الأحد 06/أكتوبر/2024

خريطة الطريق هي خريطة الحرب الأهلية الفلسطينية

خريطة الطريق هي خريطة الحرب الأهلية الفلسطينية

سحب سوداء مريبة تتكاثر في سماء الانتفاضة الفلسطينية الباسلة حول حركة المقاومة الفلسطينية عموماً، وإذا كانت الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت منذ ثلاثة أعوام، وكذا حركة المقاومة الفلسطينية هما الظاهرتان النبلتان في الواقع العربي المعاصر، هذا الواقع المثخن بالجراح والألم والتراجع والهزيمة، بل ربما تكون الانتفاضة والمقاومة هي النسيج الحي الباقي في جسد هذه الأمة، ولذا فإن محاولات إجهاض تلك الانتفاضة ووأدها والقضاء على المقاومة هدف استراتيجي كبير -بل كبير جداً- للقوى المناوئة والمتربصة بأمتنا، سواء العدو الإسرائيلي والأمريكي أو القوى العميلة والمنسحقة من أبناء جلدتنا.

 

وإذا كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى لعام 1987 قد تأثرت تأثراً واضحاً وكبيراً بحرب الخليج الثانية 1991 -بل تكاد تكون قد توقفت على أثرها، فإن ضباباً كثيفاً يلف الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة بعد احتلال العراق وإسقاط النظام هناك لأكثر من سبب، ومن هذه الأسباب: أن صمود الشعب الفلسطيني العبقري والمذهل والمنقطع النظير – وهذه ليست مبالغة بل هو صمود منقطع النظير ليس له مثيل في التاريخ المعروف حتى الآن- قد فقد بالفعل مصدراً هاماً من مصادر الدعم، وهو الدعم العراقي لأسر الشهداء وتعويض الذين تم نسف بيوتهم، أو تضرروا من الممارسات الصهيونية، وهذه ولاشك مسألة هامة!.

 

ومنها أن حالة من اليأس العربي والحزن قد أصابت كل القوى المناضلة بعد انهيار العراق واحتلال القوات الأمريكية لها، وهذا وبلا شك أثّر وسوف يؤثر على الروح المعنوية لشعبنا في فلسطين المحتلة.

 

ومنها أن النظام المتوقع أن تصنعه أمريكا في العراق -وحسب المعلومات المتاحة- يتكون من أصدقاء لإسرائيل سواء من الأمريكيين أو العراقيين، وهو ما يعنى ليس فقط حرمان الشعب الفلسطيني من الدعم العراقي؛ بل ودعم هذه الحكومة للإسرائيليين سياسياً واقتصادياً، ومنها إراحة “إسرائيل” بعد خروج القوة العراقية من المعادلة.

 

ومنها الإحساس الإسرائيلي بالمزيد من الغطرسة بعد انتصار القوات الأمريكية في العراق، ووجودها في تلك المنطقة الهامة، ولاشك أن أمريكا و”إسرائيل” شيء واحد.!

 

ومنها أيضاً أن زيادة الضغط على سوريا -ولاشك- أنه سيؤثر على الموقف السوري بطريقة أو بأخرى، وهذا يدعم موقف “إسرائيل”، ويضغط على الموقف الفلسطيني؛ بل وأيضاً سيجعل باقي الحكومات العربية العاجزة أكثر عجزاً في حل الموضوع الفلسطيني، وكل هذا يطلق يد شارون والآلة العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

 

أبو مازن.. ومحاولة إجهاض الانتفاضة

ولاشك أن هذا الضباب الكثيف والسحب السوداء قد تحولت إلى تجليات في الواقع، ولعل أحد أهم هذه التجليات هو ظهور (أبي مازن) مهندس اتفاق أوسلو المشؤوم، والمعروف بعدائه للانتفاضة، واعتبارها عملاً يضر بالقضية، واستعداده لضرب حركة المقاومة الفلسطينية، وهو المرشح الأمريكي الإسرائيلي بامتياز، وقد جاء (أبو مازن) رئيساً للوزراء في السلطة الفلسطينية محولاً ياسر عرفات إلى ذكر النحل الذي لقح الملكة ثم يموت، وهو ما حاول ياسر عرفات أن يمنع حدوثه كثيراً ولكنها التداعيات المنطقية لكل من اتبع النهج (العرفاتي) فعاجلاً أو أجلاً كان ياسر عرفات سيصل إلى نفس النتيجة طالما اتبع نفس الممارسات، التي تعبر عن كل الاتجاهات الوطنية المقاومة وتضرب الفساد، وتحجم المتعاونين والمستعدين للتعاون مع أمريكا و”إسرائيل”، وفي النهاية خضع عرفات لمنطق الإصلاح وفق الأجنة الأمريكية الإسرائيلية التي تعنى تحجيم المقاومة وإجهاض الانتفاضة، ولقد حرص محمود أبو مازن -الذي يعرف ماذا يرضي الأمريكان والإسرائيليين، ويعرف أنهم هم جاؤوا به- على أن يقدم أوراق اعتماده بطريقه تجعله يؤكد أنهم سيجدون فيه المنفذ المطيع لعملية ذبح المقاومة وإجهاض الانتفاضة، وهو الدور المطلوب فقط لا غير، أما الحديث عن خريطة الطريق المسدود هي خريطة الحرب الأهلية الفلسطينية، وهى خريطة القضاء على المقاومة كشرط أولى للحديث عن المفاوضات التي لن تسفر عن شيء طبعاً لصالح الشعب الفلسطيني، بعد أن يكون الفلسطينيون قد فقدوا أوراقهم، وهل يملكون إلا ورقة المقاومة والانتفاضة؟!

 

هل فهمنا الآن لماذا أصر محمود عباس أبو مازن على اصطحاب دحلان معه في الوزارة ، أليس لهذا الهدف تحديداً؟

 

وزارة نزع الأظافر

موضوع وزارة أبي مازن تستحق الاهتمام، ذلك لأنها وزارة الحرب الأهلية الفلسطينية، ونزع أظافر الشعب الفلسطيني وخلع أسنانه، وقصمه. هذه الوزارة لها قصة طويلة، تبدأ حين قرر الإسرائيليون والأمريكيون أن عرفات لم يعد قادراً على القضاء على المقاومة، وبالتالي فلا بد من نهايته مثل ذكر النحل، ولا بد من تحويله إلى شيء متحفي، وقد ماطل عرفات طويلاً ولكنه خضع في النهاية، وقد بدأ الأمريكيون منذ فترة في الحديث عن الإصلاح الفلسطيني، وهم لا يريدون إلا فساداً، واستجاب عرفات وحول مشروع قرار بإنشاء رئاسة وزراء مستقلة ومسؤولة أمام المجلس التشريعي، وقد صوت المجلس في 10-3-2003 على هذه الموضوع، ووافق بأغلبية كبيرة على استحداث منصب رئيس وزراء، ثم صادق المجلس على ذلك يوم 18-3-2003 وعلى الصلاحيات والمسؤوليات المنوطة بتلك الوزارة، وعلى ترشيح محمود عباس أبو مازن – أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح لشغل هذا المنصب، وراوغ الرئيس عرفات في محاولة لإبقاء بعض الصلاحيات في يده، أو التدخل في أسماء الوزارة، ولكن لأن أبا مازن مدعوم أمريكياً وإسرائيلياً، ولأن عرفات منذ البداية لم يعتمد على شعبه، ولا على قواه الحية؛ فإن ما أراده أبو مازن تحقق في النهاية، ولعلها تكون درساً لباقي الحكومات العربية؛ فيتصالحوا مع شعوبهم، ويشكلوا حكومات تعكس القوى المجاهدة والمناضلة والداعمة للمقاومة، قبل أن يفرض عليهم الأمريكان حكومات سيئة وعميلة للغاية.

 

دفع عرفات إذاً ثمن إمساك العصا من المنتصف، دفع ثمن مجاراته للأمريكان والإسرائيليين ثم المراوغة، دفع ثمن سكوته على فساد يزكم الأنوف داخل السلطة رغم أنه يعرف الفاسدين؛ بل ربما هو الذي أفسدهم بنفسه حتى يمسك كل الخيوط بيده، دفع ثمن إبعاده للقيادات الوطنية والمخلصة، بل دفع ثمن دعمه لأمثال أبي مازن ودحلان، دفع عرفات ثمن تجاوزات رجال السلطة بحق الشعب الفلسطيني ذاته، وتعسفهم في معاملته، ولكن المشكلة أن عرفات لم يدفع وحده تكاليف هذه الفاتورة؛ بل دفعها الشعب الفلسطيني مرتين؛ الأولى: عندما عانى من رجال عرفات أثناء قيادة عرفات للسلطة، والثانية: حين سيواجه مستقبلاً مظلماً، وربما حرباً أهلية عندما تصبح المسالة في يد عملاء أمريكا المباشرين.

 

لا علاقة إذاً باستحداث منصب رئيس الوزراء، ولا تسليمها لأبي مازن بموضوع الإصلاح المزعوم؛ بل هي مؤامرة أمريكية واضحة المعالم لضرب حركات المقاومة ووأد الانتفاضة، وقد أعلنت حركات الجهاد وحماس والجبهة الشعبية والتحرير العربية معارضتها لذلك الأمر، ورأت أن عرفات لم يقدم على اتخاذه إلا بفعل الضغوط التي مارستها أمريكا و”إسرائيل” ولجنة الوساطة الرباعية، وليس بفعل أي دافع أخر، وفي الحقيقة فإننا لو أخضعنا توجهات وأفكار شخص مثل أبي مازن للتحليل؛ لاكتشفنا في النهاية أن المطلوب فقط هو حرب أهلية؛ فالسيد أبو مازن كان واحداً من مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، وهو أحد القلائل الذين ما زالوا على قيد الحياة من هؤلاء المؤسسين، ولكنه فقد ثوريته تماماً، ولعله لم يكن أصلاً ثورياً في السبعينات، وبدأ الاتصال منذ السبعينات -أي في وقت مبكر جداً- بالكيان الصهيوني ودعاة السلام في “إسرائيل”، وكان هو نفسه الذي تآمر مع الإسرائيليين لإخراج اتفاق أوسلو، وهو الاتفاق الذي بدأت به مسيرة التدهور والتراجع الفلسطيني المعروف، ثم سار أبو مازن في شوط العلاقات المريبة مع الإسرائيليين والأمريكيين، وأصبح رجلهم المفضل في السلطة، ولطالما أعلن الإسرائيليون والأمريكيون دعمهم لأبي مازن وثقتهم به، وهو ذاته لم يخيب رجاء هؤلاء، فقد أعلن عن رأيه أن الانتفاضة أضرت الشعب الفلسطيني، ويجب وقفها فوراً، وأن المطلوب هو نزع سلاح الحركات الجهادية والمناضلة، وضرب البنية التحتية لها وتفكيكها، وبديهي أن حركات حماس والجهاد والجبهة الشعبية وغيرها لن تقبل بنزع أسلحتها بسهولة، وبالتالي فالمتوقع حرب أهلية، وهذا بالضبط ما يريده شارون، وما تستهدفه خريطة الطريق المسدود؛ لأن أي تحرك أو تفاوض لن يكون إلا بعد توقف العنف تماماً من جانب الفلسطينيين، أي: نزع سلاح المقاومة، وهذا هو الجزء الوحيد الواضح والمحدد في خريطة الطريق، ومن المتوقع أيضاً أن “إسرائيل” ستدعم أبا مازن عن طريق بعض الإجراءات الشكلية التي يمكن الرجوع عنها في أي لحظة، مثل: الإفراج عن بعض الأموال الفلسطينية؛ لاستخدامها في تمويل الشرطة الفلسطينية في عملية قمع حركات المقاومة، أو رشوة البعض، وكذلك السماح بدخول بعض الفلسطينيين للعمل في “إسرائيل”؛ لإظهار أن أبا مازن يحقق بعض المكاسب، أو الحديث عن أبي مازن كشريك، أو غيرها من الأمور.

 

ولكن لن تتوقف “إسرائيل” عن قتل أي فلسطيني تريده، أو اقتحام المدن والقرى وهدم البيوت.

 

مهمة دحلان

ليس أبو مازن وحده ولا خريطة الطريق وحدها هما اللذان يدفعان باتجاه الحرب الأهلية والصدام؛ ولكن هناك أيضا محمد دحلان الذي دار حوله الخلاف بين عرفات وأبي مازن، وفي النهاية انتصر أبو مازن، وفرض محمد دحلان على عرفات ليكون وزيراً للدولة للشؤون الداخلية، أي: مسؤول عن الأمن، ومحمد دحلان هو مسؤول الأمن الوقائي السابق في قطاع غزة، وهو الذي كان مسؤولاً عن إجهاض وتدمير فصائل المقاومة الفلسطينية عام 1996، تحديداً حيث بدأت عمليات اعتقال ومطاردة عناصر المقاومة على يد جهاز الأمن الوقائي الذي كان دحلان يديره، وكان دحلان كذلك أبرز مسؤولي التنسيق الأمني مع “إسرائيل”، ولكن دحلان هو الأقرب إلى أمريكا، ولعل اختيار

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات