الإثنين 05/مايو/2025

الولاء المزدوج في العقيدة الإسرائيلية – الصهيونية

الولاء المزدوج في العقيدة الإسرائيلية – الصهيونية
العقيدة الإسرائيلية تقوم على أساس أن إسرائيل تمثل رأس الحربة للحركة اليهودية العالمية. وهي دولة تقوم على فرضية أن جميع يهود العالم مدينون لها بالتزامات وواجبات “خاصة”.

وهي دولة تفترض أن من حقها أن تفرض أية التزامات ومتطلبات من يهود العالم تراها مفيدة لمصالحها القومية. كما أنها دولة تعتقد بأن وجودها قائم على فرضية أن جميع الأشخاص من يهود العالم ينتمون إلى “شعب يهودي” واحد، وبالتالي فهم “مشروع مواطنين” في إسرائيل ، وأن جميع اليهود خارج إسرائيل هم وسيكونون في “منفى” غير سعيد لحين نزوحهم إلى إسرائيل ، وأنهم إذا ما بقوا في الخارج عليهم توجيه نشاطاتهم لدعم إسرائيل وتقويتها. بالتالي فإن إسرائيل ، وفقاً لإدعائها ، هدفها الرئيسي هو “تجميع الشتات” ، أي جميع الأشخاص من اليهود للتوطن فيها. وقد تضمن ما تسميه إسرائيل والصهيونية “إعلان الاستقلال” ، العبارات التالية: “ستكون إسرائيل مفتوحة لهجرة اليهود من جميع منافيهم”. كما تضمن “قانون العودة” الإسرائيلي لعام “1950” التالي: “لكل يهودي الحق بالمجيء إلى إسرائيل “كئولية” أي كمواطن. (المصدر: الكتاب السنوي لحكومة إسرائيل 1950 5711و عبري ، صفحة “298”). في خطاب له في الكنيست ، أعلن السيد دافيد بن غوريون ، أول رئيس وزراء لإسرائيل ومؤسسها الفعلي: “لقد أنشئت إسرائيل لهذا الغرض (أي العودة) ، ولهذا الغرض فقط ستدوم”. (المصدر: حكومة إسرائيل “حقائق وأرقام” 1955 ، صفحة “10”).

إن سجل إسرائيل منذ قيامها تعكس حقيقة هذه العلاقة الغريبة والمعقدة بينها وبين اليهودية العالمية. وتتصرف المنظمة الصهيونية العالمية على أنها “إدارة” للدولة الإسرائيلية ، حيث تقدم لها كل عون مالي ودبلوماسي وسياسي وعسكري ، بالإضافة إلى دعم دعائي واسع. وبدون كل هذا الدعم متشعب الأنواع ، لن تتمكن إسرائيل وقياداتها الاستمرار بالوجود.

إن النظرة الإسرائيلية للعلاقة بينها وبين اليهودية العالمية ، وعلاقة اليهودية العالمية بإسرائيل ، يمكن إيجازها بكلمات بن غوريون كالتالي: “إن دولة إسرائيل هي جزء من الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية فقط ، وهذا في الغالب الأعم عامل ساكن ، لكن من الناحية الديناميكية والإنشاء والنمو ، فإن إسرائيل هي جزء من اليهودية العالمية. من تلك اليهودية العالمية تستمد إسرائيل كل القوة والوسائل لضمان وجودها ، وتطوير وطنها ، وذلك بقوة تلك اليهودية التي ستساعدها على البناء والمزيد من البناء. ويربط بين إسرائيل واليهودية العالمية رابطة المصير والهدف المشترك. وهذه الرابطة لا يمكن فصمها لأنها عقدة حياة وموت بينها” (المصدر: كتاب دافيد بن غوريون إعادة ميلاد ومصير إسرائيل ، صفحة “489”).

إن إنشاء الدولة قد ايقظ شعور المحبة والفخر لجميع اليهود ، وعمق هذا الشعور ، وجدد ضمائرهم بكونهم شعباً واحداً ، حتى هؤلاء اليهود الذين رفضوا اختيار العودة ، والذي منحهم إياه إعلان الاستقلال ، ينظرون إلى الدولة على اعتبار أنها ملكهم القومي. وعندما يتكلم يهودي في أميركا أو جنوب إفريقيا عن “حكومتنا” إلى اخوانه اليهود ، فإنه يعني حكومة إسرائيل ، بينما يعتبر الشعب اليهودي في البلدان المختلفة سفراء إسرائيل كممثليهم هم”. (المصدر: الكتاب السنوي لحكومة إسرائيل 1953 – 1954 ، صفحة “35”).

وفي خطاب له أمام المؤتمر الصهيوني العالمي الخامس والعشرين في القدس خلال كانون الثاني “1961” ، قال بن غوريون للحاضرين: “منذ اليوم الذي أنشئت فيه الدولة اليهودية وأبواب إسرائيل مفتوحة على مصراعيها لكل يهودي يرغب في العودة. إن كل يهودي متدين يخالف يومياً تعاليم اليهودية وتوراة إسرائيل ببقائه في الدياسبورا “المنفى”. ونعت بن غوريون جميع اليهود خارج إسرائيل “لا إله لهم”. (المصدر: جويش نيوزلتر – 9 كانون الثاني 1961).

وفيما بعد ذكر بن غوريون في الكنيست ما يلي: أن تكون أميركياً وأن تكون يهودياً شيئين مختلفين ، إنني أعرف شخصاً واحداً في أميركا والذي يمكنني اعتباره صهيونياً ، وسوف لا اسميه ، وهو لا يعتبر نفسه أميركياً ، إنه يعتبر نفسه فقط يهودياً”،، (المصدر: النيويورك تايمس 18 ـ 5 ـ )1961 أليس هذا منتهى العنصرية والتعصب وعدم الولاء ، حتى لا نقول نكران جميل يشترك فيها الراحل بن غوريون نفسه مؤسس إسرائيل؟، لقد وصف الدكتور ناحوم غولدمان ، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية الراحل العلاقة الصهيونية بإسرائيل ، قبل أن ينقلب عليها ، بالكلمات التالية: “على يهود الدياسبورا أن تكون لديهم الشجاعة كيما يعلنوا ويدافعوا عن علاقة الشراكة والمسؤولية تجاه إسرائيل. ويجب أن تتحدى هذه العلاقة الخوف المعلن أو الخفي لما يسمى بالولاء المزدوج.
 
كما يجب على هؤلاء اليهود أن يقتنعوا تماماً بأن يربطوا مصيرهم بمصير إسرائيل. ويطلب من يهود الدياسبورا “الخارج” أن يكون لديهم الشجاعة لرفض القول بأن ولاءهم هو فقد للدول التي يعيشون فيها” (المصدر: المجلس اليهودي الأمريكي – (ISSUES) ربيع 1962 ، صفحة 7).
وفي خطاب له في نيويورك بتاريخ 9 ـ 1 ـ 1959 ، أفادت الصحافة أن “الدكتور غولدمان تحدى يهود أميركا ويهود الدول الأخرى بلم وجمع شجاعتهم ، والإعلان الواضح بأن لهم ولاءين: “الأول” للدولة التي يعيشون فيها ، و”الثاني” لإسرائيل.

ويجب على يهود العالم أن لا يقبلوا بأن يخضعوا للكلام الحماسي لمواطنيهم “غير اليهود” بأنه يستدعي أن يكون ولاؤهم فقط للدولة التي يعيشون فيها. ويجب أن يعلنوا أن ولاءهم هو لدول مواطنتهم ، وكذلك ولاؤهم “في نفس الوقت” لإسرائيل” – (المصدر: نفسه أعلاه – صفحة “8”).
بعكس النظرية السائدة بأن الصهيونية تعمل على حل “المشكلة اليهودية” ، ظهر في الأربعينات من القرن الماضي حركة بين المجتمع اليهودي في أميركا تنادي بالمثابرة بمناهضة الايديولوجية الصهيونية غير الديمقراطية. وكان من بين قادة تلك الحركة الحاخام “المربيرغر”. هذه الحركة ، أي “المجلس الملي اليهودي – الأميركي” يعتقد منظروها أن الجواب لقيام لا ساميين من أمثال النازي “ادولف هتلر” ، وكذلك مقاومة اللاسامية بشكل عام يكون ليس بانسحاب اليهود من مجتمعاتهم العامة وتكوين مجتمع خاص بهم ، داخل حدود دولة متخطية بذلك الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين العرب ، بل “بالاندماج”.

معظم الأفكار والآراء والمواقف للحاخام “المر بيرغر” ، والذي كان من حسن الحظ لهذا الكاتب أن التقاه مرات عديدة منذ أواخر الخمسينات ، وفيما بعد أثناء عمله في الوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة ، والاستماع لآرائه القيمة الشجاعة ونشاطاته ، معظم هذه الأفكار جاءت في مقال مطوله له تحت عنوان: “الإيديولوجية الصهيونية” العقبة أمام السلام”.

احتوى مقال بيرغر المسهب انعكاس جذوره اللاهوتية في مقاومة المد الصهيوني ، وتنبؤاته الصائبة في الانعكاسات السلبية لإنشاء إسرائيل كدولة “يهودية – صهيونية”. يحلل الحاخام بيرغر الايديولوجية الصهيونية الأساسية ، والطريقة التي ترجمت فيها إسرائيل سياستها الداخلية والخارجية ، بما في ذلك التشريعات البرلمانية ، وما نتج عنها من اجحافات للفلسطينيين العرب واليهود في العالم على حد سواء ، وكذلك إجحاف باليهودية كملة ودين روحي. ويؤكد المر بيرغر أن “يوتانت” السكرتير العام الأسبق الراحل للأمم المتحدة نعت النزاع العربي – الإسرائيلي ، الذي لم ينته بعد ، رغم ادعاءات زعماء إسرائيل بخلافه ، بأنه “حرب المئة عام”.

يذكر الحاخام بيرغر قراءة الكثيرين في الغرب انه بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين عام “1948” ، سنت الكنيست الإسرائيلي قانوناً رئيساً محدداً تعرف فيه العلاقة بين المنظمة الصهيونية العالمية ونواتها وربيبتها إسرائيل. وهذا القانون الأساسي سمي “قانون المنظمة الصهيونية العالمية ـ الوكالة اليهودية لإسرائيل” لعام “1952”. هذا القانون بالإضافة إلى “قانون العودة” و”قانون الجنسية” ، وقانون اعتبار القدس عاصمة إسرائيل عام “1967” ، كلها معاً تعكس نظرية إسرائيل في التزاماتها بالنسبة “للشعب اليهودي”.

ولأن إسرائيل لا دستور مكتوباً لها ، فإن هذه القوانين الأساسية تؤلف جزءاً غير منفصم من هذا الدستور. وتعتبر كل هذه القوانين “مواطني الشعب اليهودي” كمواطنين “إسرائيليين” سواء كانوا بالفعل في إسرائيل أو في أي قطر خارجها ، أي مواطنين “أكثر مساواة من أي آخر” ، كما يقول “جورج أرويل” في تحفته الأدبية “مزرعة الحيوان”.

يؤكد هيرتزل في كتابه “الدولة اليهودية DER JUDENSTAAT” ، وهي أهم مفصل في أفكاره التي تطبق حتى الآن: “نحن شعب ، شعب واحد”. وقد ضمّن هذا المبدأ في برنامج مؤتمر بال عام “1897” “المؤتمر الصهيوني العالمي الأول” ، الذي تضمن إستراتيجية من “أربعة” مراحل للوصول إلى الهدف النهائي ، وهو “إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين مضموناً بقانون عام”.

أخيراً قد يكون من نافل القول الإضافة إلى أن العالم الذي لم يجد متسعاً فيه لنظام الابرثايد والتفرقة العنصرية ، يجب أن لا يجد مكاناً له أيضاً لتفرقة عنصرية لايديولوجية أخرى تسمى “الصهيونية”. ومع أن الأمم المتحدة اتخذت مثل هذا القرار ، إلا الولايات المتحدة ، الذي ينهي دستورها بوضوح تام عن مثل تلك الممارسات اللانسانية، عملت على الغاء القرار. غير أن هذا الالغاء بحد ذاته لا يلغي السياق الإنساني والتاريخي معاً، إذ أن للتاريخ طريقته في إعادة نفسه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات