الإثنين 05/مايو/2025

درس في مقاطعة إسرائيل

درس في مقاطعة إسرائيل

قالت صحيفة “هآرتس”، إن مستشفى بمدينة دبي الإماراتية قام مؤخراً بإرجاع معدات طبية من صنع “إسرائيل” بلغت قيمتها أكثر من 50 مليون دولار، بسبب حملها لبطاقات هوية “صُنع بإسرائيل”. وتشمل هذه المعدات الزيّ الرسمي للموظفين، وملابس المرضى، وملاءات الأَسِرَّة، والوسائد، والمنشفات. ويأتي هذا الإجراء ليؤكد النهج العربي الأصيل الذي تسير عليه إمارة دبي ممثلة بشخص الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع. هذا النهج الذي دأب على التمسك بالحقوق العربية في فلسطين، والعمل على نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم بكل وسيلة ممكنة للوقوف في وجه المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى إحياء ما تسمى “إسرائيل التاريخية من الفرات إلى النيل”.

وقد نشأ هذا المشروع في لحظة غفلة من أمر هذه الأمة واستطاع بفعل القوى الغربية الكبرى، أن يحوّل الخيال إلى واقع. فقد ظهر وعد بلفور عام 1917 الذي بموجبه تعهدت بريطانيا بإنشاء وطن لليهود في فلسطين. وكانت فلسطين قد وقعت في قبضة بريطانيا بعد انهزام تركيا في الحرب العالمية الأولى عام 1918. وقامت بفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وخاصة بعد أن أعلنت انتدابها عليها عام 1922. واستطاع هؤلاء المهاجرون، وبمساعدة من بريطانيا، أن يستولوا على الكثير من الأراضي الفلسطينية، وأنشأوا فيها مستعمراتهم الأولى.

وكان على بريطانيا تشكيل لواء يهودي في الشرق الأوسط يحارب تحت لواء العلم البريطاني، بعد أن انهارت الإمبراطورية البريطانية في الحرب العالمية، فقرر الممولون اليهود نقل مركز نشاطهم من بريطانيا إلى الولايات المتحدة التي كانت قد أصبحت القوة العالمية الجديدة. ومن أبرز نشاطهم في الولايات المتحدة هو مؤتمر بلتيمور الذي انعقد في 8 مايو/ آيار 1942، وحضره ممثلون عن المنظمات الصهيونية الأمريكية، وعن اللجان التنفيذية الصهيونية المقيمة في فلسطين، وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، ومنهم ترومان الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة عام 1945.

ومن أهم مقررات هذا المؤتمر هو فتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وبإشراف الوكالة اليهودية، وتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وتكوين جيش يهودي يقاتل تحت علمه الخاص إلى جانب الحلفاء (الولايات المتحدة وبريطانيا). وسرعان ما اشتد ساعد الصهاينة في فلسطين بعد أن تبنتهم الولايات المتحدة بالرعاية.

وأدرك العرب خطورة ما يجري في فلسطين وتنادوا إلى إنشاء جامعة تجمعهم لتنسيق المواقف بينهم لضمان استقلال فلسطين عن بريطانيا. فتم اعتماد ميثاق الجامعة في 22 مارس/آذار 1945 أي في فترة صراع القوى الوطنية داخل فلسطين ضد اليهود والإنجليز. ووضع في هذا الميثاق ملحق خاص بفلسطين أصبحت الجامعة بموجبه مسؤولة عن فلسطين. وانعقد مؤتمر في يونيو/ حزيران عام 1946 في بلودان بسوريا على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية العرب، وصدر عن هذا المؤتمر قرار يقضي بإنشاء مكاتب لمقاطعة البضائع والمؤسسات اليهودية. وفي 14 مايو/أيار 1948، انسحبت بريطانيا من فلسطين، وفي اليوم التالي أعلن اليهود إنشاء دولة “إسرائيل”، وسارعت القوى الكبرى في العالم (الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي السابق وفرنسا) إلى الاعتراف بها.

وحدثت النكبة عندما قام اليهود بتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم وديارهم، ودخلت جيوش سبع دول عربية كانت مستقلة آنذاك وهي (مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق والسعودية واليمن) إلى فلسطين لمنع إقامة “إسرائيل”، لكن هذه الجيوش انهزمت، وتكرّس وجود “إسرائيل” وأصبحت حقيقة واقعة في العالم. وأدرك العرب صعوبة تحرير فلسطين بالقوة العسكرية نظراً لاختلال موازين القوى لغير مصلحتهم في العالم، فاتجهوا إلى سياسة مقاطعة “إسرائيل” التي قررتها جامعة الدول العربية. وتم إنشاء مكتب رئيسي للمقاطعة في دمشق عام 1955، ثم إنشاء مكاتب أخرى في جميع العواصم العربية. وتعمل هذه المكاتب على مقاطعة جميع الشركات “الإسرائيلية” أو الشركات التي تعمل لخدمة “إسرائيل”.

