أمريكا في مراحلها الأخيرة من الطغيان والاستكبار

أخيرا اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية وبطريقة غير مباشرة بهزيمتها في العراق، وخرج تقرير لجنة وزير الخارجية السابق الجمهوري “جيمس بيكر” من دهاليز المطبخ الأمريكي ليحمل بين طياته خطورة الوضع بالعراق، وإن كان ما يحويه التقرير ليس بجديد على مستوي التوصيف بالنسبة للمراقبين والمتتبعين للشأن العراقي ،وقد كان توصيفا دقيقا بشهادة سياسيين عراقيين بارزين من المعارضين للاحتلال الأمريكي.وأقر الرئيس الأمريكي جورج بوش مضطرا وبشكل علني هذه المرة بأن الوضع في العراق سيء للغاية،إلا أنه وبعنجهيته المعهودة ، أكد على أن الولايات المتحدة الأمريكية ستنتصر. وفي تصريح صحفي للبرلماني السابق “لي هاملتون” الذي ترأس مع “جيمس بيكر” اللجنة، والتي قدمت 79 توصية بشان العراق قال”إن الوقت يضيق والوضع يتدهور وعلينا التحرك بسرعة،.. إنها ليست مسالة أشهر وإنما مسالة أسابيع وربما أيضا أيام..”.وبوش لا زال يحلم بالانتصار ويفكر في خيارات متعددة، رغم إقراره بخطورة الوضع، الذي لا يعني إلا شيئا واحدا هو أن الإدارة الأمريكية في مأزق خطير وأن جيش الاحتلال يئن تحت وطأة المقاومة الباسلة، وانهزم شر انهزام وتكبد خسائر فادحة على مستوى العتاد والأرواح، وفشل فشلا ذريعا في وضع العراق على قاطرة الديمقراطية وحقوق الإنسان والشعارات الكاذبة التي كان يروج لها قبل الاعتداء على الشعب العراقي .
الشيء الوحيد الذي حققته الإدارة الأمريكية بالعراق وشريكتها “إسرائيل” هو إشعال فتيل الحرب الطائفية التي حصدت المئات من الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والأساتذة والعلماء.. لذلك أستبعد أي انسحاب للولايات المتحدة الأمريكية من العراق، دون أن تؤسس لوضع عراقي مشتعل متفاقم تحكمه النعرات الطائفية والاقتتال الداخلي، وهذا هو الانتصار الذي تطمح له وتعد به السياسة الخرقاء للرئيس بوش.كمالا يمكن استبعاد أن تكون غالبية السيارات المفخخة التي تنفجر وسط الأسواق والأحياء السكنية وتقتل الأبرياء من الشعب العراقي، أن تكون من تدبير عناصر عميلة، انتقاما من هذا الشعب الذي تساند غالبيته المقاومة الشريفة وتدعمها من اجل دحر الاحتلال.أما التقتيل الذي يمارس على أبناء العراق خصوصا منهم السنة تحت غطاء الطائفية المقيتةفهذا سلوك هجين قبيح تمقته الفطرة السليمة، وهو نتاج تخلف فكري وضلال عقدي وانصياع أعمى لقادة ومرجعيات تجيش العواطف وتزرع الحقد والكراهية بين أوساط الشعب الواحد باسم الدين للأسف الشذيذ.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل إنسان حصيف حر شريف حفرت صور الإجرام الأمريكي بالعراق في عقله ووجدانه جراح عميقة،والسؤال: ماذا تنتظر الإدارة الأمريكية من شعب محتل، تقوم قواته بمداهمة بيوته وبترويع أطفاله ونساءه، والتنكيل برجاله وشبابه..وارتكاب مجازر دامية تحت ذريعة البحث عن”الإرهابيين ” آخرها ـ إلى حد كتابة هذا المقال ـ هي مجزرة ” الإسحاقية”؟أتنتظر هذه الدولة الغاشمة أن تخبو جذوة المقاومة وتنطفئ نار الانتقام وينحني أبناء العراق إجلالا لها بهذا الصنيع، فإذا كانت الإدارة الأمريكية تطمح إلى قطع دابر المقاومة فهي واهمة بدليل ما جاء في تقرير جيمس بيكر من نتائج كارثية، غير خافية على بوش، والتي تصله أول بأول عن طرق أياديه الطويلة من عناصرالمخابرات الأمريكية المتغلغلة في الداخل العراقي. وإذا كانت تعتقد أن كل ما تقوم به منذ الإطاحة بنظام صدام حسينمن إتلاف لحضارة العراق وطمس لهويته وتقتيل لأبنائه وزرع الفتن الطائفية..،وتقول إنها جاءت لخدمة هذا الشعب وإرساء قواعد الديمقراطية وإنقاذها من براثن الديكتاتورية والاستبداد، فهي مرة ثانية واههمة، فربما العديد من العراقيين يبكون أيام استبداد نظام صدام التي مقارنة مع ما يعيشونه اليوم فهي أمن وأمان وطمأنينة وهناء، وكما يقول الشاعر” رب يوم بكيت منه.. فلما صرت في غيره بكيت عليه” فرغم مرارتها فإنها كانت أحسن حال ممايعيشه العراقيون اليوم.ولابد أن أشيرهنا إلى أن هذا الكلام لا يعني البتة تزكية لنظام صدام حسين أو تسويغا لما قام به من جرائم بالعراق،لكن واقع الحال يقول بأنه وفر عليهم عناء هذه الفتن المشتعلة الآن والتي أتت على الأخضر واليابس .
بوش الآن منكب على دراسة عدة خيارات على ضوء تقرير لجنة بيكر، ويعد بالانتصار ويغازل بشكل محتشم سوريا وايران، ويفكر في الابتعاد عن الدوائر المشتعلة مع ترك الأمن الداخلي للعراقين والاكتفاء بتدريبهم …في الحقيقة كل المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية في ورطة حقيقية وهي سجينة وضع صعب ،وكما يقال، في منزلة بين المنزلتين فلاهي الآن تستطيع الانسحاب من العراق ولا البقاء فيه، وتخشى أن تخرج من العراق بخفي حنين، فهي تدرس جميع الإمكانات والترتيبات فوق مصالحها المرجحة.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أن السياسة الأمريكية ستعرف تحولا بعد فوز الديمقراطيين بمجلس النواب والشيوخ خصوصا قضية الحرب على العرق. السياسة الأمريكية سياسة واحدة والجمهوريون والديمقراطيون وجهان لعملة واحدة. والمطبخ الأمريكي يتحكم فيه اللوبي الصهيوني كما هو معروف، ولا يمكن أن نعلق آمالا على الديمقراطيين أو غيرهم .فإذا كان هناك من تغيير في أجندة الإدارة الأمريكية على مستوى السياسة الخارجية بالخصوص، فلن ينسلخ عن نطاق ثوابتها التي تطهى على نار اللوبي الذي يتحكم في دواليب الأمور. وخير دليل أن السياسة الأمريكية اتجاه القضية الفلسطينة لا تغيير فيها ولا جديد فيها إلا الدعم المطلق للكيان الصهيوني، وهذا الدعم مبني على اعتقادات دينية مستمدة من الحركة الإنجيلية التدبيرية.
إن الطغيان والتجبر والتسلط لا يدوم والتاريخ يشهد بذلك، فسقوط الاستكبار الأمريكي وشيك ومعها “إسرائيل” الرأس الثانية للجسد الأمريكي، و كذلك الأمم المتحدة طالما أنها ضالعة في مناصرة الطغيان والظلم، فمصيرها سيكون مصير سابقاتها، وسنة الله في الكون علمتنا أن الظلمة والظالمين مصيرهم الزوال والضعف والهوان ويطرحون في مزابل التاريخ.
* صحفي مغربي
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...