منظمة التحرير.. مسيرة طويلة من الفشل

تعجبت كثيرا مما أوصى به عجائز اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وتيقنت حينها أنهم وصلوا إلى مرحلة الخرف بعد أن أغلقوا لأنانيتهم جميع الطرق أمام الأجيال الشابة التي أحبت المنظمة وتفانت في خدمتها من أجل هدف لم يتحقق وهو تحرير فلسطين بكامل ترابها.
ولكن سرعان ما زال التعجب في خاطري عندما استعرضت المسيرة الطويلة لهذه المنظمة منذ نشأتها على أساس شريف وحتى انقلابها على أهدافها وآلياتها وقياداتها التاريخية التي كانت تبحث بصدق – والله أعلم – عن مخرج حقيقي لشعبنا الفلسطيني من ظلمات الاحتلال الصهيوني البغيض.
ولعل القارئ لا يصدق ما أقول بعد أن يرى أنها تقر للمغتصبين الصهاينة بالبقاء على أرض فلسطين بل ويستعطفونهم ويستجدونهم أن يوافقوا على منحهم دولة فلسطينية قابلة للحياة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
إنها مسيرة مليئة بالفشل والهزائم فشل يتبعه فشل وهزيمة تتلوها هزيمة وبعد كل فشل وكل هزيمة يتغنون للشعب الفلسطيني صامد يا غالي أي صمود هذا الذي تتحدثون عنه وأنتم لا تعرفون معنى الانتصار ولا تجيدون غير الانبطاح ولا تستطيبون سوى عيشة الذل والهوان في قصور فراشها من عظام الشهداء وطلاؤها من دماء الجرحى وأنغامها من عذابات الأسرى والمعتقلين والثكلى والأيتام.
ولم تلبث هذه المنظمة التي تم تقديمها للعالم وفرضها على الشعب الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد أن ظهرت في العام 1964 حتى فشلت في أول معركة مع العدو الصهيوني عام 1967 وأضاعت باقي فلسطين وأجزاء من مصر وسوريا ولبنان.
ولم تكتف بهذا الفشل لتعلن عن حل نفسها وترك المجال أمام الشعب الفلسطيني ليفرز قياداته الوطنية القادرة على خوض المعركة بشرف ولا تتنازل ولا تتراجع أمام جبروت العدو وسطوته والضغوطات الخارجية والداخلية التي تستهدف كسر إرادة شعبنا وحمله على التخلي عن حقوقه عبر الاعتراف بإسرائيل كيانا شرعيا والتوقف عن كافة أشكال المقاومة المسلحة التي يمكن لها وحدها أن تعيد الحقوق المسلوبة.
ولكنها واصلت تصدر الموقف وجلبت على شعبنا الويلات بفشل يتلوه فشل وهزيمة تليها هزيمة وهنا أود أن أستعرض عينة من المواقف المخزية التي وقفتها منظمة التحرير الفلسطينية وأثرت بصورة سلبية بالغة الضرر والخطورة على القضية الفلسطينية.
فبدلا من الاهتمام بمواجهة العدو الصهيوني وملاحقته على كل شبر من أرضنا المغتصبة فتحت المنظمة جبهة داخلية في لبنان مع جهات متعددة حتى اضطررت إلى توقيع اتفاقية القاهرة في 2/11/1969 التي تخضعها إلى سيطرة الدولة اللبنانية.
وفي عام 1970 افتعلت منظمة التحرير الفلسطينية مشاكل أدت إلى صدامات مع الحكومة الأردنية مما استدعى عقد مؤتمر عربي استثنائي في القاهرة (26-27/9/1970) واضطرت المنظمة إلى عقد اتفاقيتي القاهرة وعمان مع الحكومة الأردنية، وإمعانا في جلب التعقيدات على حياة الفلسطينيين في الأردن تجددت الاشتباكات مع الحكومة الأردنية في تموز 1971 مما أدى إلى خروج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن وبذلك خسرنا الجبهة الشرقية مع العدو.
وفي عام 1982 اندلاع الحرب في لبنان بين م.ت.ف والمقاومة اللبنانية من جهة والعدو الصهيوني من جهة أخرى استمرت حوالي ثلاث شهور وانتهت بخروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان تحت إشراف دولي إلى عدة دول عربية. وكلنا يعلم حال إخواننا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والقيود المفروضة عليهم وظروفهم القاسية التي يعيشون تحت وطأتها وبذلك خسرنا جبهة الشمال أيضا مع العدو.
وبعد أن تيقنت منظمة التحرير الفلسطينية من فشل مشروعها العلماني الذي لا يستند إلى عقيدة إسلامية صحيحة وهي التي تعبر عن النظرة السليمة للحياة الإنسانية بات تبحث عن الحلول هنا وهناك، ومن المؤسف أنه عندما احتلت العراق بلدا عربيا وهو الكويت سارعت المنظمة إلى الإعلان عن نيتها إرسال 5000 عنصر من عناصرها للقتال إلى جانب القوات العراقية إن رغبت العراق في ذلك فأدى ذلك إلى تشرد آلاف الفلسطينيين في الكويت والاعتداء عليهم وسجنهم ومصادرة ممتلكاتهم.
وبأنانية محضة وفي ظل الفشل الذريع الذي عانت منه منظمة التحرير الفلسطينية على مدار سنوات إنشائها تراجعت عن برنامجها الذي كان يرفض القرارات الدولية ويعتبرها تفريطا في الحقوق الفلسطينية، وألغت ميثاقها الذي اجتمعت عليه وأذعنت لمطالب العدو الصهيوني فوقعت اتفاقا مرحليا في “أوسلو” أطلق عليه اتفاق “أوسلو” حيث جرى التوقيع عليه في واشنطن في شهر سبتمر من عام 1993.
وبذلك حولت مسار السهام التي توجهها إلى القضية الفلسطينية من الخارج إلى الداخل وذلك بعد أن كسر شعبنا الفلسطيني القيود وتجاوز العقبات وانتفض في وجه جلاديه قبل 19 عاما في 8/12/1987 وطور أسلحته من حجر إلى مولوتوف إلى سكين إلى طلقة إلى قنبلة إلى عبوات ناسفة وعمليات استشهادية بطولية ردت العدوان إلى نحر العدو الصهيوني.
وطوال هذه السنوات بقيت الزمرة المسيطرة على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية متمسكة بزمام الأمور ولا تقبل بانضمام جيل جديد يتمتع بعقلية تجيد فن مقارعة العدو لأنهم على ما يبدو يستمتعون بالفشل تماما كالنسور المحلقة في السماء لها هيئة وشأن ولكنها لا تقع إلا على الجيف أكرم الله القراء ولا تقبل اللحوم الطازجة.
وكأني أرى صدور هؤلاء العجائز تغلي من الخوف على ضياع زمام المبادرة من أيديهم بعد نجاح الشعب الفلسطيني في انتفاضته على جلاده ورد العدوان على رؤوس أصحابه وبروز قيادة جديدة تحمل الإسلام عقيدة ومنهج حياة تقود الجماهير نحو التحرير فأسرعوا لا لمساعدتهم بل لعرقلتهم ولكنهم لم يفلحوا كعادتهم.
وما أن وصلت طلائع منظمة التحرير الفلسطينية إلى قطاع غزة وأريحا حتى بدأت تلاحق هؤلاء الأبطال حتى أبناء منظمة التحرير الذي أذاقوا العدو الويلات تم زجهم في السجون إلى جانب إخوانهم قادة الشعب الفلسطيني في الحركات الإسلامية التي تنتقل من نجاح إلى نجاح ومن نصر إلى نصر.
ولم تكتف هذه المنظمة الخرقاء بذلك بل رفعت من درجة علاقاتها بدولة الاحتلال إلى التعاون الأمني المباشر وزودته بالمعلومات التفصيلية عن المجاهدين وأماكن تواجدهم وقتلت بأيديها وعذبت في سجونها وطاردت بخيلها ورجلها أبطال المقاومة.
حتى رماهم الله بسهم صائبة وأخرج لهم المهندس يحيى عياش رحمه الله الذي نقل الجهاد ضد الصهاينة في فلسطين نقلة نوعية زلزلت أركان العدو وأصابته بالذهول وحولت حياة جنوده ومستوطنيه إلى جحيم دائم.
وهنا أسجل تحياتي العطرة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي وباقي الفصائل المجاهدة التي لم تلتحق بركب الفاشلين المهزومين بمنظمة التحرير الفلسطينية واشترطوا بنائها على أسس جديدة مستمدة من التجربة الناجحة للمقاومة الفلسطينية التي حررت قطاع غزة من أغلال الاحتلال الصهيوني تحت وطأة الجهاد الغليظ على اليهود المعتدين.
وأشد الغرابة أن أنباء حول وفاة كبيرهم ياسر عرفات أفادت بأنه مات مسموما والشكوك تدور حول عدد من مساعديه الذين هم أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد موت المذكور سارع القوم إلى إجراء انتخابات رئاسية ومن ثم انتخابات تشريعية لإلهاء الباحثين عن ثأر ياسر عرفات الذي مات مسموما أو حتى الباحثين عن الحقيقة لمجرد العلم بالقاتل الذي ما ينبغي أن يكون عضوا في منظمة تلطخت يداه بدماه رئيس اللجنة التنفيذية فيها.
وبعد الانتخابات بلغ فشل مشروع منظمة التحرير الفلسطينية مداه إذ أن الشعب الفلسطيني قال كلمته وسحب الشرعية منها بعد هذه المسيرة الطويلة الحافلة بالفشل والتي لم نتطرق فيها سوى إلى جانب ضيق من جوانبها وأعطى الشعب الشرعية لمن تمكن من دحر الاحتلال بالقوة.
وبحجم الاكتساح المدوي الذي حصدت من خلاله حركة حماس كبرى الفصائل الفلسطينية أكثر من 60% من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني كانت الصدمة التي لم يستطع عجائز اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الاستفاقة منها حتى اللحظة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...