واستطاع العرب من خلال سلاح المقاطعة، أن يلحقوا خسائر هائلة بالاقتصاد “الإسرائيلي”. وتطلعت “إسرائيل” إلى كسر هذه المقاطعة العربية لها، واستعانت بحليفتها الولايات المتحدة على ذلك. وما لبثت مصر أن وقّعت اتفاق سلام مع “إسرائيل”، ودخلت في علاقات طبيعية معها، وسقط بذلك حجر كبير من جدار المقاطعة العربية. وتوالى سقوط الأحجار، فوقّع الأردن اتفاق سلام مع “إسرائيل” عام 1994، وموريتانيا عام 1999، كما فتحت عدّة دول عربية أخرى مكاتب تجارية “إسرائيلية” فيها تمهيداً لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها.

إن الصراع مع “إسرائيل” ليس سياسياً، بل هو صراع وجود، وإن أي حلّ سياسي لن ينهي المشكلة، خاصة أن الثوابت التاريخية تقطع بأن كل من ظنّ واعتقد أن الصراع قد انتهى، لا يمكن أن يتخيّل أن “إسرائيل” ستتخلى ذات يوم عن طابعها الديني، وتصبح دولة علمانية. ولا يمكن لهؤلاء أن يعتقدوا أن اليهود سيتخلون عن طموحاتهم في “أرض الميعاد” والوعد الإلهي لهم بالعودة إلى أرض الأجداد. وتؤكد الحقائق التاريخية أن “إسرائيل” دولة “يهودية” ذات طابع سياسي ديني، كلُّ من فيها يؤمن بالتوراة. ويؤمن حكامها بأن الأرض قد عادت إليهم لأن الله وعدهم بذلك. ولا يجرؤ أحد من حكّام “إسرائيل” أن يقول: “لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين”، لاعتراف الجميع بأن “إسرائيل” دولة دينية عنصرية.

وإذا كانت “إسرائيل” كذلك ولم تغير منذ نشأتها موقفها العسكري والسياسي، فلماذا يسارع العرب إلى إقامة هذه العلاقات الاقتصادية والسياسية معها؟ هل من أجل محو ذاكرة الأمة ووجدانها ونقائصها الحسيّة والذهنية والعاطفية والعمل على تدجينها وتحوير الحقائق وتشويه الحقيقة الموضوعية تمهيداً لاغتيال الخرائط الذهنية؟

إن الإنسان العربي قد ترسّخ في ذهنه قول بن جوريون محدداً هوية الصهيوني بقوله: “إن الصهيوني هو كل يهودي يسارع بالعودة إلى صهيون مضحياً بكل شيء في سبيل ذلك ومؤثراً الحياة في “إسرائيل” على أية حياة في أي بلد آخر، وهو الذي يشعر بأنه المغترب أو السبي في أي بلد آخر غير “إسرائيل””.

أما جولدا مائير فقد قالت: “بعد قيام صهيون لا يمكن أن يُعتبر صهيونياً إلاّ ذلك الفرد الذي يحمل حقائبه ويعود فوراً إلى “إسرائيل””. أما أسفار العهد القديم التي تجسّد “إسرائيل” فلم تعد تعني فقط توطين المزيد من اليهود في فلسطين وامتداداتها التوراتية التي يسمونها “إسرائيل” الكبرى، بل باتت تعني أيضاً توفير الأمن ل”إسرائيل”، وذلك بتفتيت المنطقة العربية إلى دول طائفية وعرقية. وجاء في رسالة بلفور، وزير الخارجية في الحكومة البريطانية، ما نصه: “إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف نبذل ما في وسعنا لتيسير تحقيق هذا الهدف، وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى. إني أكون مديناً لكم بالعرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني المخلص  آرثر بلفور”.

ويبقى السؤال هو: ماذا تغير أو تحقق للشعب الفلسطيني منذ عام 1917 أي بعد مرور خمس وثمانين سنة؟. فما زال الصراع قائماً، والأرض مغتصبة، والسلام الذي تريده “إسرائيل” هو السلام المدجج بالسلاح وفي ظل التهديد بالقوة والعنف وإخضاع الإنسان الفلسطيني. وعلينا ألا نخدع أنفسنا إذا كنا نعتقد أن الصهاينة يطلبون العيش بسلم وأمان، حتى نقدم هذه التنازلات الكبرى اضطراراً للدخول في المباح واللامباح في الأفكار والأوضاع، والتسليم أو الاستسلام، قبل أن يتم سلام حقيقي يعيد الأرض المغتصبة ويعيد السلام إلى أرض السلام.

 

* كاتب من الإمارات

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشرع بهدم منازل في مخيم نور شمس

الاحتلال يشرع بهدم منازل في مخيم نور شمس

طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، بتنفيذ عمليات هدم في حارة المنشية داخل مخيم نور شمس شرقي مدينة...