الأحد 06/أكتوبر/2024

فاطمة النجار وتاج العزة والوقار

عادل زعرب

الاستشهادية فاطمة النجار (أم محمد)، ابنة فلسطين و ابنة كتائب الشهيد عز الدين القسام ، امرأة فلسطينية أعيتها سنون الذل ووجع الاحتلال ، فكانت نوراً يسطع بين أهلها وأولادها وأحفادها ، يذكرهم بفلسطين الجريحة ، و كانت بقوة احتمالها وعزيمتها الجبارة وإرادتها الفولاذية نبراسا يضئ الطريق المظلم ، عاشت مع أهلها سنين العذاب ، فمن هجرة واعتداءات وتشريد الى قتل وسفك دماء، وهي شاهدة على جرائم الاحتلال ، فشكلت لها هذه الجرائم دافعا قويا لأن تكون استشهادية لتحلق روحها الطاهرة في عنان السماء وتلبس فوق رأسها تاج العزة والوقار .

فاطمة .. شدها مغناطيس التقوى وحب الله ، وجراح شعبها ، وعادت بذكرياتها كأشواك الصبار توخزها في كل أنحاء جسدها، وتقهر عذاباتها، فلقد أصبحت بلادها غريبة عنها، وهي لم تتركها بإرادتها، ولقد كان إبعادها قسرياً كما باقي أهالي فلسطين المغلوبين على أمرهم ، فرأت بأم عينيها محنة شعبها الأبي تزداد يوما بعد يوم ويتسع الجرح ويزداد ألما واتساعا ، رأت شعب يهجر ويذبح صباح مساء ، فجلست فاطمة صامدة صنديدة كالجبال الرواسي، وهي قائمة تسكب المدامع من كثرة المواجع، عندما دار سؤال في أفلاكها، وراودها عقلها أن تطرح الإجابة من ذاتها وهي الفدائية التي شاركت فدائيات الحصار فك الحصار عن المقاومين في مسجد أم النصر ببيت حانون .

ولم يفتّ الصبر في عضدها، ويتوه بين أنفاسها الماضي، وما يخبئه المستقبل، ولم تنحني ولم تستسلم وظلت تحافظ على روحها الوثابة رغم أنها جاوزت السابعة والخمسين، وأم لسبعة أبناء وابنتين ولم يثنيها ذلك عن مواصلة دربها وأدركت بقلبها أنها لا تمتلك سوى ارداتها وإيمانها وعزة نفسها وجسدها المكنون ، ويعتصر قلبها الحسرات، ليس خوفاً على نفسها ولكن خوفاً على شعبها وقررت صب جام غضبها على الاحتلال .

وأخذت فاطمة تفكر وتفكر ثم انطلقت كصاروخ شق عنان السماء سأكون الاستشهادية لأفجر نفسي في ذئاب الغدر الذين جاءوا إلينا مكشرين عن أنيابهم، لقد جاءت ساعة اللاعودة، لقد دمروا بيوتنا وقرانا وأخرجونا من ديارنا فحلت عليهم لعنة السماء ، وحل علينا القيام بواجبنا إنها الشهادة تنادينا ، فسمعت هاتفا أن حي على الجهاد فقامت فتوضأت واستلت حزامها الناسف ومن ثم اتجهت نحو جنة عرضها السموات والأرض فسلام عليك يا ابنة فلسطين يا ابنة القسام في عامك السابع والخمسين الذي تمثل أعوام نكبة فلسطين فلك منا التحية والسلام .

وتبقى (أم محمد) شاهدة على جرائم الاحتلال ، وشاهدة على العصر الذي يسمون فيه الضحية بالإرهابي، والإرهابي السفاح بالضحية، وستبقى شاهدة على انتصاب الذكريات الملتهبة في عقولنا ولا زلت ترددين : أيتها القوافل المحتشدة من العذابات والذكريات في صدري!! آه.. يا وطني الممزق المعذب!! فما زلت رغم الجراح معتصماً بحبل عقيدتي، وما زلت أكتم آهاتي بين جوانحي، وفي قلبي الذبيح أسرار مدفونة منذ أحقاب زمنية بعيدة، ما زلت أنادي في هذا العالم الظالم أهله.. رفقاً بجوارحي من هول المصير، ولطفاً بقلبي المحطم من غربة الأحزان، وعهداً يا نياط القلب عهداً.. ألا يغيب طيفك عني يا قدس ساعة فأنت في قلبي ووجداني….

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات