الثلاثاء 06/مايو/2025

توثيق المجازر الإسرائيلية بين التجربة والتطوير

توثيق المجازر الإسرائيلية بين التجربة والتطوير

لا شك أن هناك أهمية للكتابة عن المذابح التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وضرورة توثيقها، وذلك حتى لا ينحصر التاريخ بالموقف الرسمي الإسرائيلي، على أن تكون الرواية الفلسطينية حاضرة خوفاً من طمس أو إخفاء أي حدث يتعرض له الشعب الفلسطيني. جاءت هذه الكلمات للباحث الاجتماعي أحمد عداربة خلال محاضرته حول توثيق المذابح في حرب 1948 كدراسة حالة، اعتماداً على التاريخ الشفوي الفلسطيني والتي عقدت في مقر مركز شمل وذلك يوم الأحد الموافق 5 تشرين ثاني 2006. وأكمل عداربة أن هناك قليل من الشعوب التي تتعرض لمذابح المحتلين تدرك ماهية التاريخ الشفوي وضرورته في التوثيق والكتابة، وفي الحالة الفلسطينية، يجب ان لا يقتصر البحث على النكبة بمفهومها العام، فالخوف، والتهجير، والملاحقة، والجوع، والعطش تعتبر سمات مرافقة في اغلب الأحيان للشعوب التي تتعرض لنكبات الاحتلال.

أفتتح اللقاء الأستاذ أحمد حنون، المنسق العام لمركز شمل، بالترحيب بالحضور وبالمحاضر احمد عداربة وهو باحث من قرية الدوايمة ومقيم في مخيم الجلزون. وأشار إلى أن برامج شمل تأتي للتناسب مع رؤيتها تجاه توثيق الأحداث التي تهم الشعب الفلسطيني من بداية النكبة حتى الآن لافتا الانتباه الى ان هذه المحاضرة تأتي بالتزامن مع مجزرة أليمة وقعت في بيت حانون، ومؤكداً على أهمية هذه الفعاليات حيث تأتي هذه المحاضرة في باكورة أعمال مركز شمل التوثيقية والتي تهدف إلى إطلاع العالم على حقيقة ما جرى، وكشف الأمور من خلال التناول العلمي للتاريخ الفلسطيني الحديث وتحديداً منذ تاريخ النكبة، ومستذكراً بأن الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني لا تموت، خاصة أن النكبة ومجازرها ومذابحها ما زالت مستمرة ومتجددة.

عملية توثيق التجربة الفلسطينية

بدأ أحمد عداربة محاضرته بالحديث أن هناك إشكالية في عملية توثيق التجربة الفلسطينية سواء في حرب الـ48 أو في الإحداث المصيرية التي تلت هذه الحرب. وأضاف: أعتقد، كما يشاركني كثير من المؤرخين، أن حرب الـ498 لم توثق بناء على الرواية الفلسطينية، وذلك يعود لنتائج الحرب ذاتها، فالمجتمع الفلسطيني تدمر بشكل كامل نظراً لتعرضه للصدمة، حيث اختلفت الأولوية بالنسبة للشعب الفلسطيني والذي اهتم في الحفاظ على بنيته ونسيجه. وفي ذات الإطار ذكر عداربة أن الصهيونية قد نجحت في استثمار الهلوكوست فاستطاع منظروها وبنجاح باهر أن يوثقوا ما حدث مع اليهود واستطاعوا أن يقدموا الألمان لمحاكم جرائم ضد الإنسانية بناء على ما وثقوه من معلومات. والحقيقة أن هناك ضعف في الخطاب الفلسطيني وسوء في استخدامه في عملية التوثيق. فالمسيرة النسوية السلمية الأخيرة في بيت حانون والتي حملت عنواناً كبيراً هو: مدنية الشعب الفلسطيني وقدرته على الخروج في تظاهرت سلمية للتعبير عن رفضه للمجازر؛ صوّره الخطاب الرسمي على أنه جاء بهدف إنقاذ المقاومين العسكريين من قبضة الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على قطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المصادر الفلسطينية عموماً لا تعطي أرقاما حقيقية حول المجازر. في حين انه يكون من الواجب إعطاء أرقام حقيقية مرتبطة بالأسماء حتى نعطي مؤشرا لمصداقية ما نقوم بنقله في عملية التوثيق.

الرواية الشمولية رواية جماعية

وأما عن عملية التوثيق ذاتها فقال عداربة: أن هناك مجال للتوثيق بشكل جماعي فحتى هذه اللحظة لم نتمكن من نقل ما حصل تماماً في قرية الدوايمة وكل ما ندركه أن المجزرة حصلت ظهر يوم 29/10 عند صلاة الجمعة. والإشكالية تتبدى هنا في أن الراوي ينقل جزءا مما حدث والرواية بحسب مكانه الذي شاهد منه الحدث، والإشكالية هنا في أن الرواية تنتقل إلى الآخرين منفصلة عن راويها ومكانه وحيثيات أخرى وكأنها الرواية الشاملة/الكاملة.  ولم يستطع المؤرخون جمع الروايات بناء على اختلاف أمكنة الرواة الأمر الذي يمكن أن ينقل صورة شمولية إجمالاً.

فمثلاً لم نتمكن من تثبيت أن هناك مجزرة في مسجد الدوايمة، خاصة مع إنكار الإسرائيليين لذلك، رغم أن المؤرخين الجدد قالوا إن هناك مجزرة وقعت في المسجد استناداً إلى شهادة جندي شارك في المجزرة، ولكن لم يؤكد وجود مجزرة داخل المسجد.

جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية سر من أسرار الدولة!

ويكمل عداربة: الأمر الغريب أنه حتى لو عدنا لأرشيف الأمم المتحدة فيما يتعلق بالقرى التي وقعت فيها المجازر التي حصلت خلال فترة الهدنة بعد حرب الـ48 لاكتشفنا اختفائها وعدم وجودها، وذلك يدل على أن هناك تعمد في عدم إدانة إسرائيل على ارتكاب هذه المآسي بحق الشعب الفلسطيني! فمن 29/10 وحتى 1/11 وقعت 9 مذابح ضمن عملية عسكرية سميت (يؤاب) وكانت تهدف إلى إتمام عملية التهجير بحق السكان الأصليين بعد أن أصبحوا لاجئين بعيدين عن بيوتهم. وللدلالة على هول الجرائم، فقد اعتبرت الحكومة الإسرائيلية أن ما حدث في الدوايمة على سبيل المثال سرا من إسرار الدولة، ولم تكشفه رغم مرور أكثر من 30 عام، وهي الفترة التي يمكن بعدها ان تكشف الدولة عن أسرارها.

الرواية الشفوية ما بين أثر الزمن ونزعة المبالغة

ويضيف، وعن عملية التوثيق في مجزرة كالدوايمة، فقد ذهبنا لجمع المعلومات على شكل روايات شفوية، ولكننا ذهبنا متأخرين! وجدنا ان المعلومات المتصلة برواية المجزرة تتناقض فمثلاً: هناك من يقول انه تم تسليم الجيش الأردني وثيقة من قبل مختار القرية بـ450 اسم شهيد سقطوا في المذبحة، فيما اختلفت الروايات حول طريقة القتل فهناك من قال انه تم تجميع النساء والأطفال في بيوت وتم تفجيرها بالكامل وهم فيها. وعن كبار السن، فلم تقدم معلومات مؤكدة حيث يشار في معلومات إلى أنهم قتلوا وأخرى تقول أنهم اعتقلوا.

وعن إشكاليات جمع المعلومات فقال أحمد عداربة إن عملية توثيق الحدث تلامس بشكل مباشر ومتصل بذاكرة الراوي وصلاته وعلاقته بالحدث، كما أن البداية المتأخرة من ابرز إشكاليات جمع الرواية إضافة إلى أن الانسان يميل بطبعه للمبالغة.

إغفال جزء من الرواية عمدا أو سهوا

فيما لفت عداربة النظر إلى أن بعض التقاليد والعادات الاجتماعية كانت تمنع الناس من الحديث عن حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية التي رافقت المجازر كما رافقت النكبة عام 1948، فهذا الموضوع حساس وهام ففي قرية الدوايمة قتلت أربع فتيات، وفي تفاصيل الأحداث يسرد أنه تم اختيار الفتيات الاربع، ثم تم قتلهن لاحقاً حيث تشير إلى ذلك الرواية الشفوية، بينما من الممكن انه قد تم اغتصابهن قبل قتلهن. ففي حين أن الوثائق الرسمية والروايات الفلسطينية والإسرائيلية لا تشير إلى وقوع حوادث اغتصاب، تقف على النقيض روايات أخرى والتي اتضحت لاحقاً من خلال مذكرات لجنود إسرائيليين أشاروا إلى وجود حالات من الاعتداءات الجنسية وقعت في معظم المجازر التي شاركوا فيها.

ويؤكد أحمد عداربة أن المتتبع للمجازر لا يمكنه أن يجد نفس عدد الضحايا في الملفات المتعددة؛  فالرواية الرسمية في مجزرة الدوايمة تشير إلى 100 قتيل في حين هناك رواية رسمية أخرى تشير إلى وجود 35 عائلة قد أبيدت بدون تحديد عدد الضحايا، لذا يجب الاهتمام بتوثيق المذبحة والمجزرة لكثرتها في قضيتنا وتواصلها، ويجب أن يتم توثيق عملية التأهيل النفسي الذي يمر به من عاش المجزرة ونقل الصدمة للأجيال القادمة والاستفادة من التجربة الإسرائيلية في التعامل مع مسألة الهولوكوست على أساس أن الألم ينتقل من جيل إلى جيل، وبالتالي فإن ذلك يمكننا من ممارسة حقنا كشعب فلسطيني في محاكمة الاحتلال على جرائمه.
 

مجلة حق العودة، الـعــدد (20)، السنة الرابعة، كانون الأول 2006.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...