الأحد 07/يوليو/2024

معنى الفيتو الأمريكي

معنى الفيتو الأمريكي

صحيفة الخليج الإماراتية

يسجل للولايات المتحدة ممارستها لحق النقض أو الفيتو ضد كل مشروع قرار يمس “إسرائيل” حتى بأدنى درجات النقد لسلوكياتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك حققت الولايات المتحدة أعلى نسبة تصويت في ممارسة النقض، غير معنية بأية انتقادات توجه لهذا التصويت الذي يتناقض مع كل الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الشرعية الدولية والأمم المتحدة ذاتها، وكأن حق النقض في مجلس الأمن قد أقر لصالح “إسرائيل”. وهنا يطرح السؤال نفسه، أنه طالما هناك حق للنقض، وهناك الولايات المتحدة وذهنيتها المسيطرة، وهناك “إسرائيل”، فلا أحد يجرؤ على معاقبتها، وستبقى كل القرارات الصادرة ضد “إسرائيل” مجرد توصيات غير ملزمة، وستواصل “إسرائيل” سياساتها التوسعية والقمعية ضد الشعب الفلسطيني .

لماذا تمارس الولايات المتحدة حق النقض؟

كان هذا سؤال طرحه أحد طلاب الدراسات العليا في قسم الدراسات الأمريكية في جامعة القدس، وكان محور نقاشنا في إطار تحليل السياسة الأمريكية في المنطقة إزاء “إسرائيل” على وجه الخصوص .

أحد المحاورين أجاب بأن الولايات المتحدة تتفوق على نفسها وتتفوق على “إسرائيل” ذاتها، فهي “إسرائيلية” أكثر من “إسرائيل” .

وقال آخر إن اللوبي الصهيوني ودور منظمة “إيباك” هو وراء هذا الدعم السياسي والاقتصادي اللامحدود ل”إسرائيل” لتغلغله في كل ثنايا القرار الأمريكي على مستوى الرئاسة والكونجرس ووزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي .

أما الثالث فأشار إلى النظام الانتخابي الأمريكي الذي يسمح بالتأثير في المرشحين والمتنافسين واللهث وراء الصوت الذي يتكدس في الولايات الكبيرة التي تتحكم في عدد أصوات الكلية الانتخابية التي تحسم الفائز في انتخابات الرئاسة، واليهود يتجمعون في هذه الولايات .

أما الرأي الرابع فقد أشار إلى المال الذي يتحكم بالسياسة الأمريكية والذي يعتبر عصب السياسة الأمريكية، وحاجة المرشحين والمتنافسين على المناصب السياسية الكبرى وفي مقدمتها منصب الرئاسة إلى المال والمال بيد اليهود .

وأشار خامس المحاورين إلى ضعف اللوبي العربي وغياب الصوت العربي والإسلامي، وأيضاً غياب المال العربي وضعف السيطرة على الإعلام .

هنا أعود بالذاكرة إلى الماضي وإلى صورة الولايات المتحدة في المنطقة، وكيف أن هذه الصورة كانت إيجابية لدى المواطن العربي قبل الحرب الثانية، وتجسد ذلك في تقرير لجنة كنج كرين عام 1919 والذي أوضح أن سكان المنطقة كانوا يفضلون الانتداب الأمريكي، وبقيت هذه الصورة حتى ما بعد الحرب الثانية، وتحديداً مع انعقاد مؤتمر بليتمور عام 1942 والذي شكل نقطة تحول في العلاقات الأمريكية مع الحركة الصهيونية.

وإذا ما أضيف إلى ذلك سيادة الحرب الباردة وما تبعها من سياسات الاحتواء التي اتبعتها الولايات المتحدة ضد التواجد السوفييتي، وكان مسرح هذه السياسة منطقة الشرق الأوسط، ولذلك كانت المنطقة العربية أكثر المناطق تأثراً، وتحددت أهداف السياسة الأمريكية منذ ذلك الوقت: بدعم أمن وبقاء “إسرائيل”، والسيطرة على منابع النفط، إلى جانب احتواء القوة السوفييتية، واستمرت هذه السياسة من دون تغيير وخصوصاً في ما يتعلق ب”إسرائيل” والسيطرة والتحكم بمنابع البترول التي تتركز في المنطقة .

لقد شكلت “إسرائيل” منذ قيامها وحتى الآن أحد مكونات السياسة الأمريكية في المنطقة وهي التي حكمت الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية .

ولكن يبقى التساؤل لماذا الفيتو الأمريكي؟

للإجابة بعض الأبعاد الأخرى إضافة إلى ما ذكر، فإن المسألة لا ترتبط بحقوق دينية أو تاريخية ل”إسرائيل” في فلسطين ثبت عدم جدواها ونقصها لكل الأدلة التاريخية والجغرافية وحتى الدينية، الإجابة تكمن في جانب منها بالذهنية الأمريكية والنسيج الاجتماعي والثقافي والمعتقدات الدينية التي تحكم عقلية وذهنية الأصولية المسيحية التي تؤمن بنبوءة عودة المسيح المنتظر، وهذه العودة مرهونة بعودة اليهود إلى أرض الميعاد وتجمعهم على أرض فلسطين والتي صورت على أنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وهي مقولة زائفة. هذا التسييس للمعتقد الديني يلقي الضوء على السلوك السياسي الأمريكي وممارستها العمياء للفيتو ضد كل قرار في غير صالح “إسرائيل”، ولعل هذا التسييس الديني هو الذي يفسر لنا نموذج العلاقات الخاصة الذي يسود العلاقات الأمريكية “الإسرائيلية” على مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، آخرها الإدارة الحالية التي تمثل ذروة الدور الذي يلعبه المعتقد الديني في السياسة الأمريكية .

لكن، يمكن التغلغل إلى السياسة الأمريكية والتأثير في مكوناتها من خلال تفهم الذهنية الأمريكية ووضع الخطط المتأنية والواقعية، ومن خلال تفعيل دور الجاليات العربية والإسلامية والدعم يحتاج إلى مال ودعم سياسي وخلق حالة إسلامية عربية داخل الولايات المتحدة قادرة على مخاطبة الذهنية الأمريكية، إلا أن هذه العملية تحتاج إلى وقت، وحتى يحدث التغيير علينا أن ننتظر الخطوة الأولى .

* أستاذ العلوم السياسية – غزة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات