سياسة هدم المنازل وأسطورة شعب لا يقهر

دأب الاحتلال الصهيوني منذ 1967م على ممارسة سياسة هدم المنازل الفلسطينية بذرائع متعددة في ظل تآمر دولي وتخاذل عربي، وقد اتسع نطاق هذه السياسة العدوانية في السنوات الخمس الأخيرة ليصل إلى مستوى جنوني غير مسبوق مهدداً وجود الشعب الفلسطيني وملحقاً أشد أنواع الضرر بالفلسطينيين، بينما يقف العالم حيال هذه السياسة صامتاً لا مباليا ً!!
وتهدف هذه السياسة الإجرامية، التي تعتبر جريمة حرب بحسب القوانين والأعراف الدولية، إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، وملاحقته وتشريده وتهجيره، وتأتي هذه السياسة انطلاقاً من المقولة الصهيونية “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” التي تعتبر من أهم الأسس التي يقوم عليها البناء الفكري الصهيوني، ولذلك فإن مسرح تنفيذ هذه السياسة يرتبط بالوجود الديموغرافي الفلسطيني سواء أكان ذلك الوجود في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1948م أم في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967م.
كما أن هذه السياسة الإجرامية تأتي في إطار العقاب الجماعي الذي يمارسه الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، والانتقام منه، وتدمير اقتصاده، وتحويل حياته إلى معاناة دائمة، ومصادرة حقه الشرعي في العيش بأمن واستقرار على أرض آبائه وأجداده. ويستند كيان الاحتلال الصهيوني في ممارسته لهذه السياسة غير الإنسانية إلى قانون الطوارئ الذي وضعه الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1945م، رغم تعارض ذلك القانون مع معاهدة جنيف الرابعة وأحكام اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية المدنيين في أوقات الحروب وكل القيم والأعراف الإنسانية، ورغم إلغاء البريطانيين لذلك القانون مع نهاية انتدابهم.
ورغم أن كيان الاحتلال يمارس هذه الجريمة ضد شعبنا الفلسطيني تحت ذرائع متعددة، إلا أنه يهدف من ورائها إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تخدم المشروع الصهيوني، وهي: الاستيلاء على الأراضي والمنازل الفلسطينية ومصادرتها، وطرد الفلسطينيين منها، وإقامة مستوطنات يهودية عليها، تمهيداً لإقامة دولة يهودية على أنقاض فلسطين وشعبها.
الاحتلال الصهيوني يتخذ من أمن كيانه المزعوم ذريعة لهدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أما في الأراضي الفلسطينية التي أحتلها عام 1948م، فيصادر الاحتلال الأراضي ويهدم المنازل والممتلكات والمنشآت الفلسطينية ويدمر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الفلسطينية بذريعة تطوير القرى والمدن، وإنشاء الطرق الالتفافية والمطارات… وغير ذلك من الحجج الباطلة. هذا بالإضافة إلى قيام الاحتلال بهدم مئات المنازل الفلسطينية سنوياً بذريعة عدم وجود تراخيص بناء حيث يمارس الاحتلال سياسة تميز عنصري ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ 1948م فيما يتعلق بالمنازل والمنشآت في القدس الشرقية وعكا ويافا والعديد من المدن والقرى الفلسطينية المحتلة.
لقد دمر الاحتلال آلاف المنازل والمنشآت والممتلكات الفلسطينية مشرداً عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين أصبحوا بلا مأوى وفقدوا أرزاقهم وتواصلهم الاجتماعي وحقوقهم الإنسانية، ولم تسلم المساجد والمدارس والجمعيات الخيرية والمصانع والورشات والأراضي الزراعية من التخريب والتدمير على أيدي جيش الاحتلال الصهيوني، وفي حالات كثيرة قام الاحتلال بهدم المنازل على رؤوس أصحابها وإبادة أسر بأكملها بحجة ملاحقة مطلوبين للاحتلال، ولا يزال الاحتلال يتوعد الآلاف من المنازل بالقصف والهدم والتدمير وينذر بتشريد المزيد من الفلسطينيين.
لم تلق سياسة هدم المنازل من وسائل الإعلام العربية والعالمية اهتماماً يتناسب مع حجم الضرر الذي تلحقه هذه السياسة بالفلسطينيين، وثقل المآسي والمعاناة التي تسببها لهم، ومدى الخرق الفاضح والصارخ للقانون الإنساني الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، فقد اقتصر دور الإعلام في التعامل مع هذه السياسة الإجرامية على تجاهلها واعتبارها أمراً طبيعياً بحق الفلسطينيين.
أما بالنسبة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فقد اكتفت بإجراء الإحصائيات حول عدد المنازل التي دمرها الاحتلال وحجم الخسائر المادية التي لحقت بأصحابها، كما أن الأمم المتحدة اكتفت بإصلاح بعض المنازل المدمرة وتقديم بعض المساعدات المالية لأصحابها بدلاً من إجبار الاحتلال على التوقف عن هذه السياسة العدوانية تجاه الفلسطينيين وإخضاعه للقوانين والمعاهدات والأعراف الدولية.
والأمم المتحدة تعتبر أن ممارسة الاحتلال لهذه الجريمة ضد الشعب الفلسطيني مبرر بالمخاوف الأمنية “المشروعة”، من وجهة نظر الأمم المتحدة، التي تساور الاحتلال الصهيوني، وهذا ما صرح به المفوض العام للأونروا، بيتر هانسن، الذي اعتبر ما يصيب الفلسطينيين من معاناة بسبب هدم منازلهم هو من سوء طالعهم، كما ورد في مقال له بعنوان ” أطفال غزة في حاجة إلى النوم الهادئ في سكون الليل” صدر عام 2003م. بل إن بيتر هانسن ينظر إلى سياسة هدم المنازل الفلسطينية من زاوية أخرى تتعلق بما تؤدي إليه هذه السياسة من إثارة غضب الفلسطينيين وما تسببه لهم من يأس !!
وسلوك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تجاه هذه السياسة العدوانية ينسجم تماماً مع مواقف المجتمع الدولي المنحاز للاحتلال والذي لا يكف عن مطالبة الفلسطينيين بالرضوخ لإملاءات الاحتلال والتنازل عن حقهم الإنساني والشرعي والتاريخي في فلسطين، وهو دليل واضح على حجم التآمر الغربي على القضية الفلسطينية… حصار خانق وهدم منازل وقلع أشجار واغتيال واعتقال على مسمع ومرأى من العالم الذي يؤمن بأن ليس من حق الفلسطينيين أن يدافعوا عن أنفسهم ضد الاحتلال، بينما يبرر للاحتلال انتهاك حقوق الفلسطينيين وقتلهم وتشريدهم دفاعاً عن أمنه المزعوم ومغتصباته وسكانها المجرمين.
وفي ظل جور المجتمع الدولي ودعمه للاحتلال وانحيازه له وسكوته على سياسة هدم المنازل التي يمارسها ضد الفلسطينيين، وجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين للدفاع عن منازلهم بأجسادهم وأرواحهم، فقاموا بإطلاق حملة النضال الشعبي المتمثلة بتشكيل الدروع البشرية لحماية المنازل وأصحابها من المقاومين الذين يمارسون حقهم الطبيعي وواجبهم الإنساني والديني والوطني في مقاومة الاحتلال.
وقد نجحت هذه الحملة حتى الآن بفضل الله تعالى ثم بفضل إصرار شعبنا المصابر والمرابط على انتزاع حقوقه بيده دون التعويل على المجتمع الدولي الظالم الذي يكيل بمكيالين ويحول دون تحقيق شعبنا لمصيره وتحرير أرضه.
لقد نجحت هذه الحملة الشعبية المباركة في حماية عدة منازل وإلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال وطائراته الحربية المتطورة وقذائفها الغبية، كما أنها نجحت في حماية المقاومين وعائلاتهم من بطش الاحتلال وأدت إلى زيادة الوحدة والتكاتف والتلاحم بين أبناء الشعب الواحد، كما أنها رسالة إلى العالم كله بأن شعبنا لن يستسلم لبطش الاحتلال وعدوانه ولن يستكين لضغط المجتمع الدولي الظالم.
ولا يزال شعبنا يضرب الأمثال في الصبر والتحدي والصمود ويصنع المعجزات الأسطورية في مواجهته الاحتلال وآلته العسكرية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

لازاريني: استخدام إسرائيل التجويع كسلاح جريمة حرب موصوفة
غزة - وكالة سند للأنباء قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل" للغذاء...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...

حماس: إعدام السلطة لمسن فلسطيني انحدار خطير وتماه مع الاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين، والتي أسفرت عن استشهاد...

تعزيزًا للاستيطان.. قانون إسرائيلي يتيح شراء أراضٍ بالضفة
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام تناقش سلطات الاحتلال الإسرائيلي في "الكنيست"، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون يهدف إلى السماح للمستوطنين بشراء...