الأحد 06/أكتوبر/2024

مرحلة القصف السياسي

مرحلة القصف السياسي

صحيفة البيان الإماراتية

يوم السبت الموافق الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تطابقت الوقائع مع تهديدات المسؤولين الإسرائيليين لتصعيد العدوان على أهالي القطاع الذين لم يرتاحوا لحظة منذ اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت في الخامس والعشرين من حزيران/يونيو هذا العام. فلقد كانت الدبابات الإسرائيلية تسبقها الجرافات الضخمة قد اتخذت لها مواقع متقدمة حيث تجاوزت بلدة بيت حانون والمناطق الشرقية من مخيم جباليا التي كانت مسرحاً للجرائم الإسرائيلية حتى أصبحت على حواف المخيم الذي يكتظ بالسكان .

السكان مثل المقاومين كانوا في انتظار حلول الليل، حيث من المتوقع أن تبدأ آلة الدمار الإسرائيلية في العمل، فيما راحت المروحيات العسكرية وطائرات الاستطلاع المسلحة بالصواريخ، ترصد كل تحرك على الأرض، وفيما بعد قامت بثلاث غارات بالصواريخ على ثلاث سيارات مدنية في مناطق الزيتون والشجاعية شرق مدينة غزة، وحي الشيخ عجلين غرب المدينة .

فجأة أعلن التلفزيون الفلسطيني موافقة ايهود أولمرت بعد رفض سبق ذلك بيومين فقط، على مبادرة التهدئة التي نجح الرئيس محمود عباس في الحصول عليها من قبل كافة فصائل المقاومة والتي تقضي بوقف كافة أشكال العدوان على قطاع غزة، مقابل تعهد الفصائل بالتوقف عن إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية .

الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في تمام الساعة السادسة من صباح اليوم التالي الأحد، حمل معه وسريعاً تبدلاً في الخطاب الإسرائيلي بحيث اتخذ طابعاً «سلامياً» يثير الكثير من التساؤلات بشأن الأسباب التي دعت إلى هذا التبدل وتلك التي تقف وراء قبول الحكومة الإسرائيلية بالتبادلية بعد أن كانت ترفض ذلك كل الوقت .

ففي العام الماضي كان الفلسطينيون قد اتفقوا في القاهرة على التهدئة والتزموا بذلك منذ شهر مارس حتى نهاية ذلك العام، وخلال العام الذي سبق كان الفلسطينيون قد التزموا التهدئة لخمسين يوماً وفي الحالتين واصلت “إسرائيل” عدوانها، ورفضت التوقف عن استهداف الفلسطينيين واعتبرت أن تلك التهدئة شأن فلسطيني داخلي لا علاقة لها به من قريب أو بعيد .

رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت أصدر أوامره للجيش بعدم الرد في حال واصل الفلسطينيون إطلاق الصواريخ، وقد قامت بعض المجموعات بإطلاقها خلال الأيام التي تلت دخول الاتفاق حيز التنفيذ، بدعوى الرد على الاعتداءات الإسرائيلية في جنين وقباطية في الضفة الغربية، بل إنه قطع على نفسه وعداً بأن يشمل وقف إطلاق النار ما ظل يسميه «يهودا والسامرة»، والمقصود الضفة الغربية التي يبدو أن اتفاقاً آخر بشأن وقف متبادل لإطلاق النار سيتم قريباً .

وفي المجال السياسي وجه أولمرت في اليوم الثالث بعد سريان الاتفاق، خطاباً بدا وكأنه موجه للإسرائيليين أكثر من غيرهم، فضلاً عن أنه سيصل إلى الفاعلين الدوليين. قال أولمرت إنه «يتمنى بشكل كبير أن يبدي الفلسطينيون مسؤولية مباشرة وحسن نية قد تكون بداية مفاوضات جادة وحقيقية ومفتوحة ومباشرة بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية تؤدي إلى تسوية شاملة بينهما» .

أما عن طبيعة هذه التسوية الشاملة التي يقصدها أولمرت فقد قال «في هذا الإطار ووفقاً لخارطة الطريق ستتمكنون (الفلسطينيون) من إقامة دولة مستقلة حقيقية، وقابلة للحياة، ومتصلة جغرافياً بحدود معترف بها».

وأضاف «سيتم تحديد حدود “إسرائيل” بما يتناسب مع المبادئ التي أشار إليها الرئيس الأميركي جورج بوش في خطابه لشارون في 14/4/2004. وفي مقابل سلام حقيقي يتخلى فيه الفلسطينيون عن إصرارهم على عودة اللاجئين إلى ديارهم في الأراضي الفلسطينية» .

وحتى يفعل أولمرت ذلك، وربما يبادر إلى بعض الإجراءات التخفيفية، ينتظر إتمام صفقة تبادل الأسرى مقابل عودة الجندي الإسرائيلي شاليت، وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة تتعهد بتطبيق مبادئ الرباعية الدولية وبخارطة الطريق .

في الواقع إن وعود أولمرت، لا تنطوي على جديد فهو يكرر ما كان سلفه شارون قد طرحه، واتفق عليه مع الرئيس بوش فيما سمي بورقة الضمانات والتي تعطي “إسرائيل” الحق بالاحتفاظ بالمناطق التي تقوم عليها المستوطنات باعتبارها أمراً واقعاً، وتتجاهل قضية القدس، وتلغي حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها. سلوك أولمرت المفاجئ يتصل بجملة من العوامل :

أولها: أن “إسرائيل” فشلت في حروبها ضد لبنان والفلسطينيين حتى بات عدوانها عبئاً على حكومتها .

ثانيها: أن فشل الآلة العسكرية الإسرائيلية في وضع حد للصواريخ الفلسطينية رغم كل ما فعلته، واستمرار تطوير وإطلاق تلك الصواريخ محلية الصنع قد يؤدي في وقت لاحق لتهديد مدن وبلدات إسرائيلية أخرى، وحيث أدى سقوطها المستمر على بلدة «سديروت» إلى رحيل الكثيرين عنها، وازدياد النقمة على الحكومة العاجزة عن حماية مواطنيها .

ثالثها: الحكومة الإسرائيلية التي تحصل على تأييد 78 عضو كنيست بعد انضمام حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة العنصري المتطرف أفيغدور ليبرمان لا تزال تعاني من ضعف يهدد بسقوطها وفقدانها الشرعية الشعبية. ففي استطلاع للرأي نشرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية يوم 23/11/2006 اتضح أن أربعة من خمسة إسرائيليين يرغبون في استقالة وزير الدفاع عمير بيرتس، وعند سؤال الفئة المستطلعة عن رأيها فيما لو جرت الانتخابات «اليوم»، حصل الليكود المعارض على 28 مقعداً بدلاً من 12 حالياً، وحزب «كاديماً» على 18 بدلاً من 28 مقعداً حالياً، وحزب العمل على 12 مقعداً بدلاً من 19 حالياً .

رابعها: تسعى حكومة أولمرت لقطع الطريق على أي مبادرات عربية أو دولية خاصة المبادرة الثلاثية الفرنسية، الإيطالية، الاسبانية التي يجري تداولها منذ بعض الوقت وتدعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشروق الأوسط، ومن أجل العودة إلى آلية التفاوض الثنائي بمرجعياتها المفتوحة والتي تستند إلى ميزان القوى. إن “إسرائيل” تعارض بشدة وبشكل مطلق إطار المؤتمر الدولي والمرجعيات الدولية، والمفاوضات الجماعية ولذلك فإنها تريد أن تشغل الفراغ السياسي من خلال العودة إلى آليات المفاوضات الثنائية .

خامس هذه العوامل يتصل بالاستجابة لرغبة الولايات المتحدة بتحقيق إنجاز في قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تعوض وتغطي الفشل الذي منيت به سياستها في العراق. في هذا الإطار يجدر التعمق في رد الفعل الأميركي على اتفاق التهدئة الذي جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية شون مكورماك، حيث رحب بالاتفاق وقال: «إن واشنطن ترى أن من الممكن إحياء عملية السلام العربية الإسرائيلية التي يعتبرها كثير من الحلفاء أساسية من أجل حل الأزمة في العراق» .

الإشارة هنا تعود إلى تصريحات صدرت مؤخراً عن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وقال فيها إنه لا يمكن تحقيق إنجاز في العراق أو الشرق الأوسط، ما لم تتم معالجة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، الذي يشكل جوهر أزمة الشرق الأوسط .

إذا كان هذا ما تعد به الأسابيع والأشهر المقبلة، فإن على الفلسطينيين أن يتهيأوا لخوض المعركة السياسية بما يلحق الفشل بالمخططات السياسية الإسرائيلية بعد أن فشلت مخططاتها العدوانية، وأن يدفعوا بكل قوة، نحو أن تصبح المبادرة الفرنسية، الأسبانية، الإيطالية مبادرة دولية حتى لو استوجب ذلك فرضها على “إسرائيل” بمختلف وسائل الضغط .

كاتب فلسطيني 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات