الأيادي العابثة

وصل الحوار الفلسطيني إلى “طريق مسدود” بإعلان الرئيس عباس عن ذلك فجأة عقب لقائه الوزيرة الأمريكية كوندوليزا رايس في الثلاثين من تشرين الثاني في أريحا.
وعلى إثر إصدار اللجنة التنفيذية توصيتها للرئيس بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة انطلقت مظاهر الفوضى والعبث..
تلك هي شرارة الفتنة التي تشهدها فلسطين الآن، فتنة اشتعلت بقرار سياسي آثر أن يتخذ من التصعيد والفلتان الأمني وسيلة لحسم الخلاف السياسي بدلاً من الحوار والتعقل.
مئات من مسلحي ومنتسبي الأجهزة الأمنية، ومئات من الفئويين والمندسين انطلقوا إلى الشوارع يعيثون فساداً في الأرض.. بدعوى عدم توفر الرواتب، تلك الشماعة التي بذريعتها تسفك دماء الفلسطينيين الأبرياء!!
وأن نقتل ثلاثة أطفال من أبناء العقيد بهاء بعلوشة ومرافقهم (13/12) أثناء التوجه إلى المدرسة؟!
وأن نطلق النار على وزير شؤون الأسرى والمحررين السيد وصفي قبها (13/12) في رام الله؟!
وأن نغتال القاضي بسام الفرا (13/12) على مدخل المحكمة في قرية بني سهيلا في خانيونس؟!
وأن نحاول اغتيال رئيس الوزراء السيد إسماعيل هنية (14/12) في رفح فنقتل مرافقه ونصيب ابنه، ومستشاره السياسي الدكتور أحمد يوسف؟!
هذا ناهيك عن الاعتداء على المجلس التشريعي، والمقار الرسمية والمدارس، وإغلاق الطرق..
هل هذه هي الديمقراطية والوسائل الحضارية للحوار والمطالبة بالحقوق؟!
أين كان هؤلاء لابسي البزات العسكرية والأمنية أثناء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على نسائنا وأطفالنا في بيت حانون، ونابلس، وطولكرم، وجنين..؟!
كنا نتمنى أن نرى هذه الفروسية والشجاعة والإقدام لبعض منتسبي الأجهزة الأمنية أثناء إعادة احتلال شارون للضفة الغربية في عملية ما سمي بـ “السور الواقي” عام 2002،
أو أثناء الاعتداء على سجن أريحا واعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية السيد أحمد سعدات،
أو أثناء الاعتداء على مقر المقاطعة وتدميره بوجود الرئيس عرفات!!
وإذا ذهبنا بعيداً وصدقنا جدلاً بأن المطالبة بالراتب تكفي وحدها مبرراً لإحداث تلك الفوضى وإشعال نار الفتنة وإزهاق الدم الفلسطيني.. أليس المنطق والعقل يجعلنا نحمل المسؤولية المباشرة للمسؤول الأول ومالك الصلاحيات، القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية؟
فالمحاسبة على قدر المسؤولية.. فلا يجوز أن نحاسب وزير الداخلية الذي لا يملك الصلاحيات، ونترك من يملك الصلاحيات ولا نحاسبه، فهذا منطق مقلوب معوج.
في ذات السياق نعجب من الرئيس عباس ـ الرافض لاستئناف الحوار مع حماس ـ عندما يهاتف رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت أثناء استقباله لمستشاريه يورام تربوبيتش، وشالوم ترجمان في رام الله (10/12) ويطلب منه السماح بإدخال قوات بدر الفلسطينية إلى قطاع غزة.
فهل مشكلتنا بعدم الوفرة في الأجهزة الأمنية، أم النقص في العدد؟!
إن الأجهزة الأمنية يقدر عدد عناصرها من 50-60 ألف عنصر، بميزانية توازي 27% من ميزانية السلطة الفلسطينية، أي أن هذه الأجهزة (الفئويين منها..) المسؤولة عن الفوضى وعن الاهمال والتقصير، وسوء حفظ الأمن هي جزء من المشكلة (الأمنية، والمالية..) وليس حلاً لها، إلا إذا كان الزيادة في العدد والعتاد يقصد منه التحضير لمرحلة قادمة عنوانها الاقتتال والصدام، وإراقة الدماء خاصة وأن المعلومات المتواترة تشير إلى تقريب العقيد السابق والنائب محمد دحلان إلى دائرة الرئيس عباس، وتكليفه بمهام أمنية أهمها تشكيل قوة عسكرية لمواجهة محتملة مع حماس، في الوقت الذي تعلن فيه وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مساء الجمعة (15/12) ـ أي بعد ساعات من أحداث رام الله ـ عزمها توفير الدعم المالي بعشرات الملايين من الدولارات لصالح حرس الرئاسة الفلسطيني المسؤول عن إصابة 40 فلسطينياً في رام الله أثناء منعه لمسيرة سلمية لأنصار حماس كانت تتوجه للاحتفال بمناسبة انطلاق الحركة وسط رام الله، وهو ذات الحرس المشتبه به في محاولة اغتيال رئيس الوزراء السيد إسماعيل هنية..
لا شك أن حقيقة الأزمة الآن في فلسطين هي سياسية بامتياز؛ فهناك فريق عازم على إسقاط الحكومة الفلسطينية، وعلى إقصاء حركة حماس عن التشريعي بأي ثمن كان حتى لو أدى ذلك لإراقة الدم والاقتتال.
إنها أيادٍ فلسطينية سياسية وأمنية تعبث بالقضية تحقيقاً لمآرب فئوية وحزبية ضيقة تلتقي مع مصالح خارجية ترى في وصول المقاومة إلى سدة الحكم والقيادة ناقوس خطر عليها وعلى مصالحها.
وما دعوة الرئيس عباس إلى انتخابات مبكرة في خطابه في رام الله (16/12) إلا للتضليل والتغطية على جرائم اليوم والغد والتي يحضر لها على قدم وساق.
فالادعاء باحترام الرأي العام الفلسطيني واللجوء إليه لقول الكلمة الفصل مسألة فيها نظر:
فمن يحترم الرأي العام الفلسطيني عليه أن يحافظ على أمنه، وأن لا يطلق العنان لبعض منتسبي الأجهزة الأمنية لتقتل وتغتال دون حساب، كما عليه أن لا يسمح لعناصر جهاز الرئاسة لتطلق الرصاص ولتصيب نحو 40فلسطينيا مدنياً جراح أربعة منهم في حالة الخطر، لا لذنب إلا لأنهم خرجوا ليعبروا عن تأييدهم سلماً لحركة حماس في ذكرى انطلاقتها.
وإذا كان الرئيس عباس حقيقة يحترم الرأي العام الفلسطيني فعليه أن يحترم نتائج الانتخابات السابقة والتي لم يجف حبرها بعد، وأن يتوجه لتشكيل حكومة وحدة وطنية بمعايير فلسطينية وليس بمعايير صهيوأمريكية .
وإذا كان يرفض نتائج تلك الانتخابات ويرفض تشكيل حكومة الوحدة، فإنه من المؤكد أن أي انتخابات قادمة ستكون مزورة لصالح تيار التسوية وزعمائه الذين اغتنوا وصعدوا على ظهر المواطن الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
*كاتب فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

اتحاد نقابات عمال النرويج يقرر فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام قرر الاتحاد العام لنقابات عمال النرويج (LO) فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال الإسرائيلي، وحظر التجارة والاستثمار مع...