الأحد 11/مايو/2025

أزمة ولكن..!

أمين الحاج
إن المتابع للشأن العام يشعر أحيانا أن هناك قيادات في حركة فتح ترغب بإعطاء حماس فرصة للنجاح، لأنها وباختصار تعتقد أن نجاح حماس لن يضر بحركة فتح ، ففي قوة أخيك قوة لك، وبقدر ما تستطيع حماس استعادة أجزاء من النصر المفقود بقدر ما تساهم في تحسين ظروف التفاوض مستقبلا، وتساهم في بناء أبجديات العلاقة المفترضة مستقبلا بين العالم حولنا من جهة والممثلين الجدد للشعب القديم من الجهة الأخرى، إلا انه في الوقت ذاته هناك فريق آخر وهم على قلتهم يخشون من فرصة إقدام حماس على تسجيل هدف في ملعب الحصار الدولي، حيث أن النتيجة لا زالت حتى الآن تساوي صفرا وان كانت حماس تفوقت في قدرتها على إدارة قلب الدفاع في مواجهة الهجوم الشرس متعدد الرؤوس، كما تفوقت في قدرتها التي فاقت التوقعات على الصبر والتحمل، وفي ذلك يرجع الفضل بعد الله لصمود هذا الشعب، هذا الشعب ذاته الذي يراهن عليه البعض لقيادة التغيير المطلوب من وجهة نظرهم،  هو الشعب ذاته الذي يمارس الصبر منقطع النظير وله يرجع الفضل في صمود الحكومة الفلسطينية الذي فاق توقعات من لا تخيب توقعاتهم، كل ذلك دون الإتيان على ذكر الصيد الثمين في يد حماس، الجندي الأسير “شاليت” ، وهذا الفريق الأخير يقلقه كثيرا احتمال أن تبدأ حماس باكتساب مصداقية لدى المجتمع الدولي الذي لم يكن مخيرا في إعطائها فرصة إثبات ذلك ، بل على العكس تماما ، إن صمودها نقل المجتمع الدولي من موضع المخير إلى موضع المجبر، وان كثرة هذه البوادر التي تؤهل حماس لهذه المكانة دفع بهذه الفئة لافتعال الأزمة الأخيرة التي خيل للفلسطينيين أنها كبيرة على الرغم من أنها لم تكن في الواقع بهذا القدر، بل على العكس من ذلك، لقد كانت الأزمة الأخيرة اقل من ذلك بكثير أو لنقل أنها كانت اقل من أن توصف بأنها بأزمة، وهي بجميع الحالات لم تصل إلى المستوى الذي تكون مصدر قلق يهدد السلم الفلسطيني الداخلي، فالواقع والشواهد تقول أن كل الأزمات التي عصفت بالوحدة الوطنية على مدار السنوات الماضية كانت أكثر خطرا من هذه الأزمة.

ولعل ما فاقم الأمور أكثر هو قدرة حماس على إدارة موضوع التوافق على تحقيق التهدئة المؤقتة وبقبول الفصائل مجتمعة، التهدئة التي تم التوافق عليها تحت عناوين جديدة للمرة الأولى، منها أن تكون التهدئة مؤقتة وتبادلية في الوقت ذاته، التهدئة التي لا تفرق بين فلسطيني وآخر إن كان في غزة أو في الضفة ، كل هذه الأجواء ساهمت من جهة في تعزيز موقع حماس كلاعب أساسي بين مجموعة لاعبين لم يعتادوا على هذا النمط من اللعب، ومن الجهة الأخرى بدا أن أمام حماس فرصة لاكتساب المزيد من الوقت من خلال التهدئة، والسبب في ذلك يعود إلى اعتبار العدوان الإسرائيلي على غزة كأحد أهم العوامل الخارجية التي كانت تساهم في خنق الحكومة الفلسطينية إلى جانب الحصار المالي وبالتالي اقتراب اجلها.

فحماس الجديدة التي مرت بكل هذه التجارب ، هي ذاتها حماس القديمة ، وحماس هذه المختلفة والمميزة هي ذاتها غير المرغوب بها والتي تشكل خطرا على كل اللاعبين، فحماس هذه لا تُغرق ولا تُسحق ولا تُلحق، فكان الحل بإحراق هذه المراحل مجتمعة ولكن بشكل عكسي مما يعني العودة إلى نقطة الصفر.

وحماس هذه لا تستفز، وهي حريصة على الحوار الداخلي أكثر من حرصها على أي حوار،  الحوار لا للحوار فقط، رغم كل الخطب والقدح والذم، وحماس هذه ثابتة راسخة وكلمتها واحدة ” لن نوقع ” و ” لن نعترف” ، وحماس هذه واحدة موحدة رغم محاولات الشق، فالداخل هو الخارج والخارج هو الداخل، هي ليلى واحدة والكل يغني عليها، في حين أننا تعودنا في عالمنا أن يغني كلٌ على ليلاه.

أما فتح فبدت بوجوه كثيرة و أجنحة أكثر، ففتح ذاتها التي كانت ترفض وتحت أي ظرف الدخول في حكومة تقودها حماس هي ذاتها التي تصر على الحصول على وزارات بعينها دون غيرها، وفتح ذاتها التي يحاول بعضها منح حماس فرصة النجاح هي ذاتها التي يحاول بعضها إحراق الانجازات، وفتح ذاتها التي كانت تستميت على التمسك بوثيقة الأسرى كأرضية للتفاهم هي ذاتها التي تعتبر وثيقة الأسرى أرضية غير صالحة لبرنامج الحكومة القادمة، وهي ذاتها التي تضيف شروط جديدة كل يوم إلى جانب المطالبة بالشروط الرباعية ومن لف لفها.

إن كل من في المنطقة يخشى أن تحصل حماس على نصر كبير بثمن رخيص، لذلك بدى إن المطلوب أن تعود المياه إلى مجاريها، مجاريها التي كانت تجري مساء الخامس والعشرين من كانون ثاني 2006، غير أن الواقع يقول بغير ذلك، وأمريكا التي بدأت تحزم أمتعتها وقررت أن تفر من العراق هي ذاتها التي ستفر من المنطقة عاجلا أم آجلا، وعندها ستستعيد كل الشعوب حقوقها المسلوبة بفعل التسلط الأمريكي على المنطقة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات