لا جديد في جعبة حكومة أولمرت

عاد أيهود أولمرت من جديد للإفصاح عما خبأته حكومته في جعبتها من خطط للوصول إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين، فقد أدلى أولمرت مؤخراً بتصريحات أعرب فيها عن استعداد حكومته لاستئناف مسيرة التسوية مع الفلسطينيين بهدف تحقيق أمن الكيان الصهيوني وسلامه مقابل تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني.
وكان أولمرت قد صرح خلال كلمة ألقاها في النقب المحتل احتفالاً بذكرى وفاة ديفد بن غوريون بأن حكومته مستعدة للانسحاب من الكثير من الأراضي الفلسطينية وإزالة الحواجز في الضفة الغربية والإفراج عن عوائد الجمارك الفلسطينية المحتجزة لدى الاحتلال وإطلاق سراح العديد من الأسرى الفلسطينيين في مقابل تحقيق السلام مع الفلسطينيين، على حد افترائه.
ويستشف من هذه التصريحات مدى المراوغة الكبيرة التي يمارسها الاحتلال، في تعامله مع القضية الفلسطينية، والتي يهدف الاحتلال بها إلى جر الفلسطينيين إلى ذات النفق المظلم الذي سارت فيه سلطة أوسلو، التي أضرت كثيراً بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وجعلت مصيره في قبضة الاحتلال ومن يرعاه ويدعمه من الدول الغربية. كما أن هذه التصريحات تنطوي على تنكر كبير لوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، خاصة حقه في العودة، وتعبر عن مدى حرص كيان الاحتلال وإصراره على إنهاء القضية الفلسطينية.
وقد جاءت تصريحات أولمرت منسجمة مع الخطوط العريضة لسياسة حكومته والتي تتمثل في العمل على إقامة دولة ذات أغلبية يهودية مع نهاية عام 2010م بعد إعادة رسم حدود جديدة لها، والانسحاب من بعض الأراضي الفلسطينية المحتلة ذات التواجد السكاني الكبير، وإزالة بعض المستوطنات اليهودية التي تؤدي إلى استنزاف أمني واقتصادي وبشري لكيان الاحتلال وتسبب احتكاكاً مباشراً بين قطعان المستوطنين والفلسطينيين.
ومن هنا فإن الانسحاب الذي أعلن أولمرت استعداد حكومته للقيام به يأتي في إطار الجهود التي يبذلها الاحتلال لمواجهة المشكلة الديموغرافية التي تمثل تهديداً استراتيجياً للمشروع الصهيوني، ومحاولة إلغاء حق العودة، وسعي حكومة الاحتلال إلى نزع سلاح المقاومة الإسلامية وتفكيك فصائلها، لينعم كيان الاحتلال بالأمن والسلام تحقيقا لوعود أولمرت التي انتخبه الصهاينة من أجلها.
وهذا ينسجم تماماً مع تصريحات أولمرت التي أدلى بها أمام الكونغرس الأمريكي في 24 مايو 2006م حيث قال: “يجب علينا التنازل باسم السلام، ولنعطي أجزاء من أرضنا الموعودة والتي كل هضبة وكل وادي فيها مُشبع بالتاريخ اليهودي والتي دفن بها أبطالنا”، ثم أضاف قائلا: “وقد تم انتخاب حكومتي من أجل هذه المهمة المؤلمة والضرورية، وبهذا فإني ملتزم تماماً”.
ولم يكن اختيار أولمرت للمناسبة والمكان لإطلاق مبادرته مصادفة، فقد ألقى كلمته في قلب النقب الذي يشهد عمليات طرد منتظمة للفلسطينيين تعبيراً عن التزامه سياسة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وتجريف الأراضي الزراعية للفلسطينيين، وهدم منازلهم وممتلكاتهم ومنشآتهم، وتهجيرهم وتشريدهم وملاحقتهم، وحشر من يصمد منهم في وجه الإجراءات الوحشية العنصرية للاحتلال في مناطق ضيقة تحيط بها المستوطنات اليهودية من كل جانب. وهي سياسة عنصرية فاشية وضع أسسها بن غوريون الذي كان يحلم بطرد الفلسطينيين من النقب وإقامة مدن يهودية على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية هناك.
كما أن أولمرت جسد بتصريحاته، حول رغبة حكومته بإقامة سلام (زائف) مع الفلسطينيين، حلم بن غوريون الذي كان يطمح إلى كسب ود الشعوب العربية بعقد ميثاق سلام معها، وذلك بعد الاستيلاء على كل فلسطين وإقامة دولة يهودية عليها وتوسيعها على حساب أراض عربية مجاورة، دون أن يعترف بوجود الشعب الفلسطيني وحقه في أرض آبائه وأجداده.
وفي ظل ما تشهده القضية الفلسطينية من تحول جوهري في مشروع التحرر الفلسطيني، وتصاعد المقاومة الإسلامية كماً ونوعاً ووصول حماس إلى السلطة والحكم، وفي ظل الانتكاسات المتتالية التي مُنيَّ بها المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط ووشوك انتهاء الحقبة الأمريكية، ومع انهيار قوة الردع العسكري لجيش الاحتلال، ومع فقد كيان الاحتلال التعاطف الشعبي الأوروبي، فإن تصريحات أولمرت ما هي إلا مجرد أضغاث أحلام، ولو شهد بن غوريون الوضع الراهن للكيان الذي أسسه لصدم حتى الموت… فلم يغادر المشروع الصهيوني العام 1948م.
ومما يؤسف له أن تصريحات أولمرت تنطلي على فئة لا ترى في القضية الفلسطينية سوى وسيلة لتحقيق مصالحها الشخصية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى حساب جراحات وآلام الشعب الفلسطيني وتضحياته الجسيمة، فسارعت تلك الفئة التي اتخذت من أوسلو غطاء لمآربها الشخصية التناغم مع تصريحات أولمرت وترويجها وأخذها مأخذ الجد، محاولة نبش المقابر للعثور على ما يمكن أن تتلهى بها وتخدع شعبنا الفلسطيني، كخطة خارطة الطريق التي لا تتضمن غير وعود سرابية لا تسمن ولا تغني من جوع.
لقد أفل زمن الأحلام الصهيونية وبات المشروع الصهيوني آيلاً للسقوط والفشل، ولم يعد يعيق هذا السقوط إلا بعض الأنظمة العربية التي تدور في فلك واشنطن، وفئة قليلة أتى بها الاحتلال والأمريكان إلى السلطة، ومع الصمود الأسطوري لشعبنا المصابر والمرابط وما يتحلى به من وعي وإيمان، فمن المحال أن يدوم هذا الحال، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...