيادة الرئيس ادعوك إلى التفكير الملي المعمق وان تتمهل وتأخذ الوقت الكافي لإعادة حساباتك واستجماع قواك فالمسألة اكبر من فتح وحماس والشعب الفلسطيني بأكمله وليست أهواءا شخصية لتقاسم السلطة وتوزيع الثروات فالمطروح هو أجندة أمريكية لرسم الشرق الأوسط الجديد بقوة السلاح كما في العراق وأفغانستان وقوة التحالفات السياسية كما في لبنان وقوة المال والحصار والتجويع كما في فلسطين ولقد استطاعت تحقيق مآربها في البلدان الذي ذكرت عن طريق عملاء لها مثل كرزاي أفغانستان ومالكي العراق وسنيورة وجنبلاط لبنان وها هم الآن يضغطون على فلسطين فاربأ بنفسك سيادة الرئيس من أن تنجر وراءهم أو تثق بوعودهم فهذا وهم كبير وهؤلاء يمثلون محورا قذرا شريرا حاقدا لا يرقب فينا عهدا ولا ذمة ولا ميثاق وابق صامدا على موقفك وحكومتك ونتائج انتخاباتك وحارب الفاسدين المعارضين للوحدة الوطنية، وستجد شعبك من خلفك وما الحياة إلا أيام معدودة ومواقف مشهودة فالق ربك وهو راض عنك نتيجة لصمودك أمام تحديات أعدائك وأعداء الله والوطن وسيكتب التاريخ مرة أخرى اسمك بمداد من ذهب.

 

* د. فراس مجاهد – أكاديمي فلسطيني – الخليل.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات