الأحد 06/أكتوبر/2024

واللي مش عاجبه يشرب البحر

واللي مش عاجبه يشرب البحر

السلطة الفلسطينية قد تقع في نفس أخطاء أوسلو وما جرته على الشعب الفلسطيني من غبن، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه واللاعبين هم ذاتهم، فالصهاينة يقدمون أشكالاً من التكتيك السياسي الذي لا يؤثر على تحكمهم في زمام الأمور عسكرياً أو سياسياً في حين أن الفلسطينيين يقدمون كل أنفسهم قرباناً على مذبح مفاوضات لا تسمن ولا تغني من جوع وتنازلات لا يمكن التراجع عنها..

فأوسلو أدخلت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير إلى الأراضي الفلسطينية تحت حراب الاحتلال وبأجندة أمنية كبيرة رأس الانتفاضة كان جزءاً بسيطاً من أولوياتها، وكل ذلك في مقابل إعادة موضعة الاحتلال، وقبل أن يتفق على خطوط المرحلة النهائية اللهم إلا الثقة المطلقة في الراعي الأمريكي «النزيه جداً جداً» وهو ما انتهى لانفجار الانتفاضة المباركة الحالية.

واليوم كما بالأمس خريطة الطريق تطالب الفلسطينيين بإنهاء الانتفاضة وتجريد القوى المقاومة – خاصة الإسلامية – من أسلحتها وضرب بنيتهم التحتية التي تعني – في هذه الحالة – جذور المقاومة ومؤسساتها الفكرية والشعبية.. واعتقال رموزها وتصفية العناصر التي لا تنسجم مع المعطيات الجديدة.. إلى غير ذلك مما هو انقلاب على الذات وحرق للمنجزات، وما هو انتحار جماعي واستسلام بالكلية يمتد في الزمان والأيديولوجيا والظروف إلى الحد الذي إما أن يؤدي لانهيار المشروع الوطني بالجملة أو لحرب أهلية لا تبقي ولا تذر.. هذا ما يراد على الأقل.

وكل هذا في مقابل وعود بتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وهي كلمات إنشائية قد لا يتجاوز محتواها أكثر من رفع حاجز عسكري هنا أو هناك أو إعادة موضوعته أو ذر الرماد في العيون بالسماح بدخول بضعة آلاف من العمال الفلسطينيين إلى منطقة الخط الأخضر أو ما شابه.. مع استمرار الاحتلال واستهداف قوى المقاومة وسياسة الاغتيالات وبناء المستوطنات، ودون القبول بجهة محايدة – ولا حتى غير محايدة – لمتابعة التنفيذ المتوازي أو المتوالي، أو حتى الانتقائي لما رسمته خريطة الطريق كالتزامات على الصهاينة.

الغريب في الأمر ليس صياغة خريطة الطريق، فالذين صاغوها هم حلفاء الكيان الصهيوني التقليديون، والتاريخيون، ولا تبني أمريكا لها فهي – أي أمريكا – تسعى لتعزيز الشعور بالانتصار على الأمة بعد حرب العراق، وهو ما يقتضي فرض شروط الاستسلام ولا الغريب هو سكوت الأنظمة العربية على ما يجري، فما عادت هذه الأنظمة ترد يداً ولا تملك حتى وجهة نظر – لصالح المشروع الفلسطيني في هذه الحالة – ولكن الغريب هو أن القيادة الفلسطينية توافق عليها وبدون تحفظات ودون أن تعرضها على مؤسسات السلطة التي طالما تغنت بديمقراطيتها.. لعلهم – أي رموز السلطة – لا يرغبون في تعريض هذا المشروع للطعن والنقض الفلسطيني.. ولكن هذا لا يعطيهم أية وجاهة اعتبارية لممارستها بالفعل إلا أنها قامت تمارسه عملياً برغم ذلك ثم بدأت الترتيبات الأمنية.

أتذكر هنا يوم دخلت السلطة إلى بعض الأراضي المحتلة قبل عشر سنوات وقد روجت لنفسها بالقول نحن حررنا غزة وأريحا وأنتم حرروا الباقي – والخطاب موجه للمقاومة – التي تخوفت من تداعيات الاتفاق ثم إذا بها تنقلب على المقاومة وتمس جوهرها بحجة الوفاء بالتزامات.. وها هم اليوم يفعلون الشيء نفسه فهم يقولون: من حق الجميع أن يتكلم ولكن لا سلطة إلا السلطة، وفي نفس الحين يوافقون بالمطلق على ما يمس الانتفاضة والمقاومة فلسان حالهم يقول: أنتم لكم حق الكلام ونحن لنا حق الفعل، وأنتم عليكم التضحية ونحن علينا الحصاد.. واللي مش عاجبه يشرب البحر!!

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات