الأحد 06/أكتوبر/2024

المواجهة التي كشفت الأوراق

المواجهة التي كشفت الأوراق

على الرغم من المعاناة الكبيرة التي يمر بها الشعب الفلسطيني هذه الأيام من خلال المذابح البشعة التي يرتكبها مجرم الحرب شارون وجيشه النازي وعصاباته البربرية، فإن هذه المواجهة كشفت عدداً من الأوراق التي ينبغي على الأمة أن تنظر إليها نظرة المتبصر بعيداً عن العواطف والانفعالات، كما أفرزت مجموعة من المعطيات ليست جميعها سلبية فهناك معطيات إيجابية رشحت عن هذه الملحمة التاريخية أكدت عمق تمسك الفلسطينيين بأرضهم وحقوقهم المشروعة، وسنحاول الوقوف هنا على أهم تلك الأوراق وأبرز تلك المعطيات.

1- اليهود وغدرهم :

فقد أثبتت الأحداث الدامية التي مرت بها المدن والمخيمات الفلسطينية على مدى أكثر من خمسين عاما خسـة اليهود وغدرهم في التعامل مع البشرية، ولذلك وصفهم الله تعالى بأنهم ناقضون للعهود ومحرفون للكلم ومستخفون بمقدرات الشعوب والأمم (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به). وفي آية أخرى يقول تعالى: (ومن الذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه). كما أكد التاريخ خيانة اليهود وغدرهم في جميع مراحل حياتهم ولم ينج من ذلك حتى أنبياؤهم الذين أرسلهم الله لهدايتهم وتوجيههم.

واليوم يؤكد اليهود تأصل هذه الخصلة من الغدر والخسة والجرم في نفوسهم من خلال أعمالهم الإجرامية البشعة التي يأباها الضمير الإنساني، فالصهاينة اليوم يداهمون المنازل ويقتلون الأبرياء ويجعلون من الأطفال والشيوخ دروعا بشرية لتنفيذ جرائمهم في القتل والتدمير والتخريب، وما يرتكبه اليهود هذه الأيام من جرائم في المدن والمخيمات الفلسطينية دليل واضح على خسـة هذا الشعب وعنصريته المقيتة.

لقد أثبتت الأحداث التي تمر بها المدن الفلسطينية عمق الحقد الدفين الذي يسيطر على نفوس الصهاينة المجرمين ضد كل ما هو عربي ومسلم، فالمتابع لشاشات التلفزة اليوم يدرك همجية التعامل البربري من قبل قطعان شارون مع شبان وشيوخ ونساء فلسطين، فليسمع دعاة حقوق الإنسان وليروا بأعينهم أن الشرذمة اليهودية التي أراد الأوروبيون التخلص منها في بلدانهم ودفعوا بها إلى أرض الرسالات تقوم اليوم بأسوأ مما قامت به النازية في حروبها، وبأخس مما قامت به محاكم التفتيش في إسبانيا.

2- قوة المقاومة وتمكنها:

ومن المعطيات التي أفرزتها هذه الملحمة التي يخوضها الشعب الفلسطيني الصابر المجاهد هي الشجاعة والإقدام والتضحية والصمود في وجه آلة الحرب الصهيونية الفتاكة التي لم تفرق بين محارب أو مسالم ولا بين شاب أو شيخ ولا بين طفل أو امرأة ولا بين مسجد أو كنيسة حيث حكمت تلك القوات الغازية بالإعدام على مخيمات وبلدات بأكملها من خلال القتل البربري أو التشريد أو قصف المباني ونسفها، ومع ذلك كله تبدي المقاومة الفلسطينية صموداً أسطورياً تثبت فيه للعالم أن الشعوب لا يمكن أن تموت بفعل الغزو النازي بل إنها على العكس تحيا وتعيش على أنقاض الطاغوت اليهودي المجرم ولا يسعنا هنا إلا أن ننحني إجلالاً وتقديراً للمقاومة الباسلة التي أعادت الثقة بقوة هذا الشعب وتمكنه من الصمود والتضحية ليقول للعالم إن مجرم الحرب شارون لا يستطيع رغم آلته العسكرية وعصاباته المجرمة لا يمكن له أن يقتلع أمة من أرضها.

إن المقاومة الفلسطينية تؤكد اليوم أنها تعيش مخاض حرب التحرير المتصاعدة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وإن الاستبسال الذي أبـداه الشعب الفلسطيني يشير إلى التحول الطبيعي لقوى النضال الفلسطيني من الاحتجاج ومعارك الحجارة إلى حـرب التحـرير الحقيقية شأنها شأن حروب التحرير التي خاضتها الشعوب من أجل الحرية والاستقلال، وهذا هو في الحقيقة ما تخشاه الطغمة اليهودية المجرمة التي تنفذ حرباً قذرة لا هوادة فيها، فقد أدرك الفلسطينيون أن الشهيد الذي يجود بنفسه في هذه المعركة إنما يضع لبنة في البناء التحرري لهذا الشعب الذي عانى كثيراً من الظلم والتشريد والتقتيل وفي هذا يقول شوقي:

وفي القتلى لأجيال حياة         وفي الأسرى فدىً لهمُ وعتق

لا نريد اليوم أن نشق الجيوب ونضرب الخدود ونندب الحظوظ فهذا لا يخدم الهدف الذي تسعى المقاومة لتحقيقه، وإنما نريد أن نشد على يد المقاتلين ونقول لهم أنتم أيها المجاهدون الصابرون في فلسـطين إن رايات الحرية عما قريب سترفرف على مدن ومخيمات أرض الرباط، وعما قريب سترفع رايات النصر على مساجد القدس ومآذنها وعلى قباب كنائسها فما يجري في فلسطين دليل واضح على انتصار المقاومة وإفلاس الكيان الصهيوني المجرم فقد أثبت المجاهدون قوة المقاومة وانطلاقها من جديد، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

3- ضعف القرار السياسي العربي:

ومن مفارقات هذه الهجمة البشعة ذلك الانفصام الغريب بين أماني الشعوب العربية والصمم الذي ابتلي به قرار الأنظمة العربية، فالشعوب العربية اليوم تعاني الأمرَّين من أعدائها ومن أبناء جلدتها، بينما الأنظمة العربية التي تعيش على هامش الصراع لم تتخذ إلى اليوم أي إجراء يتناسب مع الحدث الجلل، وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال في أعينهم، وهذا كله يدعونا إلى التأكيد أن تلك الأنظمة تفقد مشروعيتها شيئاً فشيئاً لتعيش وحدها بعيداً عن أحاسيس شعوبها ومصير أبنائها وكرامة أمتها.

ولعل أكثر ما قامت به بعض الأنظمة العربية هو الاستجداء المهين من شارون ليوقف حملته الهمجية ضد الشعب العربي الفلسطيني، في حين نرى أن كثيراً من الأصوات التي كانت مرتفعة وعالية قبل الهجمة الشرسة، نراها اليوم تلازم الصمت المخزي والسكوت المهين الذي استغرب منه الأعداء قبل الأصدقاء. وفي الجانب الآخر تقف جهات غير عربية وغير إسلامية لتقول كلمة الحق وتعلن رفضها لما يجري على الساحة الفلسطينية من تدمير وإرهاب وقتل وإعدام وتدمير.

كل هذه المعطيات تشير بما لا يقبل الشك إلى مدى الضعف والهوان والتخاذل الذي وصل إليه القرار السياسي العربي، مما ساعد بشكل كبير على استمرار الاحتلال وتحويل السلام الذي يمني القادة فيه أنفسهم إلى استسلام كامل.

4- التواطؤ الأمريكي الصهيوني:

منذ أكثر من نصف قرن والعالم يشهد ذلك الانحياز الأمريكي للصهاينة الذي منحهم كثيراً من الدعم والتأييد ابتداءً من “الفيتو الأمريكي” الذي أثقل العرب وقضيتهم الفلسطينية بكثير من الظلم والإجحاف وانتهاء بالدعم المالي والتسليح الكامل للعصابات اليهودية المجرمة، ولئن كان ذلك الانحياز يمر في الماضي على استحياء فإنه اليوم يعلن على الملأ من لدن الرئيس الأمريكي نفسه حين أعلن أنه يتفهم ما تقوم به “إسرائيل” من أجل حماية مواطنيها والقضاء على الإرهاب، فالإرهاب في نظر أمريكا هو كل جهد يدافع عن الحقوق أو يقف بوجه العدوان أو يقاوم الاحتلال، أما ما يقوم به شارون فهو دفاع عن النفس وحماية للمواطنين ولذلك فإن أمريكا تدعمه وتتواطأ معه بل وربما تشارك فيه مما يثبت لنا أن أمريكا تكيل بمكيالين مختلفين، فعندما امتنع العراق عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن المرتبطة بأحداث الخليج جيشت الجيوش لمحاربته واحتلت أرضه وأسقطت نظامه، وعندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني الذي يضرب عرض الحائط بكل القرارات التي يصدرها نفس المجلس فإن الرئيس الأمريكي يؤكد على صداقته لإسرائيل ويكتفي بتصريحات صحفية لذر الرماد في العيون، وهذا كله يؤكد أن أمريكا اليوم هي التي ترعى إرهاب الدولة المنظم الذي يقوم به شارون بتصريح من أسـياده في البيت الأبيض أو بمباركة علنية من الرئيس الأمريكي مما يمنح شارون ضوءاً أخضر في حملته النازية ضد الشعب الفلسطيني ومدنه ومخيماته، وإذا كانت أمريكا اليوم هي الخصم والحكم فأنَّى للحقوق أن تصل إلى أهلها؟ وأنَّى للعدالة أن تحقق أهدافها؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات