الأحد 06/أكتوبر/2024

مع الرنتيسي والمقاومة

مع الرنتيسي والمقاومة

لم يذهب الإرهابي شارون بعيداً في التقدير عندما وجه صواريخ طائراته إلى المجاهد عبد العزيز الرنتيسي في غزة، فقد كان يقرأ جيداً نتائج قمتي بوش في شرم الشيخ والعقبة اللتين منحتاه ضمنياً تفويضاً بملاحقة ما سمتاه الإرهاب الفلسطيني أي المقاومة والانتفاضة اللتين قررتا إدانتهما، والمساعدة على تصفيتهما، وتقديم كل ما يلزم لأبي مازن لكي يقضي عليهما بوصفهما تهديداً للأمن والسلام في العالم، ومعوقاً كبيراً في وجه إقامة دولة فلسطينية، وخطراً يهدد أمن “إسرائيل” والمنطقة.

فقد قرأ شارون التفويض الممنوح لأبي مازن على أنه تفويض له، وهو على حق في فهمه ذاك، لأنه حين اختار أبا مازن شريكاً اختاره على أساس استعداده لتصفية المقاومة والانتفاضة ورموزهما، وقال أمام شركائه في العقبة إنه يستمر في قمع الإرهاب. وركز على عبارة أن تصرفات أي طرف ينبغي ألا توقف الطرف الآخر عن متابعة التزاماته في تنفيذ رؤية الرئيس بوش، ولم يقل خريطة الطريق أصلاً، وهو يعني بوضوح أن ما يقوم به ضد الشعب الفلسطيني ينبغي ألا يعيق الطرف الفلسطيني عن التزاماته في تنفيذ خريطة الطريق حتى لو وصل الدم الفلسطيني على يديه للركب.

 

قراءة خاطئة

شارون يقرأ ما خلف بيانات شرم الشيخ والعقبة، وما خلف تلك البيانات هو مسلسل إبادة منظمة لإرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضته ومقومات حياته والتربة التي يمكن أن تمنحه مستقبلاً مقومات العيش.. وقد تمت الموافقة في قمة شرم الشيخ على مثل هذه الإبادة مع تلطيف العبارة، وذهب بيانهم إلى ما هو أبعد من التأييد والتأكيد على العزم سواء أكان ذلك موجهاً لأبي مازن أم للرئيس بوش أم للمقاومة الفلسطينية ورموزها.

 

إن تنفيذ اعتداء لتصفية عبد العزيز الرنتيسي عمل إجرامي لا يمكن أن يشرع شارون فيه من دون موافقة الرئيس بوش، ولو نجحت المحاولة لما عبّر الرئيس الأميركي عن انزعاج من أي نوع ولكن لأنها فشلت وانكشف حلفاء الرئيس بوش الأقربون وتعمّدهم أساليب التصفية الإجرامية بديلاً للحوار، وانعكاس ذلك سلباً على الساحة الفلسطينية وفي أرجاء الوطن العربي، ولدى بعض الشركاء في الرباعية الذين لاذوا في هوامش خريطة الطريق وتاهوا في شعابها ثم اختفوا تقريباً لتبقى رؤية الرئيس بوش بديلاً لخريطتهم وأدوارهم.. لتلك الأسباب قام الرئيس بوش بالتعبير عن انزعاج من محاولة الاغتيال والتغطية.

 

إن هذا الأسلوب الإجرامي المستمر منذ سنوات بل منذ عقود من الزمن لن يتغير، وسوف يستهدف الكيان الصهيوني المقاومة والانتفاضة ورموزهما حتى بعد التوقيع على اتفاق حول رؤية الرئيس بوش لحل في المنطقة إذا تم التوصل إلى اتفاق، لأن الكيان الصهيوني ورموزه والمتحالفين معه هم أصحاب مشروع إمبريالي كبير في المنطقة تعتبر الدولة الفلسطينية المجردة من السيادة والسلاح والحدود والقدس وحق العودة، والأنياب والأظفار والرأي والرؤية.. الخ. مجرد حلقة من حلقاته تفتح الباب أمام اعتراف عربي تام وشامل بالعدو الصهيوني، وتطبّع العلاقات معه، وتعزز أمنه ووجوده ومشروعه بشكل مباشر أو غير مباشر، وتسوّغ إقامة جامعة شرق أوسطية على أنقاض جامعة الدول العربية يكون الكيان الصهيوني من مؤسسيها.

 

وأصحاب هذا المشروع سوف يفتكون بكل شخص أو تنظيم أو تيار أو قطر أو توجه وطني أو قومي أو إسلامي يقول بتحرير فلسطين أو بحرية قرار وإرادة واستقلال ناجز، لأي بلد عربي أو إسلامي، وسيعملون على القضاء التام على أية قوة من شأنها أن تمكن بلداً في هذه المنطقة من الدفاع عن النفس، وسيلاحقون الفكر ويصادرون حرية التعبير والرأي والاعتقاد التي تعارض استعمارهم وهيمنتهم وترفض الانصياع التام لهم تحت اسم مقاومة التحريض في الكتابة والإعلام والسياسة. كما قال الرئيس بوش في بيان العقبة 4 يونيو 2003.

 

مخطط على مراحل

إنها الحملة الأميركية- الصهيونية بمشاركة أطراف فلسطينية وعربية للقضاء على كل من يخالف الأميركيين والصهاينة الرأي والرؤية في مستقبل المنطقة، وكل من ينادي بتغيير من أي نوع لأنظمة وحكام من جهة ولنفوذ شخصيات وتيارات وتنظيمات من جهة أخرى توالي الإمبريالية الأميركية- الصهيونية الجديدة وتعمل على تخريب الصف العربي واختراق الثقافة والعقيدة والقيم والمجتمع لمصلحة أطراف تلك الشراكة الاستعمارية القذرة.

 

وإذا كان القتل والاغتيال وتدمير البيوت والتربة وأشكال التهديد والحصار والملاحقة وتجفيف منابع التمويل وحملات الإعلام هي مداخل أولئك نحو الفوج الأول من المستهدَفين العرب والمسلمين سواء أكانوا دولاً أو تنظيمات أو أحزاباً أو أقطاراً فإن برامج وأفعالاً وممارسات أخرى سوف تستهدف آخرين في البلدان العربية والإسلامية بعد إنجاز المرحلة الأولى من المخطط. تحت ذرائع شتى على رأسها محاربة الإرهاب وتصفية من يمارسون التحريض على المقاومة للاحتلال والعنف، ضد من يستهدفونهم بالقتل والإبادة.

 

إننا على ما يبدو أمام مرحلة جديدة من اصطياد الهنود الحمر في منطقتنا بعد اجتياح واسع النطاق تم معظمه على الجبهة السياسية، وأمام واقع جديد يتم التواطؤ فيه على المقاومة والانتفاضة ومن يقر بشرعيتهما ويدعمهما من جهة، وعلى من يقف فكرياً وعملياً ضد أشكال الاحتلال والتبعية والهيمنة من جهة أخرى.. أما الذرائع لذلك فحدث عنها ولا حرج.. لا سيما وأنت في مواجهة الذرائعية ذاتها مدججة بعنصرية استعلائية ذات ادعاءات عريضة منها تكليف إلهي وفي هذا من الخطر ما فيه ويستدعي وعياً وتكاتفاً وعملاً نضالياً عربياً من نوع جديد؟!

 

عدالة القضية

لقد نجا الدكتور عبد العزيز الرنتيسي من محاولة اغتيال، جرح ولكنه بقي حياً في ميدان الجهاد في غزة.. وبقيت أيضاً الخطط الصهيونية لتصفيته وتصفية أمثاله من رموز النضال الوطني الفلسطيني ورموز المقاومة والانتفاضة قائمة.

فماذا نقول له اليوم: ألق سلاحك أيها المقاوم، واقبل الاحتلال، وأقبل عليه بكل طاقتك، واجلس في بيتك، وانتظر هجوم الإرهابيين المجرمين الصهاينة عليك وعلى أولادك؟!؟. أم نكرر بيان رؤساء قمة شرم الشيخ والعقبة وننصحه بعدم التحريض وعدم الكلام وعدم القيام وعدم الدعاء لأن المشاركين قرروا أن هذا ممنوع وأن من يقوم به يدفع دمه ومستقبل أبنائه ثمناً؟!

 

هل نقف إلى جانبه أم نقف إلى جانب من يعادون توجهه ورسالته وخطته وحياته وكل ما يمثله..

 

وهو عملياً ما يمثل مستقبلنا في هذه المنطقة؟!

 

لقد عرفت الدكتور الرنتيسي من خلال نضاله ومواقفه وآرائه، وأكبرت فيه مجاهداً صادقاً ورجلاً نذر نفسه لقضية شعبه، ويوم التقيته في مرج الزهور يوم خيّم مع أربعمئة من رفاق الدرب تحت ثلج الشتاء في سفح تلة من تلال لبنان.. كان ورفاقه أنموذجاً للمجاهدين الصابرين الواعين لأبعاد القضية وتكلفة الوقوف إلى جانبها.

 

وها هو اليوم، وبعد كل تلك السنين التي مضت، يزداد إيماناً بعدالة قضيته، وموجبات جهاده، كما يزداد رضاً بما قسم له وكلف به وترتب عليه من جراء ذلك التكليف. إنني أتوجه للدكتور الرنتيسي بالتهنئة على سلامته، وبالتحية لجهوده ومواقفه وجهاده مع رفاق دربه من أجل تحرير فلسطين وحرية الأقصى وسيادة الشعب الفلسطيني فوق أرضه التاريخية وعودة المشردين إلى وطن الآباء والأجداد.

 

ونعلن أننا معه ومع المقاومة والانتفاضة حتى التحرير، مؤكدين انعدام ثقتنا بإمكانية التعايش مع الكيان الصهيوني ومشروعه الإمبريالي، وانعدام الثقة أيضاً بحليفه الأميركي الذي يحتل جزءاً من بلادنا، ويتدخل في شؤوننا، ويهدد أقطاراً عربية وإسلامية تهديداً مباشراً وغير مباشر لتحقيق مصالحه وفرض هيمنته، ويضع الخطط والبرامج والمناهج لتخريب قيمنا الوطنية والقومية والدينية، ولتشويه هويتنا العربية وانتمائنا القومي.. لكي يسهل عليه احتلال العقل والإرادة والأرض وفرض التبعية إلى مدى غير منظور. إننا لا نثق بالأميركي وسيطاً أو راعياً للسلام أو محرراً فهو شريك العدو في مشروعه، وهو صاحب مشروع إمبريالي يعادي عروبتنا وعقيدتنا وحريتنا واستقلالنا في العمق.

 

إننا نعلن وقوفنا إلى جانب الدكتور الرنتيسي والمقاومة والانتفاضة المباركة، وندين العدوان المستمر على شعبنا الفلسطيني، وننادي شرفاء الأمة لكي ينصروا دمهم وقيمهم ومقدساتهم وقضيتهم وإخوتهم، ونهيب بالشرفاء جميعاً في العالم لكي يعلنوا موقفاً جريئاً وعادلاً يدين العنصرية الصهيونية وإرهابها والتواطؤ الأميركي مع الاحتلال وإرهاب الدولة الصهيونيين الذي يمارَس ضد الشعب الفلسطيني كله.. وقد وصل اليوم إلى حدود لا تطاق.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات