الأحد 06/أكتوبر/2024

المشروع الصهيوني والدولة الفلسطينية القادمة

المشروع الصهيوني والدولة الفلسطينية القادمة

صحيفة الوطن القطرية

عرض رئيس وزراء “إسرائيل” إيهود أولمرت على الفلسطينيين الدخول في مفاوضات سلام مباشرة تفضي إلى إقامة دولة متصلة جغرافياً، لكنه اشترط عليهم إسقاط حقهم بعودة اللاجئين إلى ديارهم.

وما جاء به رئيس وزراء “إسرائيل” يشكّل دلالة واضحة على تقهقر المشروع الصهيوني واندحاره. فقد كانت “إسرائيل”، وخلال مراحل التفاوض الطويلة مع الشعب الفلسطيني، ترفض القبول بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة إلى جوارها وكانت تصرّ على إنشاء كيان فلسطيني ذي حكم ذاتي تحت السيادة الصهيونية. لكنها الآن لا تمانع في إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً، أي أن يكون هناك تواصل جغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وإن كانت تشترط إسقاط حق عودة اللاجئين مقابل قيام هذه الدولة.

وقد يكون هذا الشرط عقبة في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة لكنه يؤكد على أن أحلام الصهاينة في ابتلاع فلسطين كلها وفي رفض أية تسوية مع الفلسطينيين قد ذهبت إلى الأبد، فالصهاينة الآن يعيشون أسوأ أيامهم ولعلهم يعيشون أيام قهرهم الأخيرة، ولهذا فهم يبحثون عن تسوية تنقذهم من السقوط الأكيد، والخصم الذي يدخل في تفاوض مع خصم آخر يرفع سقف مطالبه. لكنه سرعان ما يتنازل ويخفض مستوى طلباته حتى يرضي خصمه ويتوصّل الطرفان إلى تسوية مرضية لهما.

والمفاوض الإسرائيلي الذي دأب على النظر باحتقار إلى خصمه العربي الفلسطيني يصعب عليه الآن القبول بكل شروط هذا الخصم، ولهذا فإنه يطرح التفاوض من مستوى عالٍ كي لا يقال إنه هزم وأن مشروعه انتهى، بل من أجل الادعاء بأنه ما زال قوياً، وأنه إذ يدعو إلى التفاوض مع الشعب الفلسطيني فإنه يفعل ذلك من منطلق حضاري ولإرضاء المجتمع الدولي الذي يدعو إلى إنهاء هذا الصراع.

لكن الواقع أن “إسرائيل” ما كانت في يوم من الأيام لتهتم إلاّ بنفسها. فلم تكن ترد على المجتمع الدولي وكانت تسخر منه، لأنها كانت تعتقد أنها قوة لا تقهر وأن القوي هو الذي يفرض شروطه في هذا العالم. ولذلك فقد ضربت “إسرائيل” عرض الحائط بكل القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي بحقها، فهي لم تنفّذ القرار 181 الداعي إلى إقامة دولتين في فلسطين، واحدة لليهود، وأخرى للعرب. كما لم تنفذ القرار 194 الداعي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها في فلسطين، ولم تنفّذ القرارين 242 و 338 اللذين يدعوان إلى انسحابها إلى خطوط الرابع من حزيران عام 1967.

لكن “إسرائيل” أصبحت اليوم تصغي إلى الواقع، وبات يتأكد لديها أن قوتها تتآكل وأن الدول الحليفة لها في الغرب لن تقدر على حمايتها وإنقاذها من السقوط رغم كل ما تقدمه لها من دعم سياسي وعسكري واقتصادي، فهي قد اضطرت إلى الانسحاب من قطاع غزة مطلع عام 2005 ودمّرت مستوطناتها هناك، وتركت الفلسطينيين أحراراً في القطاع.

وفي صيف عام 2006 شنّت حرباً عدوانية على لبنان بغرض القضاء على حزب الله وتدمير الدولة اللبنانية وإشاعة الفوضى في لبنان. لكنها فشلت في تحقيق أهدافها ولحقت بها هزيمة مخزية.

وفي شهر نوفمبر 2006 قررت شنّ عدوان واسع ضد قطاع غزة للقضاء على ما تسميه الخطر الفلسطيني المتنامي في القطاع ضدها. فجيّشت جيوشها وأرعدت وأبرقت واجتاحت دباباتها بعض أجزاء القطاع وعاثت فساداً فيها. لكنها اضطرت إلى إيقاف العدوان خوفاً من أن يحدث لها في القطاع ما حدث في لبنان.

وقبلت الدخول في هدنة مع الفصائل الفلسطينية، وهي ترى بأُم عينيها كيف أن الفلسطينيين في غزة يقيمون البُنية التحتية لدولة فلسطينية حقيقة، وكيف أن قدرات المقاومة قد ازدادت أضعافاً مضاعفة عما كان عليه الحال إبان احتلالها للقطاع. لكنها رغم ذلك، تبدو عاجزة عن فعل شيء، سوى إرسال طائراتها الحربية لقصف الأهداف المدنية وقتل الناس الآمنين. وهي تعلم تماماً، أن غزة ستصبح نواة للدولة الفلسطينية التي ستشمل في المستقبل القريب كامل أراضي فلسطين. وأن عدم إيقاف بناء هذه الدولة الآن، يعني أنها ستصبح حقيقة واقعة فيما بعد. لكنها لن تستطيع إيقاف بناء هذه الدولة، ولن تستطيع قهر إرادة الشعب الفلسطيني، وهي ستخضع عما قريب لإرادة هذا الشعب.

وإذا كانت الآن تقبل التفاوض على إقامة دولة فلسطينية بشرط إسقاط حق عودة اللاجئين فإنها ستضطر في المستقبل القريب إلى القبول بوجود دولة فلسطينية وستضطر إلى الاعتراف بحق اللاجئين في عودتهم إلى ديارهم، لأنها لا تفهم إلاّ لغة القوة، والشعب الفلسطيني ولاسيما في قطاع غزة، أصبح قوياً، فصواريخ المقاومة لا تتوقف عن السقوط على المستوطنات الصهيونية القريبة والمحاذية للقطاع. وهذه المستوطنات، وخاصة ما يسمى «سديروت» قد أصبحت مدن أشباح لا يوجد بها صهيوني واحد، وإذا لم تستطع “إسرائيل” إيقاف إطلاق الصواريخ من غزة، فإنها ستقوم بإخلاء هذه المستوطنات وتدميرها.

وهكذا ستتقدم المقاومة خطوة إلى الأمام وسوف تطوّر قدراتها الصاروخية لتطال مستوطنات أبعد عن القطاع ولتدفع الصهاينة إلى التراجع، وخطوةٌ وراء خطوة ستجد “إسرائيل” نفسها محشورة في نطاق ضيق في وسط فلسطين، ومن ثم ستجد نفسها، بعد ذلك، قد أصبحت خارج فلسطين. وهذا اليوم ليس ببعيد، ف”إسرائيل” إلى زوال وهي الآن تعيش آخر أيامه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات