الإثنين 12/مايو/2025

عملية أم الفدائيات.. أسطورة تاريخية وأصالة عربية

عبد اللطيف القانوع

ما أعظم المرأة الفلسطينية وهي تودع أبنائها وفلذات أكبادها وهم يذهبون للجهاد في سبيل الله وتمزج بين الدموع والزغاريد في آن واحد لتؤكد للعالم أنها هي المرأة الوحيدة التي تمتلك الإرادة الحقيقية والمشاعر الملتهبة .

وما أروعها وهي تنضم إلى خندق المقاومة وتلتف حولها وتقدم نفسها رخيصة في سبيل الله سبحانه وتعالى فداءً للشهداء والأسرى والجرحى.

الحاجة فاطمة النجار “أم محمد” الاستشهادية القسامية التي تبلغ من العمر ما يزيد عن خمس وستين عاما قد سطرت بدمائها الزكية الطاهرة الوفاء للمقاومة والشهداء والأسرى والجرحى والتمسك بالثوابت والحقوق وأرسلت التحية والوفاء لرئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنيه وقائد القسام محمد الضيف كما جاء في وصيتها حيث استطاعت هذه المرأة الفلسطينية “أم الفدائيات ” فاطمة النجار أن تخط بدمائها وجسدها طريق العزة والكرامة .

الاستشهادية الجدة أم محمد كان لها سجل حافل بالجهاد والتضحية في الانتفاضة الأولى في الثمانينات وقد أنجبت رجالاً لهم سجلاً جهادياً أيضاً كما هي فقد كان بيتها الذي يسكن فيه ما يقارب من عشرين فرداً مسكناً للمجاهدين والمطاردين ومأوىً لهم وقد شهدت لها مدينة جباليا البلد التي تسكن فيها أنها كانت تعارك العدو عند إقدامه لاعتقال أحد أبنائها وتمنعه من اعتقاله كانت ثائرة بالفعل كما قالت في وصبيتها ” أنا ثائرة” فتشارك في فعاليات الانتفاضة وساعدت المجاهدين وقدمت لهم الطعام والشراب ووفرت المسكن لهم .

ولم يستمر هذا الوفاء ، والعطاء المتواصل من الحاجة فاطمة حتى أقدمت قوات العدو في الانتفاضة الأولى على هدم بيتها المكون من ثلاث طبقات حتى أحالته إلى ركام واعتقلت أبنها وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات يفت ذلك في عزيمتها وإرادتها بل واصلت المسيرة في طريق العزة والكرامة .

وعند انطلاقة انتفاضة الأقصى شاهدت الحاجة أم محمد بأم عينها المذابح، والمجازر التي يقوم بها العدو الصهيوني، والظلم الواقع على أهل فلسطين من تدمير للحجر، والشجر، والبشر، مما جعلها دوماً تفكر في الانتقام من هذا العدو الجبان، فبدأت تبحث عن الطريق التي يمكن أن توصلها إلى ذاك الدرب حتى أصبحت حمامة من حمامات المسجد العمري الكبير بحباليا ، وكانت أحد المحافظات على الصلاة ، إضافة إلى التزامها بصلاة التراويح في شهر رمضان ، وبدروس العلم والتربية في المساجد .

ولم تتوان الحاجة فاطمة في المشاركة في فعاليات وأحداث انتفاضة الأقصى حتى أنها شاركت في حملة فدائيات الحصار التي قادتها نساء شمال غزة في عملية فك الحصار عن المجاهدين في بيت حانون وكانت تتقدم المسيرة وكانت تدعو الله أن تنال الشهادة هناك في ميدان المواجهة والصمود ولكن الله سبحانه وتعالى لم يكتب لها ذلك وادخرها لتكون أول جدة فلسطينية عربية تفجر نفسها في هذا العدو المجرم .

وقد كان مساء يوم الخميس23-11 يوم تاريخي في حياة الشعب الفلسطيني ونقطة تحول حقيقية في جهاد الشعب الفلسطيني حيث ترجلت هذه المرأة الثائرة وتزنرت بحزام ناسف على وسطها وأقدمت على مجموعة من الجنود وتوسطت تلك المجموعة بجسدها وما أن نطقت الشهادتين حتى أصبح من حولها من اليهود أشلاء متناثرة في سماء المنطقة وجثث هامدة على الأرض .

فالمرأة العربية الفلسطينية كما الرجل تشربت الألم وتذوقت المعاناة، وعانت المصائب ، ونالت نصيبها من المكابدة والمجاهدة غير منقوص ، ولم يراع الاحتلال لها حرمة ، أو يحفظ لها شرف ، أو يوقر لها أمومة ، وهي الأم أو الأخت أو الزوجة أو الابنة الضعيفة ، مهيضة الجناح ، بحكم تركيبتها النفسية والجسدية التي لا تقوى على تجرع الصدمات وموجات المعاناة ، وتحتاج دوماً إلى الرعاية والمتابعة والاحتضان.

ولكن رغم كل ذلك إلا أن المرأة الفلسطينية أصبحت اليوم تعيد الأصالة الحقيقية للمرأة العربية والوفاء لفلسطين وشكلت منعطفاً واضحاً في تاريخ المرأة الفلسطينية فقد باتت على خط المواجهة الساخن مع قوات الاحتلال ، تبادله النار بالنار، والدم بالدم ، والقتل بالقتل ،دون أي تردد أو نكوص .

لم يشهد التاريخ موقف كهذا ولا في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث كانت الصحابيات يشاركن في مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في بعض المعارك بتقديم الطعام ،ونقل الجرحي، وتعزيز تواجد المقاتلين ،حيث تقول أم عطية الأنصارية : “غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى” ولم تكن هذه الصورة المشرقة في ذلك الزمن ولكن الإيمان الوثيق بالله والانتماء الحقيقي للوطن والوفاء لدماء الشهداء والجرحى وأنات الأسرى والإرادة القوية هي التي جعلت هذه الحاجة أن تقدم على هذا العمل الجهادي العظيم لتكون أول جدة فلسطينية قسامية استشهادية يزيد عمرها عن خمس ستين عاما.

ومن الرسائل التي تحملها هذه الحاجة أم محمد في عمليتها البطولية رسالة واضحة لكل من ينادي بالاعتراف بإسرائيل أنه لا يمكن لنا كشعب مقهور ومظلوم نساء وشباباً وشيوخاً وأطفالاً حتى الأجنة في بطون الأمهات أن نعترف بهؤلاء القتلة المجرمين السفاحين وسنبقى جميعاً قنابل بشرية موقوته تتفجر في عمق الكيان الصهيوني المجرم .وتحمل رسالة لكل من يقول بعبثية المقاومة وصواريخ المقاومة ويثبط رجال المقاومة ويزايد على المقاومة أن الشعب الفلسطيني كله بكافة أشكاله وأطيافه وأعماره يلتف حول المقاومة ويهتف للمقاومة وللمجاهدين ولا يمكن لنا أن نتخلى عن المقاومة .

وما تكتيكات المقاومة الأخيرة في شمال غزة من عملية فدائيات الحصار، والدروع البشرية، عملية أم الفدائيات لدليل واضح على التفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة والمجاهدين وتبنيه المقاومة كخيار استراتيجي لتحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها.

فالعملية الاستشهادية التي نفذتها الحاجة فاطمة النجار “أم الفدائيات” هي كافية لهز المشاعر الإنسانية ،وبث اللين والرقة في أقسى القلوب ، وأعتى النفوس البشرية، وتحقيق التأثير الإيجابي البالغ الذي يرفد المقاومة بنماذج رفيعة المستوى عظيمة الهمة عالية العطاء شديدة الإيمان راسخة العزم واثقة النفس عميقة الحب للدين والوطن والقضية وكانت كافية لإخراس كافة الألسنة ،وإخماد سائر الأقلام المسمومة التى أوغلت في مواقف وأفكار ومبادئ وسياسات وتوجهات حركة حماس نهشاً وطعناً وتجريحاً .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات