الأربعاء 07/مايو/2025

غير اليهود في منظار اليهودية

غير اليهود في منظار اليهودية

صحيفة الشرق القطرية

ألبيرتو دانزول كاتب فرنسي ذو خلفية ثقافية علمانية، رمى في هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على هيكلية خفايا التفاسير والتلمود ودوره الآثم في بناء شخصية اليهودي، حتى أصبح أشد المخلوقات عداوة لبني البشر، كما أنه أوضح البنى الذهنية للأحبار والحاخامات ودأبهم المستمر لتكريس انعزال وانغلاق اليهودي وتكبره وتغطرسه، الذي كانت نتيجته عدم تفاعله في المجتمعات الإنسانية قاطبة، وذلك كله مسند إلى شريعة إلهية. فالكنيس والتوراة المنحولة والتلمود هم وطن اليهودي وقضاء يهوه وأوامره على الأرض؛ بما فيها أوامر القتل والإبادة الجماعية؛ بدءاً من إبادة الكنعانيين- تاريخياً- إلى مذبحة دير ياسين؛ وصولاً إلى مذبحة صبرا وشاتيلا، ولا تزال هذه الجرائم والمجازر النفسية العدوانية في حالة حرب مستمرة على أرضنا فلسطين، إذ إن أي حالة سلم أو تفاعل بشري طبيعي متكافئ لا يمكن أن تظهر في أدبياتهم، ولا في تفاسير وتربية مرشديهم .

بهذه الكلمات قدمت دار الأوائل للنشر والتوزيع بسورية أحدث مطبوعاتها كتاباً جديداً خطيراً جداً عنوانه «اليهود والغيرية» من تأليف: ألبيرتو دانزول قامت بترجمته بعناية فائقة د. ماري شهرستان.

الكتاب يتكون من ستة فصول تسبقها مقدمة ومدخل وتنتهي بخاتمة، في المقدمة عرف المؤلف معتقد اليهود بأن اليهودي مصنف في الأعلى دائماً، وهو مجهز بدماغ وروح إلهية قادرة أن تربطه بواسطة المعرفة بالخالق. وفي درجة أدنى يكون غير اليهودي مجهزاً بدماغ لكنه لا يملك روحاً إلهية. وفي أقصى الأسفل؛ أي في حدود الحيوانية يوجد الزنجي، وهو كائن غير عاقل، وبالتالي؛ تحركه- فقط- رغبات جسده. وهذه ظاهرة تخرج من ميدان الإيمان، وهي معرفة جيداً من قبل الذين يهتمون بمسألة العنصرية: وجود تيار من عقدة الآخر Alterophope في العالم الماضي والحاضر، وقد يبدو- في البدء- وكأنه متناقض .

وهناك عدة أعمال حديثة بينت أن اليهود المتدينين أو الأرثوذكس هم أكثر حساسية للموضوع العنصري من اليهود الملحدين. هذه الظاهرة هي واضحة جداً في “إسرائيل” على سبيل المثال. فبحسب سيمون إيبشتاين وهو دكتور في العلوم السياسية وباحث إسرائيلي متفرغ لدراسة العنصرية فإن دعم العنصرية في “إسرائيل” منتشر – بشكل واسع – عند جميع الشباب، لكنه أقوى- بشكل واضح – عند الشباب المتدين أكثر منه عند العلمانيين. ويشير إيبشتاين أيضاً إلى أن مدرسي المدارس الدينية حساسون بجزء على الأقل من المواضيع العنصرية أكثر من طلاب المدارس العلمانية الذين يفضلون الصمت .

وفي المدخل أعطى المؤلف لمحة سريعة عن المجتمع اليهودي في القرن الأول من وجهة نظر علاقاته الغيرية (مع الآخرين) وقد فعل ذلك أولاً انطلاقاً من مصادر يهودية وغير يهودية. الواحدة تؤكد الثانية والعكس صحيح. وبحث كذلك في مكانة التوراة في هذا المجتمع بالرجوع- كمصادر- إلى الميشنا، وقد درس في المدخل كذلك الغيرية في معناها الأوسع، ليس- فقط- الآخر الأجنبي، بل أيضاً المختلف: المرأة، المنحرف، العاجز، والذي حُط من مقامه. المصادر اليهودية والمصادر غير اليهودية تبدو مؤكدة رفض اليهود للغيرية، أي للآخرين. هذا الموقف الغَيْري المَرَضي هو ظاهرة تاريخية حددت- بشكل كبير- حياة اليهود وعلاقاتهم مع الآخرين .

في الفصل الأول «مجتمع منفصل أو منعزل» يتناول المؤلف مجتمع اليهود المنفصل المنعزل حيث تبدو كتابات العهد القديم وكأنها تقدم عالماً تحتل في السلالة مكاناً بارزاً وسائداً ومقرراً لمصير الأفراد والشعوب. فإذا كانت فكرة النشوء الآدمي الواحد لمجموع البشرية قد ثبتت، فإن نصوص سفْر التكوين تعرض نوعاً بشرياً جذرياً بدأ تشكله اعتباراً من نوح. هذا التنوع يبدو وكأنه محرك لتاريخ اليهود والعالم؛ ف”إسرائيل”- بمقاومتها للآخر- سوف تتعلق إلى الأبد بالموقف الرحيم ليهوه، أما الآخر؛ فبخضوعه ل”إسرائيل” عندئذ لن يُقتل، ولن يُباد .

وقد بحث المؤلف في هذا الفصل هوس اليهود السلالي، إن مفهوم الشعب الذي يعود إلى فكرة الانتقاء يستند إلى معتقد السلالة الواحدة والمشتركة الذي يعود- بدوره- إلى إبراهيم وإلى أبناء يعقوب الاثني عشر جداً، أسباط “إسرائيل” الاثنى عشر .

الأمور كلها تبدأ من النبي إبراهيم الذي هو ابن تارح. وهو من بلد اسمها أور الكلدانيين في الرافدين- السفلى، تزوج من ساراي؛ وهي نفسها ابنة تارح (تكوين 20-21) وهي تؤمن بصفاء السلالة. مهما كان الأمر، فهو بهذا الاختيار للقرابة الدموية التي يحترمها بالغريزة والفطرة، يحترم القانون المحرِّم للاختلاطات والذي لن يُعبّر عنه إلا لاحقاً. للأسف كانت ساراي عقيمة: وبدا صفاء الدم العائلي مهدداً، لكن؛ بناء على طلب ساراي (تكوين 16-2) أقام إبراهيم علاقة مع هاجر جاريتهم المصرية. ومنها وُلد له ولد أسماه إسماعيل. طُرِد هذا الولد ووالدته إلى صحراء برسابه، وذلك حتى لا يرث إبراهيم. وقد أعطوهما -بكرم- قربة ماء وخبزاً (تكوين 21-14) ولولا التدخل الإلهي لكن حُكم عليهما بالموت، تكوين (21-15-19) عاش إسماعيل رغم كل ذلك وأصبح جد أمة كبيرة؛ لأن يهوه قد أكد أنه من نسل إبراهيم «أما بالنسبة لابن الجارية؛ فأصنع منه أمة كبيرة؛ لأنه من نسلك» (تكوين21-13) وبذلك يبدو أنه ارتسمت هنا نظرية ومعتقد يحاول إخضاع التاريخ لقرابة الأسلاف، ويقيم رابطاً بين المنشأ الإثني والمجد القومي. وإبراهيم -أيضاً- كان له أولاد من قيطورة، وهي أجنبية طُردت بدورها، (مديان جد المديانيين) هو أن النبأ الجديد الجيد الذي بشر الله به إبراهيم قد تحقق أخيراً: سارة ولدت إسحق، فعلى عكس إسماعيل أو مديان فإن إسحق ليس ثمرة خليط. هو وحده سوف يرث إبراهيم (لقد أعطى إبراهيم كل ما يملك لإسحق) (تكوين25-5) هو وحده فقط لن يطرد .

ويبدو أن العهد القديم قد طور نظرية العالم المبني على غير الخليط، مبني على الفصل. مزج المتنافر، ويبدو أنه ينظر إليه وكأنه وصمة لنظام الخلق، وكأنه إعادة نظر في المخطط الإلهي وتهديد لتوازن العالم. وقد أمر سفر الأحبار بألا يُمارس مزيج الأنواع. “لا تزوج في ماشيتك حيوانات من نوعين (جنسين)، لا تبذر في حقلك حبوباً من نوعين، نسيج ممزوج. وهذا القانون الذي يمنع اختلاط النباتات والحيوانات، يتوجه -أيضاً- للبشر، أو تحديداً للعبرانيين. فلأن يهوه قد ميز شعب “إسرائيل” عن باقي الشعوب فوجب- بحسب المبدأ التسلسلي نفسه- تمييز الحيوانات الطاهرة من الحيوانات النجسة: هذا أنا يهوه، إلهك الذي ميزك بين الشعوب. فتُميزون -إذاً- بين حيوانات طاهرة ونجسة.. (أحبار 20-24-25) .

الفرق بين “إسرائيل” والآخرين هو -إذاً- في مرتبة: طاهر ونجس، مقدس ودنيوي. فمنذ ذلك الحين أصبح الاختلاط والمزج والاحتكاك مستحيلاً، إذ إنه في مرتبة الدنيوي غير الطاهر. ومن جهة أخرى؛ عندما يصبح الإسرائيلي نجساً لاحتكاكه بالأجنبي فهو يجازف- بدوره- بتدنيس الهيكل .

