الأحد 07/يوليو/2024

دوافع وغايات الدعوة لمؤتمر شعبي فلسطيني

دوافع وغايات الدعوة لمؤتمر شعبي فلسطيني

صحيفة الخليج الإماراتية

أشرت في الأسبوع الماضي لتعدد اللقاءات في الشتات الفلسطيني لتشكيل “اللجنة المؤسسة” لمؤتمر شعبي. والدعوة لا تعود فقط لوضوح عزوف الرئيس محمود عباس، وزمرة أوسلو بقيادته، عن الاستجابة للمطالبة بإعادة تشكيل وتفعيل كل من منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني، وإنما أيضاً للشعور بخطورة انسداد أفق تشكل حكومة “وحدة وطنية” ملتزمة بالثوابت الوطنية، فضلا عن القلق تجاه ما توحي به تصريحات الزمرة القائدة من استعداد للتنازل عن حق العودة والقدس وصولاً لتسوية تبقي لها مكاسبها الذاتية التي حققتها خلال سنوات أوسلو العجاف. وليس أدل على خطورة ما تلوح نذره في الأفق من التذكير بما كانت عليه المنظمة وميثاقها ومؤسساتها .

وبالعودة لما كان، يتضح أن “الميثاق القومي” الذي أقره المؤتمر الوطني الأول بالقدس في 28/2/1964 يعكس إدراكاً واعياً لحقائق الصراع، إذ نصت المادة (14) على أن تحرير فلسطين مهمة الأمة العربية. ورفضت المادة (17) قرار التقسيم لتناقضه مع نص ميثاق الأمم المتحدة على حق تقرير المصير. واعتبرت المادة (19) تصريح بلفور وصك الانتداب باطلين لإنكارهما الهوية الوطنية لشعب فلسطين وحقوقه السياسية، واعتباره مجرد طوائف غير يهودية مقيمة في فلسطين، كما أوضحت أن ادعاءهما بوجود روابط تاريخية ليهود العالم بفلسطين يتناقض مع تاريخ فلسطين وتعدد الأصول السلالية ليهود العالم. وحيث كان تحرير الأرض المحتلة سنة 1948 مجمعاً عليه وطنياً وقومياً، ولم تكن إقامة دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة مطلوبة ولا مطروحة، نصت المادة (24) على حصر نشاط المنظمة فيهما في قضايا التنظيم والتمويل دون أن يكون لها سيادة عليهما. ولتأمين استقلال قرار المنظمة تقرر أن تؤمن احتياجاتها المالية باستقطاع 5% من رواتب العاملين الفلسطينيين، إضافة لدعم عربي تلتزم به دول الجامعة العربية، باعتبار المنظمة تقوم بمهمة قومية تجاه تحد يستهدف الأمة جمعاء. وذلك ما اعتمدته القمة العربية الثانية في الإسكندرية أواخر 1964 .

وباعتماد اللجنة التنفيذية برئاسة الشقيري الكفاءة في اختيار الموظفين توفر لدوائرها كادر متميز مهنياً وسلوكياً، بحيث أعطى ثماراً طيبة في حدود إمكاناته المحدودة. يأتي في مقدمتها إنجازات “مركز الأبحاث” بإدارة د. أنيس الصايغ، الذي أصدر 300 كتاب للتوعية بحقائق الصراع، ومجلة “شؤون فلسطينية” المعروفة بأبحاثها الجادة، ونشرة رصد نصف يومية لوقائع الصراع، معطياً بذلك صورة مشرقة للأداء الفلسطيني. مما استعدى العدو الذي اغتال عدداً من باحثي المركز المبدعين، وحاول اغتيال د. الصايغ في 19/7/1972.

ولدى غزو لبنان سنة 1982 صادر الصهاينة محتويات “مركز الأبحاث”. وفي مذكرات د. الصايغ تفاصيل مأساوية من محاولات الرئيس عرفات فرض محاسيبه على المركز. وبتولي فصائل المقاومة بقيادة “فتح” أمور المنظمة سنة 1968 عدل الميثاق في 17/7/1968 بحيث ألغيت مقدمته ذات التوجه القومي. وكمؤشر على التحول للنهج القطري سمي “الميثاق الوطني”، ورفع شعار “استقلال القرار الوطني”.

ولتمرير التحول الجذري نص الميثاق المعدل على تبني الكفاح المسلح سبيلاً للتحرير. إلا أنه باعتماد التسوية خياراً استراتيجياً منذ العام 1968 – كما ذكر هاني الحسن في محاضرته في لندن اتضح أن “الاستقلال” إنما هو عن القوى العربية الملتزمة بالممانعة والمقاومة خياراً استراتيجياً، وليس عن عرب التسوية والتمويل الخارجي، الذي تعاظم تأثيره السلبي في صناعة قرار الزمرة المحتكرة إدارة المنظمة. فضلاً عن افتقاد “الصندوق القومي الفلسطيني” استقلاله الإداري بإخضاعه لإرادة الرئيس عرفات.

كما جرى اعتماد المحاصصة الفصائلية في تشكيل المجلس الوطني وتولي مناصب دوائر المنظمة، والمسؤوليات القيادية في الهيئات الشعبية التي تتلقى دعمها، من اتحاد الكتاب والصحافيين إلى اتحاد المرأة. ولاسترضاء المحاسيب والأنصار، والذين يراد كسب تأييدهم، توالى توسيع عضوية “المجلس الوطني” ليبلغ الأعضاء (750) مما حوله إلى منبر خطابي، وأضعف بالتبعية دوره كسلطة تشريع ورقابة. فضلاً عن أنه لم يدع للاجتماع منذ سنة 1988 عندما أقر “إعلان الاستقلال”.

وبعودة الرئيس عرفات وأركان المنظمة عدا فاروق القدومي للضفة والقطاع المحتلين سنة 1994، وبإقامة “السلطة الوطنية” فيهما، جرى تهميش المنظمة، بحيث فقدت دورها التاريخي كحاضنة للحراك الوطني الفلسطيني. وبالنتيجة عاد الشتات الفلسطيني لما كان يعانيه من انفلاش وتشرذم، وفقدت بالتالي إمكانية الاستفادة من قدرات نخبه المتميزة وعلاقاتها العربية والدولية، مما أسهم في مضاعفة الآثار السلبية لتهميش المنظمة. وبعد طول إهمال استدعي “المجلس الوطني” لجلسة طارئة في غزة، حضرها الرئيس كلينتون، وقاطعها رافضو أوسلو من الأعضاء. وفيها جرى مسخ الميثاق بإلغاء (12) مادة، وتعديل (16) أخرى من مواده الثلاث والثلاثين، وهي المواد الخاصة بالتحرير والعودة والرافضة القرارات “الدولية” التي تهدر الحقوق الوطنية المشروعة. وبوفاة الرئيس عرفات وعدد من أعضاء “اللجنة التنفيذية” للمنظمة واستقالة أحدهم افتقدت اللجنة التنفيذية النصاب القانوني، وبات ما يصدر باسمها غير مشروع ولا ملزم .

ومما سبق يتضح أن الغاية الأساسية لعقد مؤتمر شعبي فلسطيني هي استعادة دور الشتات المغيب منذ توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993، والعمل مع العناصر الوطنية صادقة الالتزام بالثوابت الوطنية، والتي لا يخلو منها فصيل من فصائل المقاومة، على تصويب المسار وتأهيل المنظمة لتستعيد دورها كحاضنة للحراك الوطني الفلسطيني في سبيل التحرير والعودة.

ومن منطلق الاجتهاد الشخصي أقدر أن تكون في مقدمة مهام المؤتمر إعادة صياغة “الميثاق الوطني”، بتأكيد البعد القومي للصراع والالتزام بالثوابت الوطنية، والإسهام في إعادة تشكيل “المجلس الوطني” بالانتخاب حيث أمكن، وبحيث يمثل عرب الأرض المحتلة سنة 1948، ومواطنو الضفة والقطاع، وفلسطينيو الشتات، بنسب تعدادهم. كما أتصور أن يهتم المؤتمر بوضع آلية تحرير الإرادة الوطنية من الارتهان للتمويل الأوروبي والأمريكي والعمل في مشروعات تنمية الاقتصاد الصهيوني، وذلك بالاعتماد على الإمكانات الذاتية لشعب فلسطين، وعلى الدعم العربي والإسلامي باعتباره إسهاماً في تعزيز صمود المتصدين لعدوان يستهدف الأمة العربية والشعوب الإسلامية وليس مجرد مساعدة لشعب شقيق منكوب.

وكذلك وضع قاعدة بيانات شاملة لأملاك اللاجئين والنازحين لتأكيد حقوقهم المشروعة. وفي ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية، وبخاصة إنجازات المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، وتداعياتها على جبهة العدو الصهيوني، وصداها في الرأي العام العالمي، تعتبر الدعوة للمؤتمر الشعبي الفلسطيني نتاج قراءة واعية لمعطيات الواقع، وجديرة بالاستجابة الفاعلة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات