إلى ما بعد الفاصلة.. مع التحية

يكثر الحديث، هذه الأيام، عن منظمة التحرير الفلسطينية. بعد أن غابت، أو غُيّبت، أو تغيّبت، أو تباعد ذكرها لأكثر من عقد من الزمن، وبالتحديد منذ تكون السلطة الوطنية الفلسطينية (بعد أوسلو مباشرة). ومنظمة التحرير الفلسطينية هي العنوان الوطني-الفلسطيني الذي تربينا في كنفه منذ نعومة أظفارنا.. هي العنوان الذي وضع حداً، لحوالى ثلاثة عقود من الزمن، لكل من حاول تجاوز إرادة شعبنا، ووجوده وكبريائه الوطني.. هي العنوان الذي جعلنا نجوب العالم؛ شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً ونحن مرفوعي الهامة، واثقي الخطى.. هي العنوان الذي انحنى أمامه العالم، الحر وغير الحر، الذي تعاطف معنا والذي اعتبرنا (إرهابيين!!).. هي العنوان الذي حمل شعاره كلمات ذات دلالة: وحدة وطنية-تعبئة قومية-تحرير، وهي تحيط بخريطة فلسطين التي يتربع عليها علم فلسطين الآباء والأجداد.
ولعل أرشيف السجون (الاسرائيلية) يشهد بذلك، كما تشهد بذلك جدران الزنازين والمعتقلات التي كُتِبَ عليها كلمة “فلسطين” بمختلف اللغات، واللهجات تعبيرا عن قناعة قاطنيها بعدالة القضية، التي بذلوا حريتهم دفاعاً عنها. لقد التحق هؤلاء جميعاً بالثورة الفلسطينية، وقاتلوا إلى جانبها لإيمانهم بعدالة القضية، وصدق أصحابها، ولتفهمهم لمدى المسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتق الأحرار في العالم، تجاه شعب توزع بين شريد، وطريد، وقتيل. وعلى هذه القاعدة كان التحاق كوزوموتو الياباني ومجموعته، ومجموعة بادر ماينهوف الألمانية، والجبهة الحمراء الايطالية، ومجموعة النجم المضيىء (من الأورغواي)… الخ. وإننا نقدر لهؤلاء عمقهم الفكري، وصدق انتمائهم الذي انطلق بهم إلى خارج حدود أوطانهم. كما نقدر لأبناء فلسطين الذين أبدعوا في رسم صورة قضيتهم العادلة أمام العالم.
لقد تحقق هذا كله، بالرغم من الانتكاسات التي مرت بها المنظمة في مراحلها المختلفة، ومحاولات التآمر عليها؛ داخلياً و/أو خارجياً. وقد كان التآمر يحمل نكهات مختلفة، تتراوح بين تآمر الأعداء الاستراتيجيين، وظلم “ذوي القربى”. فأهداف الأعداء واضحة، وتتلخص في السعي الجاد لإطفاء الشعلة الفلسطينية التي أضاءت سراديب المؤامرة وكشفت المتآمرين، كما كشفت زيف الضمير الإنساني، الذي ارتضى لنفسه أن يكون “شاهد زور”، على تشريد شعب وانتزاعه من أرضه وسط المذابح، والتخويف، وارهاب الدولة، بل إرهاب الدول، المنظم. أما دور “ذوي القربى” فقد كان بهدف “الطي تحت الإبط” لتلك المنظمة، بما تُمَثِّل، لتصبح جزءً لا يتجزأ من الأجندة “الجيوسياسية” لهذا النظام أو ذاك، ولهذه الدولة أو تلك، ولهذه الأيديولوجيا أو تلك. حتى أن احتواء منظمة التحرير الفلسطينية والسيطرة على امكاناتها؛ الوطنية والقومية، وما تمتلك من عمق العلاقة مع قوى التحرر في العالم، كان “الباروميتر” الذي يشير إلى دهاء النظام “المُحتَوي”، وحنكته، وقدرته على “الرقص على الجراح” ليُسوِّق نفسه، ويمرر برامجه التسووية أمام شعبه، وليكون الشعب الفلسطيني بعذاباته، وتشرده، وعُريه، وجوعه أداة طيعة يستطيع من خلاله أن يعلو المنبر ليهتف باسم الحرية والتحرر، ثم يسارع إلى مغادرة المنبر لتوضيح الأمر لأسياده؛ بأنه مجرد “ضحك على ذقون الشعب” ليس إلا.
في كل تلك التفاصيل كان هناك من أبناء الشعب الفلسطيني “حصان طروادة” الذي اختُرِقَ به الحصن الفلسطيني. فكان لهؤلاء صولات وجولات، كادت أن تودي بمنظمة التحرير الفلسطينية، بما امتلكت من تراكم نضالي، وبما بنت من مؤسسات، وبما حفظت من “تاريخ شعب” كاد أن ينصهر في بوتقة القرارات الدولية الجائرة. تلك القرارات التي نُفّذت بحذافيرها على الفلسطينيين، والعراقيين، واللبنانيين، وعلى أحرار العالم، ولم يُطبّق منها شىء لصالح أيٍ من الشعوب المضطهدَة.
لقد استمرت شعلة منظمة التحرير الفلسطينية متقدة، ومتألقة، وتسطع بنورها لتنير درب أبناء شعبها الذي انتزعت تمثيله، الشرعي والوحيد، بكفاءة عالية، وبالدماء التي أريقت على مذبح الحرية والتحرر.. أما المحطة القاتلة، حيث دُق أول مسمار في نعشها، فقد كان في اتفاقية أوسلو، وما تبعها من شطب للميثاق بحضور كلينتون، راعي تلك الاتفاقية المشؤومة، التي أخذت منا الكثير، ولم تعطنا سوى الويل، والثبور، والوعود الكاذبة، والحل النهائي الموهوم، ودولة ليست بالدولة، وعاصمة ليست القدس، واللاعودة.. كما اشترطت علينا الانتخابات التي يقبل بها عرابو العالم، إذا كانت نيرانها تُنضج قرصهم، وأما إذا كانت نتائجها تصب لصالح الثوابت الفلسطينية: العودة، الدولة المستقلة، والقدس عاصمة فإن الحصار، والتجويع، والاحتلال وإعادة الاحتلال، وإثارة الفتن داخل المجتمع الفلسطيبني… الخ هي العقوبة التي تُطبِقُ على عنق الشعب المُنتَخِب.
للوصول إلى النهايات لا بد من تذكر البدايات. وبالتالي فإنه لا بد من أن نتذكر الملامح الرئيسية لهذه اللوحة الفلسطينية التي شُكِّلت بدماء شهدائنا الأبطال، وبعذابات أسرانا البواسل، وبعرق شعبنا ودمه اللذ ي ن نُزِفا أثناء رحلة التشرد الشاقة. فخلال الأعوام (1945م-1964م) كان للفلسطينيين ممثلون في جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عام 1945 بالرغم من وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني. وفي أوائل عام 1964م انعقد مؤتمر القمة العربي الاول، حيث أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية لتعبر عن إرادة شعب فلسطين ولتكون هناك هيئة تطالب بحقوقه وتقرير مصيره. ثم انعقد المؤتمر الفلسطيني الأول الذي اقيم في القدس في 28/3/1964م، باسم “المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية”. وقد انتخب هذا المؤتمر المرحوم “أحمد الشقيري” رئيساً له، وأُعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وصادق على الميثاق القومي والنظام الأساسي للمنظمة، وانتخب الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة، وكلف المؤتمر الشقيري باختيار أعضاء اللجنة الدائمة الخمسة عشر، كما قرر المؤتمر إعداد الشعب الفلسطيني عسكرياً وإنشاء الصندوق القومي الفلسطيني. [1] [1]
أما المحطة التالية فقد كان فارسها المرحوم القائد ياسر عرفات، فقاد المنظمة على قاعدة الكفاح المسلح، الذي كانت رصاصته الأولى في 1/1/1965م معلنة عن انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح). وما توحد معها من فصائل، حملت السلاح بعقائدية عالية، وإيمان مطلق بحتمية الانتصار على التشرد، والقهر، والتبعية… الخ. ولعله من باب التجرد والعلمية القول بأنه عند انطلاق قطار الثورة، لا بد من راكب يتعب، وراكب يُحبط، وراكب ينتهز الفرص للقفز بالقرب من المقود الرئيسي، وراكب يشيع الفوضى (بقصد أو بغير قصد)، وراكب يحث الجميع على الصمود ومواصلة المسير؛ للوصول إلى الشعاع المنبلج في آخر النفق.. فكان ما كان من انشقاقات، وتمحورات، وإعادة تمحور بين هذا الفصيل وذاك.. إلا أنه في جميع الظروف المحيطة بالحقبة الزمنية الممتدة حتى العام 1993م، حيث اتفاقية أوسلو، كانت م. ت. ف تعتمد النهج الديمقراطي في مؤسساتها المختلفة. ولعل قائل يقول: بأن المرحوم ياسر عرفات كان يستحوذ على كل شىء، لهؤلاء نقول: إنه لمن الطبيعي أن القادة يتميزون بقدرتهم على الأداء والعطاء. وأن من يمتلك الدهاء، والمال، والقوة، والقدرة الفائقة على الحركة وسط الزحام، والقدرة على القفز فوق الأمواج العالية ووسط الرياح العاتية، دون أن يَغرَقَ و/أو يُغرِق، لهو قائد فعلي علينا أن نحني له احتراماً، وتقديراً، ومهابة سواء اتفقنا معه أم اختلفنا.
إن ما يُذكرنا بالقادة الذين شكلوا الرقم الصعب في معادلة الصراع، هو الزمن الصعب الذي نعيشه هذه الأيام. ولا أعتقد بأن فلسطينياً عاقلاً، بالغاً، مدركاً لما يحدث، ومنتمياً لفلسطين الواحدة الموحدة، ومؤمناً بالوحدة الوطنية، وحريصاً على الدم الفلسطيني، وحريصاً على انجازات شعبنا التي حققها عبر سني الشقاء والتشرد.. لا أعتقد بأن فلسطينياً يمتلك خاصية، واحدة على الأقل، مما ذُكِر لا يكون حريصاً على وضع النقاط على الحروف، إلا في واحدة من حالتين: فإما أنه يراهن على أن الدم الفلسطيني هو العلاج الشافي (!!). أو أنه يعاني من عقدة الخوف الذي يُفقده القدرة على الوقوف أمام المرآة الفلسطينية التي تصف الواقع بمرارته، بل علقمه.
إنه لمن الطبيعي أن الشعوب عندما يداهمها الخطر ترنو إلى قادتها، وعندما يختلف قادتها فإنها تلملم شعثها لتستغيث بمرجعياتها.. ونظراً لأننا نعيش في زمن الحاجة إلى المرجعيات، فإنه من الطبيعي أن نستغيث بقادة فصائلنا الذين نفترض فيهم القدرة على أن يقفزوا إلى المقود ليصححوا المسار، وليمنعوا خروج القطار عن السكة، وليضمنوا بقاء عرباته متماسكة ومتصلة بالمحرك الرئيسي؛ لكي لا يَتيه عربة هنا وأخرى هناك. وعندئذ (لا سمح الله) يفقد القطار السكة المخصصة له، وينتهي ركابه إلى وادٍ سحيق، لتفترسهم الوحوش الكاسرة.
يلتئم الآن تحت قبة منظمة التحرير الفلسطينية؛ الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني (وتُعرَّفُ في الموسوعات العالمية بأنها العنوان الناطق باسم الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية) اثنا عشر من الحركات والاحزاب الفلسطينية. وذلك باستثناء حركتي حماس والجهاد الإسلامي ليستا من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة التي سحبت عضويتها. [2] [2] أي أن المجموع الكلي للفصائل العاملة على الساحة الفلسطينية يزيد عن الـ (15) فصيل. وإذا سمينا قائداً واحداً لكل فصيل فإننا نكون أمام (15) قائد. وعليه فإن المراقب للحدث الفلسطيني يكون قد وجد الحل الذي يتمثل بأن اختلاف فصيلين، أو ثلاثة، أو أربعة لا يعني انحدار القطار إلى الهاوية. لأن العدد المتبقي، يكفي للسيطرة على الوضع، وإعادته إلى جادة الصواب. إلا أن المُطَّلِعَ على تفاصيل “المطبخ” السياسي الفلسطيني، المتعلق باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطيمية، يصل إلى الحقائق التالية:
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...