وفي الفصل الثاني «مجتمع مُحوجب» (مُحوجز) يتناول المؤلف آلية الرفض، وأحياناً قتل الإنسان داخلياً، والاختلاف الذي هو ليس- فقط- موقفاً مرتبطاً برفض الوثنية. ففي الواقع تقوم في المجتمع الإسرائيلي نفسه عملية نبذ، تُهمش أو تُلغي بعض أعضائها -مع أنهم إسرائيليون- بمجرد أن يظهر اختلاف في منشئهم، أو تصرفهم، أو مظهرهم الفيزيائي.. هنا مثل هناك، هو كلام يهوه طبعاً، هو الذي يقدس النبذ، ويعطيه شرعيته التي لا تناقش .

وفي هذا الفصل ذكر المؤلف عدة مجموعات بشرية تبتعد عن النموذج المثالي، مع أنها داخلة في تركيبة المجتمع اليهودي، وهم المرأة، والعاجز، والجذامى، والشاذ جنسياً، والخادم .

وجدت المرأة في وضع تبعية كاملة بالنسبة للرجل: تبعية فيزيائية، إذ إنها قد أُخذت منه، وتبعية روحية، بما أنها أقرب للطبيعة، فبواسطة الرجل يمكن للمرأة أن تصل للإله، أما هذه التبعية فلا يمكن للمرأة إلا أن تتمناها، فهي شرط خلاصها. ألم يقل بولس إن الرجل هو مخلص المرأة. والواقع الاجتماعي للمرأة هو الانعكاس الدقيق لموقعها الديني، فالمرأة قاصر أبدي، معزولة عن الحياة العامة، وقضائياً؛ هي ثروة ملك الرجل. والرجل هو الذي سمى المرأة، وهذا يشير إلى أنه امتلكها .

أما العاجز فهو في المنظور العبراني لا يستجيب للفكرة التي شكلوها عن الإنسان الطاهر، فالعاجز- حتى لو كان من عائلة كهنوتية- فهو لا يستطيع أن يصل ويدخل إلى الكهنوتية، فهم يعتبرون العاهة هي ثمرة جزاء إلهي عادل. فالله أراد أن يُحقِّر، يلعن، يقلب الذي هو قبل ولادته، فاسد. ومن الضحايا الأخرى: الجذامى، فالجذاميون يتعرضون- فعلياً- للتحقير والخضوع فيزيائياً ونفسياً لوضع المطرود. فإذا كان الله لا يفعل شيئاً بدون سبب، فالجذامى يصبح- بسرعة- مشبوهاً، كما أن الجذام في التوراة هو إشارة واضحة للعنة الإلهية .

والصنف الآخر هو العبيد فنجد هناك مقاطع عديدة في التوراة تُظهر خضوع شعوب بأكملها بالقوة لخدمة أبناء “إسرائيل”، والأمور بالنسبة للعبد تسير مثل كل الأمور الأخرى، فاختلاف المنشأ يحدد اختلاف المعاملة. إذ إن العبراني- حتى لو كان عبداً- فهو كائن مقدس ومنذور لخدمة الله، وذلك على عكس الأجنبي، الذي يمكن أن يكون في خدمة اليهودي، وذلك في بعض الحالات، وعندما لا يكون نجساً كثيراً .

وفي الفصل الثالث «نور الأمم» يوضح المؤلف أنه يوجد في التوراة ميل عالمي وتمثُلي، لكنه هامشي في النصوص التوراتية القديمة، ورافضة للفُرُوقات بشكل واضح جداً. ويأتي هذا الميل من الرفض الراسخ والشديد «للغيرية». تستند عملية النبذ في العهد القديم إلى فكرة أن الاختلاف يحمل الدنس. ومنذئذ يُهمش- اجتماعياً- كل من أبدى اختلافاً مثل المرأة، أو ينبذ خارج المُتحد مثل الجذاميين .

الأممية أو العالمية اليهودية هي محدودة ومسلسلة، وذلك على عكس العالمية البولسية. فهناك أمم يجب أن تباد مثل الحثيين والأوريين والكنعانيين واليبوسيين.. وهناك أمم لن تستطيع- أبداً- أن تدخل في المتحد المقدس؛ مثل الأمونيين والمؤابيين والسامريين، وأمم لا تستطيع الدخول إلا في الجيل الثالث؛ مثل الأدوميين والمصريين .

ومن جهة أخرى، يوجد في التوراة مفهوم يجعل من الأمم الأجنبية المتاخمة للعبرانيين أدوات بسيطة يستعملها يهوه لتجربة “إسرائيل”، وهي ليست أراضي للرسالات. وعملياً فإن عالمية اليهود- إن كانت اليهو/مسيحية أو عالمية أشعيا- تفترض نفسها كإمبريالية ثقافية، غايتها تقوية “إسرائيل” (حقوقها) وإلهها و

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات