الإثنين 12/مايو/2025

عفواً يا سيادة الرئيس

الأسير همام عمر

عندما تتعقد الأزمات تلجأ الشعوب عادة إلى قادتها كي يوجهوا بوصلة سفينتها في اضطراب الموج ، وعتو الرياح حتى لا يضل الطريق أو يغرق قبل وصول شاطئ الأمان … فماذا لو لم تجدهم وقت الأزمات أو أنههم كانوا بأجسادهم بينها لا بقراراتهم الحكيمة … بل وكيف إذا زادوا من اضطرابها ليزداد اضطراب السفينة وتبدو مراسي الأمان أبعد من أن تبصرها عين !!! .

كثيرة هي النقاط التي أثارتني في خطاب ” سيادة الرئيس” ( التاريخي ) الذي قرر فيه الدعوة لانتخابات مبكرة ، وليسمح لي “سيادته” بصفتي واحداً من الشعب الذي هو مصدر السلطات أن أتناول بعضاً من كثير مما فاجأني في خطابه ، تضطرني اللباقة وضيق المساحات المخصصة للاكتفاء به ، وأجمل ما أريد قوله في النقاط التالية :

1- فاجأتني المساحة التي خصصها سيادته زمناً ، والكلمات التي عبر عنها حدّةً ، وهو يتناول محاولة اغتيال رئيس وزرائه التي لم تأخذ منه حتى أسفه المجرد فيما أخذت تداعياتها من اتهام حماس لدحلان الوقت الأطول والنبرة الأشد حتى كأن الحادثة أمر لا يحتاج مجرد كلمة أسف لا تستغرق ثانية واحدة … فهل هكذا تورد الإبل يا سيادة الرئيس ؟! هل هذا منطق القائد الأعلى عند تعرض رئيس حكومته للقتل الذي أودى بحياة مرافقه وأدى إلى جرح مستشاره وابنه ؟! من الأبلغ الذي يحتاج فضلاً عن التعليق والاستنكار إلى التحقيق والضرب بيد من حديد: لغة الرصاص والدم أم لغة الأبجديات والمداد ..؟؟!! ، وإذا كانت الاتهامات بغير دليل رسمي كما يراها سيادة الرئيس تحتاج كل هذه الوقفة فلماذا لم تأخذ اتهامات سعيد صيام والقوة التنفيذية والحكومة وحماس بقتل أولاد بعلوشة شيئاً من مساحة التعليق ؟؟!! ، وإذا لم يكن استشهاد مرافق رئيس الوزراء وهو يحتضنه ويفتديه وجرح نجله ومرافقه كافياً ليكتشف سيادة الرئيس المؤامرة … فمتى سيكتشفها يا ترى … عندما يرى رئيس حكومته ملفوفاً بالكفن ؟؟!!! .

2- عجيب أمرك يا سيادة الرئيس وأنت لا زلت تفاخر بإنجاز أوسلو الذي لازلنا نعاني من كارثيته !!! كنت أتوقع منك وقد رأينا ويلاته ودفعنا ثمنها أن تعترف بالخطأ التاريخي الذي ارتكبته قيادتكم الرشيدة ، أو حتى المرور عنه دون تعليق ، أما أن تفاخر به للآن فهذا ما لم أستوعبه … وإني أتساءل ما دام ( أوسلو) إنجازاً لهذا الحد فلماذا تم إخفاؤه من ملفات وزارة الخارجية قبل أن تستلمها حكومة حماس ؟؟!! أوسلو التنسيق الأمني .. أوسلو ضياع المشروع الوطني… أوسلو الذي سمم الرئيس عرفات لأنه تنكر له بعد أن اكتشف أنهم خدعوه … أوسلو الذي حطمته انتفاضة الأقصى لا زال مصدر فخر سيادة الرئيس! … فوا عجباً والله!!! إنها المرة الأولى في التاريخ التي أرى فيها من يفتخر أنه رسب بجدارة !!! .

3- أما العجب الذي لا يقل عن ذلك فهو الثقة الجازمة بوعد ( أولمرت ) لسيادته بالإفراج عن أعداد وأسماء لا يتوقعها سيادته! ثم يبني على ذلك أن عملية الوهم المتبدد قد ضيعت هذه الفرصة التاريخية !!! هل هذا منطق رجل مجرب في السياسة ويعرف الاحتلال منذ سنوات وفاوضهم طويلاً ؟؟!!! في الحقيقة أن مثل هذا المنطق من التعويل على الوعود الإسرائيلية وانتظار ما يجود به كرمهم الواسع على شعبنا … هذا هو المنطق الذي أضاع الحقوق وأوصلنا إلى ما وصلنا إليه من انهيار وتراجع … أليس الاعتماد على حسن النوايا الإسرائيلية هو الذي أبقى مئات المؤبدات في السجن أيام أوسلو المفخرة والمجد ؟؟!!! وبعد كل هذه المسيرة لا زلت تعول على حسن نواياهم ووعودهم يا سيادة الرئيس ؟؟؟!!!! يا لطيبتك الحالمة يا رئيسنا الموقر !!! أما وثيقة الوفاق التي أشدت بها كثيراً فدعني أذكرك بأنك أنت نفسك من قال عنها أنها لم تعد صالحة لتشكيل الحكومة فأرجو ألا تنسى .

4- وليسمح لي سيادته أن أسأله بأدب : ترى هل أعجبك هذا الثناء الكبير على قرارك الشجاع من قبل أولمرت و بلير والبيت الأبيض ؟؟!! هل أثلج صدرك سرورهم البالغ لخطوتك الحكيمة ؟؟!! يبدو أني نسيت ( وأرجو أن تذكرني أو يذكرني كل الذين صفقوا لك أو أطلقوا الرصاص ابتهاجاً بما قلت ) … نسيت أنهم يسرون من أجل مصلحتنا واسترداد حقوقنا وعودة كرامتنا … فكل خطوة هي في صالح قضيتنا وشعبنا تجلب السرور لهم … وتراهم لا يجف لهم دمع وهم يشاهدون آلامنا وأحزاننا ..!!! ودعني أسأل أبناء فتح الـ1/1/1965 .. هل يرضيكم أن يرضى عن رئيسكم هؤلاء ؟؟!! ألا من وقفة لمراجعة الذات قبل فوات الأوان ولات حين مندم ؟؟!! .

واسمحوا لي أن أذكركم يا أنصار الرئيس ( ولا حاجة لي بتذكيره ) … أذكركم بموقف حماس من الرئيس الراحل ياسر عرفات يوم حوصر وقوطع … ويوم تخلى عنه أقرب المقربين … ألم تنس حماس كل خلافاتها معه ووجدها إلى جانبه دوماً في خندق المقاومة والممانعة والصمود …؟؟!!هل أخرجنا ضده المظاهرات والجياع والمنكوبين يصرخون في وجهه : لقد جلبت لنا الفقر والمعاناة بصمودك ورفضك لاملاءات الظالمين ؟؟!! … فكيف فعلتم أنتم عندما حوصرت حكومة حماس ..؟! يا ليتكم اكتفيتم بالوقوف على الحياد …!! .

ألم يكن حرياً بكم وأنتم تشاهدون حماس تعمل على تصحيح الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها قيادتكم عندما اعترفت بشرعية الاحتلال … وأنتم تشاهدونها تسعى لرفع السقف السياسي للمشروع الوطني بعد أن أضحى سماء قضيتنا بلا سقوف … وأنتم تشاهدونها تجاهد لتغيير قواعد اللعبة التي قامت على أساس الضغوط والحصار فتقابل بالرضوخ للأمر الواقع مما يؤدي إلى خسران المشروع الوطني وضياعه …. وجاءت حماس لتقدم لغة جديدة هي لغة الصمود والممانعة على قاعدة الحقوق والثوابت لتجبر الظالمين على التسليم بحقوقنا المشروعة …. ألم يكن حرياً بكم – على الأقل – أن تتيحوا لها فرصة المحاولة … ألا ما أصدق القائل : 
  
                                                         

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه          إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم ؟!

وأخيراً …. فإن التاريخ سيظل الحكم العدل والشاهد الذي لا يضل … على أفعال الناس

ومرة أخرى : عفواً يا سيادة الرئيس … وفخراً وطوبى لكم يا أحباب الرئيس .
 
* سجن النقب

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات