الأحد 07/يوليو/2024

هدنة هشة أم خطوة نحو سلام حقيقي؟!

هدنة هشة أم خطوة نحو سلام حقيقي؟!

صحيفة الوطن القطرية

عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الدخول في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين حول ما تضمنته خطة «خريطة الطريق» بهدف الوصول إلى ما وصفه بسلام حقيقي بين الجانبين وأعلن استعداده لإطلاق سراح عدد كبير من السجناء الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الذي اختطفه الفلسطينيون من أحد المواقع قرب الحدود مع قطاع غزة، كما عرض إمكانية التنازل عن أراض واسعة وإخلاء مستوطنات من أجل الوصول إلى سلام حقيقي مع الفلسطينيين.

وجاء موقف أولمرت بعد قليل من سريان هدنة بين جميع الفصائل الفلسطينية والإسرائيليين بعد أن كان يصر في السابق على أن حكومته لن تدخل في مفاوضات مع الفلسطينيين كما طالب بإطلاق سراح الجندي المخطوف دون شرط.

هذا التحول المفاجئ في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي جاء نتيجة جهود وتحركات بذلت من قبل عدة أطراف وعلى أكثر من صعيد من أجل احتواء المتغيرات الجديدة التي ظهرت على ساحة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي الجنوب اللبناني وعلى الساحة العراقية إذ وافقت حكومة حماس بعد اتصالات تهدئة وتليين مصرية على وقف لإطلاق النار، واستعداد رئيس الوزراء الفلسطيني السيد إسماعيل هنية للاستقالة من أجل إفساح المجال لتشكيل حكومة وحدة وطنية. الأمر الذي دل على بداية تغيير حقيقي في سياسة حماس التي أدركت على ما يبدو أن تمسكها بمواقفها المتشددة إزاء العلاقة مع “إسرائيل” لن يفضي إلى حل لأزمة الحصار الذي فرض عليها وعلى الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع .

وفي الجنوب اللبناني شرعت “إسرائيل” بحملة عسكرية على «حزب الله» كان مخططاً لها أن تكون قصيرة ومحدودة، إلا أنها تحولت إلى حملة طويلة وبائسة لم تحقق الأهداف التي قامت من أجلها بسبب شدة المقاومة غير المتوقعة التي أبداها مقاتلو حزب الله وبدعم سوري – إيراني بدا واضحاً أنه الأقوى والأعمق في المنطقة. وبذلك دخل حزب الله اللبناني إلى المعادلة قالباً التوازنات التقليدية بين قوى الصراع .

ناهيك عن الدور المتصاعد الذي أحرزته إيران على الساحة العراقية، وما تتهم به سوريا من تغاض عن دخول بعض المقاتلين عبر حدودها إلى العمق العراقي من أجل إسناد المقاومة المسلحة التي تتصدى للقوات الأميركية المتواجدة هناك. كل هذه المعطيات الجديدة أملت على القيادة الإسرائيلية الانصياع للرغبة الأميركية في الجنوح إلى تهدئة الصراع مع الفلسطينيين، والعمل على اتخاذ خطوات جادة نحو سلام في المنطقة، لتكون الإدارة الأميركية وكذلك “إسرائيل” أكثر تفرغاً واستعداداً على احتواء التدهور الأمني والسياسي في العراق ولبنان ويبدو أن الإدارة الأميركية عازمة على تنفيذ استراتيجيتها القاضية بالتحدث مع الدول العربية المعتدلة من أجل المساعدة في الخروج من المأزق أو «الفخ العراقي» كما أسماه كوفي عنان، على الرغم من تزايد الدعوات داخل وخارج الإدارة بالتوجه نحو إيران وسوريا أيضاً لأنها لا تعول كثيراً على هذين البلدين أو أنها لم تجد الاستعداد لديهما لمساعدتها في الخروج من المأزق .

وفي مقابل مساعدة الولايات المتحدة في العراق ولبنان طلبت الدول العربية المعتدلة من إدارة الرئيس بوش القيام بمسعى جديد باتجاه اتفاق سلام فلسطيني مع “إسرائيل” التي ظلت مبتعدة عنه إلى حد كبير لكن الضغط الذي تواجهه سواء في العراق أو ما تشهده الساحة اللبنانية من تطورات ومواجهات، هو الذي جعل الأمور تتغير .

ومع ذلك فإن ما جرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم يكن وقفاً شاملاً لإطلاق النار، بل هو حتى هذه اللحظة هدنة هشة لوقف التراشق بين الطرفين، وتخفيف حدة النيران وتبريد الأجواء فيما بينهما من أجل تفحص إمكانية التقدم من هذه النقطة إلى الصعود نحو وقف شامل لإطلاق النار، وفتح الطريق أمام «سلام حقيقي»، ولتكون نقطة إلى الصعود لابد أن تتبعها خطوات أو تسويات مترابطة مع بعضها البعض، وتظهر الواحدة تلو الأخرى، شريطة ألا يحدث ما هو خارج التوقعات. أولى هذه الخطوات المنتظرة هي إطلاق سراح أعضاء برلمان ووزراء حكومة حماس، وتحرير عدد آخر من السجناء الفلسطينيين، ثم يأتي تشكيل حكومة وطنية براغماتية تعترف بالتعايش مع “إسرائيل”، ومستعدة لبدء مفاوضات سلام شاملة معها. بالإضافة إلى ضرورة السماح بتدفق الأموال إلى الحكومة الفلسطينية الحالية، وسلسلة أخرى من التسهيلات على المعابر والمنافذ الفلسطينية. وكذلك وقف لعمليات اغتيال ناشطي فصائل المقاومة الفلسطينية ووقف بناء المستوطنات، والمطلوب في الجانب الفلسطيني إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المخطوف، ووقف العمليات العسكرية في العمق الإسرائيلي من أجل تعزيز الثقة المتبادلة بين الطرفين .

وإذا ما صمدت الهدنة حقاً وجاءت بعدها مجموعة الإجراءات التطبيعية آنفة الذكر فيحتمل أن يكون طرفا النزاع قد أنجزا خطوة كبيرة باتجاه عقد اتفاق ثنائي شامل لحل كل عناصر الحرب القائمة بينهما .

وفي هذا السياق فإن سياسة الولايات المتحدة باعتبارها إحدى أهم الدول الراعية لعملية السلام في الشرق الأوسط تقوم على مبدأ الدولتين، أي إقامة دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع دولة “إسرائيل”، وتشترط الإدارة الأميركية أن يتم تحريك عملية التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية من خلال تعديل مواقف الطرفين لاسيما من حيث ضرورة اتخاذ خطوات للتهدئة بين الجانبين، فالجانب الإسرائيلي لابد له أن يقوم بإيقاف بناء المستوطنات وتنفيذ خطة الانسحاب من جميع أراضي الضفة والقطاع، بينما تطالب الجانب الفلسطيني بوقف العنف وتفكيك بنية الفصائل الفلسطينية التي تراها واشنطن متطرفة كحماس والجهاد الإسلامي وهذا ما سيؤدي حسبما تراه الإدارة الأميركية في نهاية المطاف إلى وقف العنف بين الجانبين، ويفتح الطريق أمام تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية لباقي الدول العربية مع “إسرائيل” .

المتتبع لتاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والذي دام ما يزيد على نصف القرن، يرى أن هذا الصراع قائم كعداء امتدت له جذور عميقة وتراكمت خلاله استحقاقات كثيرة بسبب ما عاناه الشعب الفلسطيني من تهجير قسري وانتهاكات لحقوق الإنسان من الطرف الإسرائيلي الأمر الذي تولد عنه نمط عدواني من أجل البقاء مما يجعل الأمل في صمود الاتفاق أمراً في غاية الصعوبة ما لم تتولد قناعة راسخة لدى طرفي النزاع بأن ما تم التوصل إليه لم يكن مفرحاً لكنه بالتأكيد حل وسط لابد من قبوله لأنه لا بديل عنه في نهاية الطريق وبدون هذه القناعة لن يكون هذا الاتفاق أكثر من مهلة أو استراحة بعدها تندلع النار على مستويات أخطر بكثير .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات