الجمعة 09/مايو/2025

فتح ..دحلان .. وأشياء أخرى

خليل الأغا

لم يكن رحيل القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات هو قاصم ظهر فتح، ابدا لم يكن ذلك هو السبب، فعلى مر التاريخ كانت الثورات، أو الدعوات، أو الحركات ذات البعد الأيديولوجي أو الفكري، أو الوطني تستمر حتى بعد رحيل مؤسسيها أوقيادتها أو طلعيتها، ولم تك ابدا عرضة لذلك التخلخل العنيف في تركيبتها التنظمية، والتصدع في بنيتها الفكرية، والتهاوي في آفاق امتدادها عبر التاريخ، أو انطفاء جذوة صحوتها، في فكر وعقل وقلب أتباعها ومحبيها، وهو ما حدث مع حركة تحررية فلسطينية، تشكلت في حقبة زمنية تلت العدوان على قطاع غزة في العام 1956 وقبيل هزيمة العام 1967 ، والحقيقة المحتومة أن فتح بالمعنى التنظيمي قد انتهت منذ فترة طويلة وبعيدة، وهنا لسنا نعرض للشكليات بل للمضمون العلمي، والشكل والبنية التنظمية، لما قد يشكل تنظيما. فلكل تشكيل تنظيمي أسس وقواعد ومنهجية، ونظم ادارية، وتشكيلات اتصالية، وبنية متماسكة مترابطة منطقيا، تخضع لفكر استراتيجي ، هذا الفكر قد يكون اقتصاديا أو فكريا أو عقائديا، بحسب البيئة التي ينشأ فيها هذا التشكيل التنظيمي.

فلو طبقنا كل ما سبق ذكره، مع اعتبار الخلفيات السياسية التاريخية وتأثيرها على مجمل التوجه التنظيمي ، على فتح لوجدنا أن فتح تنظيميا لم تتشكل وتستمر إلا لبضع سنوات وهي من فترة ما بعد حرب 1973 وحتى مطلع الثمانينات مع انطلاق حرب المخيمات والحرب الأهلية اللبنانية، حيث أريد لهذا لتشكيل الفلسطيني أن يعزز انتصار 1973 ، لكن ما بدأت مرحلة معاهدة كامب ديفيد وتم تحييد الجبهة المصرية والتمركز في الجبهة الشمالية في لبنان وانطلاق حرب المخيمات وتزايد النعرات الانشقاقية داخل التشكيلات الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية على راسها حركة فتح، حتى انهارت البنية التنظمية وبرزت محلها الكاريزمية للقيادات الفلسطينية، فكانت بمثابة اعلان لانهيار التنظيم من الناحية الفعلية وانتقاله إلى حالة أشبه ما تكون بالشللية.

ولنبدأ الحكاية من البداية، مذ كان تشكيل حركة فتح كتشكيلات عسكرية guerrillas لمهاجمة جيش الاحتلال الاسرائيلي بنمط حرب العصابات ” اضرب واهرب “، متوافقا عليه من بعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر حيث شكل الفدائيون الفلسطينيون في مرحلة حرب الاستنزاف تهديدا لا يستهان به كجزء من باقي التشكيلات العربية، التي تكونت من آلاف المتطوعين العرب والمسلمين. وبعض حرب 73 واتجاه مصر السادات للصلح مع الكيان المحتل على أساس أن مصر مهتمة بأمنها واستقرارها وتحرير أراضيها، وأما فلسطين، فلتكن القضية مرحلية، نحرر الأراضي المصرية والأردنية والسورية، ثم ننظر في شأن الفلسطينيين. هذا ما كان وما بعده كان استكمالا لمرحلة لا بد أن تصل إليها منظمة التحرير ممثلة بعمودها الفقري فتح، فكان أن مرت بمرحلة حرب المخيمات التي قضت على الشكل التنظيمي لفتح والمنظمة وتقولبت في شخصية القائد فكان هو رأس الهرم، وهو قاعدته، وهو كيانه، وهو المسيطر على كل تفاصيله، في حين كانت الجوقة المحيطة به هي ديكور تنظيمي لا علاقة له بأي عمل فكان عرفات يشرف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة، وهو ما يتنافى كليا مع الأسس التنظيمية لأي تنظيم مهما كانت بساطة تشكيله أو مدى تعقيده.

وكما ذكر الملك حسين في مذكراته التي قامت ال BBC بعمل برنامج وثائقي ضمن جزءا من مقابلاته مع جوقة أوسلو من جميع الأطراف العربية وغير العربية، فقد صرح أن المباحثات السرية بين منظمة التحرير واسرائيل بواسطة الملك حسين شخصيا في العام 1979، وهو ما أكده بسام ابو شريف في مقال له، وهو ما يعلمه الأخ أبو مازن جيدا، ولا أظنه ينفيه، في حين أن القاعدة الفتحاوية بدءا من الصف القيادي الثاني لم تكن تعلم مطلقا بما يدور، وبعد وصول المنظمة إلى تونس وبقاء هياكل لفتح في لبنان وسورية وتشرذم القيادات الميدانية التي تورطت بعضها في عمليات اختطاف وتفجير الطائرات في أوروبا، وفي الوقت الذي تواصلت فيه المباحثات السرية بوتيرة مختلفة بحسب المتغيرات الدولية، كان الجسم التنظيمي في فتح يغط في سبات عميق.

في تونس بدات مرحلة جديدة، هذه المرحلة دخلت طورا متقدما من حلول الوسط، وكانت العقبة عدداً من القيادات العسكرية والأمنية في فتح، فكان الضوء الأخضر قد أعطي مسبقا وتم تحديد شخصيات العقبات الداخلية، وتمت تصفيتهم جميعا وصولا للرجل الثاني أبو جهاد مرورا بابي إياد الرجل الثالث، والقيادات الأمنية في أوروبا وبذا صعدت شخصيات بديلة للصفوف القيادية الشاغرة، جميعها وبلا استثناء وبشكل مذهل تمتلك نفس التوجه السياسي وهو التخفيف من العمل “غير السياسي” وانتهاج العمل السياسي، وأكثر ما يدلل على ذلك أن اغتيال ابوجهاد تم في العام 1988 وخلال سنتين فقط كانت الحطة السمراء ومن خلفها العباءات السمراء تجلس سويا في مدريد بحضور شمعون بيريس واسحق شامير رئيس الوزراء في حينه، وباراك الذي كان قائد عملية الرجل الثاني في فتح كان يحتضن الرجل الأول، والقاعدة لا تزال تغط في سبات عميق، أو بالأحرى تم استغفالها.

وكان هذا الأمر بمثابة دلالة واشارة واضحة على أن القائد هو الموجود ولا وجود للتنظيم، ورب قائل يقول” اذا تنكر كل الأشكاال التنظيمية الموجودة؟” ، وأرد قائلا: لا يعني بالضرورة أنك تسمي هذا تنظيما فيكون تنظيما، فلك أن تقول ما تشاء، وتعتبر ما تشأء، لكن الواقع يدلل على أمر مختلف كليا، وأشكال التواصل هي أمر طبيعي لكنها لا تعني بالضرورة وجود تنظيم بالمعنى التنظيمي الحقيقي. وما كان على الأرض هو أشكال اتصالية لتسيير الأعمال والاشراف على الأنشطة، وإلا فمن ياتي بدليل على آلية اتخاذ القرار، داخل فتح التي عادة وفي أي تنظيم أو منظمة تتخذ اشكالا محددة وتمر عبر سلسلة واضحة المعالم، منطقية النموذج، ولتحقيق سياسات وأهداف واضحة المعالم في إطار رؤية استراتيجية للعمل التنظيمي.

فكرة فتح كانت العمل العسكري وتشكيلاتها عسكرية الأساس لكن لا وجود لتنظيم حقيقي، ومنذ العام 1988 وبالذات بعد رحيل أبو جهاد، الذي كان دينامو فتح العسكري، انتقلت للعمل السياسي البحت دون أن تعلم القاعدة إلى أين تتجه، ولأن البعض منهم كان يتشبث بالعمل العسكري فقد ترك لهم هامشأً من العمل العسكري المحدود داخل الأراضي الفلسطينية تحاشيا للاصطدام بهم، بل قد يشكلون واجهة يمكن الاحتجاج بها أن العمل العسكري لم يتوقف، لكن في الواقع، كان العمل العسكري قد انتهى بانتهاء القيادات التي كانت تدعم هذا التوجه، ففيما كان الشباب المنتمي لفتح في داخل الأراضي الفلسطينية يقضي زهرة شبابه خلف القضبان، كان العشرات من القيادات المفترضة للحركة ( ولا أقول جميعهم ) في أحضان الغانيات في تونس ولندن وغيرها وهذا ليس من ابتداعي بل نقلا عن بعض قيادات فتح ذاتها في الخارج.   

أثناء حصار عرفات في المقاطعة، والذي نفضت أمريكا واسرائيل أيدهما منه بعد أن تصلب الرجل في مرحلة معينة، في حين أنهم كانوا يتوقعون منه الاستمرار بنفس النهج السابق، ولكن كونه زعيما تاريخيا من زعماء الشعب الفلسطيني وكما قال هو ذاته ذات مرة أنه لا يستطيع أن يتنازل عن القدس ولن يسجل له التاريخ ذلك، وهنا كما هو السيناريو السابق مع القيادات العسكرية والأمنية لفتح، من يخرج عن الطور ويغني خارج متطلبات المرحلة التي تضع سياقها الولايات المتحدة واسرائيل ، فإنه عليه أن يمضي بعيدا وهكذا مضى عرفات لأنه غنى خارج السرب، والآن جاء دور من تم اعدادهم مسبقا، وصعدوا إلى منصة التصدر باسم فتح، وأصبحوا من يمثل فتح.

هي النظرية ذاتها ، ازاحة قيادات ليصعد من يريدون هم، وذلك لأنهم يعرفون جيدا أن الشخصية هي التي تحدد كل شيء داخل فتح فليس فيها قوانين ولا مستويات قيادية ولا تنظيم مؤسسي هو الذي يحدد القرار وليس الأشخاص، وهو ما يعضض نظرية عدم وجود تنظيم داخل فتح، وإنما هي شخصيات ذات نفوذ، مدعومة ماديا وسياسا، هي التي تحدد الاتجاهات العامة لذلك التيار أو تلك المجموعة. وليس أدل على ذلك من قيام عناصر فتح بالتهديد المسلح لقياداته أو الضغط عليها باحتلال المؤسسات لكي ينال مطالب تنظيمية داخل الجسد المفترض ذاته، ولا يتذرع خاوي الوفاض قائلا هذه من الديمقراطية، فهو تماما كفستان ممزق وممتلئ بالرقع والثقوب ثم يأتي مصمم أزياء قائلا عنه: “موضة جديدة”، فلو كان هناك تنظيم لكانت هناك آليات للتواصل بين القيادة والقاعدة، وماكان هذا الشيء ليحصل أساسا بوجود تنظيم؛ فالتطور التنظيمي والتوسع الأفقي، والرأسي، أمر يتصف بالديمومة داخل التنظيم الفعال، وهو الأمر الذي كان بديهيا عدم انطباقه على فتح.

من جهة أخرى، اتصال شخصيات داخل التنظيم بشكل مباشر بجهات مثل اسرائيل والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا وغيرهم، إضافة إلى التنسيق الأمني المباشربين مسئولين فلسطينيين وغيرهم، قد أحدث نوعا من الولاءات من هذه الشخصيات لطرف جهة الاتصال، وهو ما انعكس داخليا داخل الأراضي الفلسطينية وأساسا داخل فتح، وأصبح الأمر يتعلق بقيادات وشخصيات ولا وجود للتنظيم، ولا وجود حتى لأساس فكري لهذا التنظيم، وقد شكل هذا  فعليا  آخر أشكال الوحدة في البنية التنظيمية، الذي يعتمد على وحدة التوجه، استنادا إلى وحدة الأهداف.

ومن هنا نستطيع القول أن فتح ليست تنظيما مطلقا، ولا يمكن القول أن لها شكلا تنظيميا محددا، إلا إذا انبرى أحد المتفيقيهين بنظرية تنظيمية جديدة لم تتحقق علميا وفعليا على الأرض هي “فتح”، ولكن من البديهي أن أحدا من قيادات فتح لا يجرؤ على الاعتراف بذلك، وإن كان الكثير ممن يدينون بالولاء لفتح قد أعرب بمرارة عن ذلك، ابان مرحلة الانتخابات البلدية والتشريعية الأخيرة التي تجلى فيها أكبر دلالات الترهل البنيوي لفتح؛ من تخريب الانتخابات الداخلية، والتهديدات، واطلاق النار، وحرق الصناديق، والحرب الخفية التي وصلت حد الذم في الأعراض، والقدح في الذمم، وتبادل الاتهامات بالعمالة بين بعضهم البعض، في حين أنهم  افتراضا أبناء تنظيم واحد أو بالأحرى أبناء تشكيل واحد.

لا فكر تنظيمي، لا وجود لهيكل تنظيمي، لا فكر استراتيجي، لا تخطيط منهجي، لا تواصل فعال، لا بنية مؤسساتية، لا اتصالات تنظيمية، لا تطور رأسي أو أفقي، في المقابل مراكز قوى، أجندات مبنية على المصالح الآنية أو المتوقعة، علاقات خارجية متعددة، عشرات التشكيلات العسكرية ذات المصالح المتضاربة، لا رؤية لأكثر من يوم واحد، تشكيلات عصابية، أشبه ما تكون بأسر المافيا، وإن كانت حتى تلك، تملك رؤية استراتيجية لعملها، وتعمل ضمن مخطط واضح، يتوارث ضمان تحقيقه كل من يتولى مسئولية الأسرة.

للأسف حاليا يتم استخدام اسم فتح لممارسة أقذر ما يمكن ممارساته على الأرض بالذات من صاحب الشخصية ” البارانويا “، دحلان الذي أصبح فجأة يمثل التيار الاكثر تأثيرا وليس بالضرورة الأهم أو الأكبر في استخدام اسم فتح، بل وأحيانا الشعب الفلسطيني بحسب ما يتخيله أحيانا في اليقظة، ليتحدث عن الواقع وعن رغبته في “تعديل” الاعوجاج الموجود، في محاربة”الفساد”، ووضع حد ” للفلتان الأمني” الذي اصبح كذبة تلوكها ألسنة الفلسطينيين فيما الأمر لا علاقة له بفلتان أمني ولا ما يحزنون. هو بحسب من بقرأ كتب شخصيات عملت في اجهزة استخبارت غربية وأمريكية نظرية معروفة في تأجيج الصراعات، والبحث عن كل سبب يمكن أن يتسبب في إحداث فوضى عارمة، لا يمكن السيطرة عليها نظريا من قبل تشك

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...