الإعلام الأصفر والبقرة الصفراء !!

منذ اللحظة الأولي لظهور الانتخابات التشريعية بدا واضحاً أن شيئاً لم يتغير، وأن هناك إصراراً على عدم الإعتراف بنتائج الانتخابات، رغم النزاهة التي شهد بها العالم كله، ولم يكن عدم الاعتراف نابعاً من قضية موضوعية وإنما هو مرتبط بقضايا نفسية كالتي يُصاب بها أصحاب المُلك الزائل، حيث اعتبرت قيادة حركة فتح أن المشروع الوطني والثروة الوطنية التي ظلت مسجلة باسمها على مدى أربعين سنة يتيهون في آفاقها تضيع منهم لأيد أخرى – أو هكذا يحسبون.

وقد انعكس ذلك على شكل حالة من التشبث والاستعصاء والتمرد في كل شئ، وتجلي في الإعلام الرسمي ( التلفزيون، الصحافة) التي من المفترض أنها ملك للشعب، تعكس رؤيته، وآمالة، والبرامج التي ارتضاها من خلال صندوق الانتخابات

إن المتابع لوسائل الإعلام الرسمية التي يتقاضي موظفوها رواتبهم من وزارة المالية الفلسطينية يدرك بوضوح حالة العصيان والتمرد على إرادة الجماهير، حيث انكمش هذا الإعلام وانحصر في زاوية واحدة وهي مهاجمة الحكومة ورموزها وقادتها، وسياستهم، والتشكيك في كل خطوة أو كلمة تخرج عنهم، وتأليب الشارع العربي عليهم وتشوية صورتهم، والتبشير باسقاط الحكومة.

لقد استعرضت ذلك في الاسبوع الماضي كنموذج من نماذج التركيز الفتحاوي لتشوية الحكومة التي ما تزال وسائل الإعلام الفتحاوية تحرض عليها وأقصد بها (ت.ف) تلفزيون فتح، والصحف اليومية الأيام والحياة، ولا أريد أن أنزلق الي تفاهة المواقع الإلكترونية، ولا إلى حقارة الإذاعات المحلية (الرداحة) التي يتقاضي جزء من موظفيها رواتبهم من خزانة المالية التي يهاجمون القائمين عليها !!

والمصيبة أن أكثر من 90% من هذا الإعلام الموجة يصب جام حقده وغضبة على الحكومة وعلى حركة حماس، ولا يرى في المنطقة أن هناك عدواً إسمه ( إسرائيل) ولا عدواً اسمه أمريكا، أو أن هناك قضايا مصيرية اسمها القدس واللاجئون والأسرى وتحرير الوطن.

بعضهم نذر نفسه للتشكيك في رحلة رئيس الورزاء وبدلاً من أن يرى ما فيها من ايجابيات للشعب الفلسطيني جعل يصب جام غضبه لان رئيس الوزراء لم يستأذنه للسفر، ولم يستأذنه في مخاطبة العالم !!

أما البعض الآخر فقد سخر لسانة للتهديد بسيف صلاحيات الرئيس، وقلب الطاولة على حماس وعلى كل من يؤيدها !!، وجعل يرسم السيناريوهات القادمة لاسقاطها، واستأنس بزيارة كوندوليزا رايس، وسولانا، وأخذ يبرطع في تحليلاته الرهيبة.

ولم تفت تجار الإعلام الذين يقبضون من الحكومة أن يجعلوا من إدخال الأموال من المعبر قضية مقلوبة، وأن يقلبوا الحقائق، ويشككوا في الأهداف والنتائح، لأن ذلك في حساباتهم جزء من عملية كسر الحصار الذي يحرصون على استمراره ليعيدوا مجدهم التليد !!

أما قضية الموسم التي جعلتهم يتراقصون طراباً، ويشعرون أن الجميع في الكفر سواء، فهي قضية رئيس بلدية نعلين الحمساوي الذي تم تصويره في مستوطنة مجاورة لقريتهم وهو يتسلم سيارة إسعاف، ورغم أن حركة حماس ومن منطلق حرصها على الطهارة التامة قامت بعزلة ، ورغم أن زيارة المستوطنات أو المدن الصهيونية هي أغلى أماني مثل هؤلاء الكتاب إلا إنهم خاضوا فيها لتشوية حماس واسقاط حكومتها !!

ولا تسأل عن التركيز المحموم على إحياء الذكري الثانية لرحيل الرئيس أبو عمار، والإقلام التي تباكت على رحيلة والتلفزيون الذي خرط الدموع على أيامه، الوجوة التي جعلت من الموضوع مادة لمهاجمة الحكومة مع أن هذه الوجوه ساهم بعضها في قتل الرئيس ( معنوياً ومادياً) !!

ولم يكن الأمر مهماً عندهم بقدر الأهمية التي يولونها لطمس الحديث عن مذبحة بيت حانون، وقد نجحوا الى حد ما في البحث عن مناسبة يمكن تضخيمها لطمس المذبحة.

وإذا كنا نبتلع البث المباشر من أجل ذكري الرئيس حتى لو ابتلعنا معه الصمت على المجزرةـ فإن الذي لا يبتلغه أحد أن يفتح (ت ف) تلفزيون فتح ساعات طوال مع (أبو على شاهين) في المستشفي ليزوره من أطلقوا النار عليه ، ويتخذوا من هذا المقام مناسبة للهجوم على حماس وحكومتها وعلى كل ما دون مصالحهم الشخصية !!

وبدلاً من تغطية رحلة رئيس الوزراء فإن كاميرات تلفزيون فتح تلاحق كونداليزا رايس وسولانا، وأي شخص من رائحتهم أو من طرف إسرائيل.

هذا هو الإعلام الرسمي الفسطيني الذي تنفق الدولة عليه الملايين، والذي يتباكي على العمال الجائعين، والموظفين المحرومين، وصدق المثل القائل (يأكل من الصحن ويتفل فيه) وذلك حتى لا يأكل الجائعون، ثم بعد ذلك يبكي على الجائعين !!

وما لنا سوى أن ندعو الله أن يأمرهم أن يذبحوا بقرة !! لعل قائل الوطن تكشفه بقرة المال الذي نهبوه على مدى السنين وبكوا على ضياعة !!