الإثنين 12/مايو/2025

هل تتخلى حماس عن السلطة؟!

رأفت مرة

أخطأت حركة فتح في قراءة نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أوصلت حركة حماس إلى الحكم، وظهرت نتائج وتداعيات هذا الخطأ في الأزمات المتلاحقة في الشارع الفلسطيني بأشكالها المختلفة، ومن أبرز مظاهرها أزمة الرواتب والاحتجاجات عليها.

غير أن الخطأ الفتحاوي الأبرز كان في الرهان على إسقاط الحكومة الجديدة، إذ برزت داخل فتح ثلاثة تيارات:

الأول: يدعو إلى عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات ورفض نقل السلطة.

والثاني: يدعو إلى الاعتراف بالنتائج، مع العمل على العرقلة، وصولاً لإسقاط سلطة حماس الجديدة في فترة من ثلاثة إلى ستة أشهر.

والثالث: يدعو إلى نقل السلطة والتعامل بواقعية مع المتغيّر أو التحول السياسي الأبرز الذي أفرزته الانتخابات.

ولما كانت الغلبة داخل فتح للتيار الثاني صاحب نظرية إسقاط حكومة حماس فإن تداعيات استحواذ هذا الهدف على الأداء السياسي لحركة فتح وسياساتها داخل المجلس التشريعي وقرارات عناصرها ورموزها وموظفيها داخل الوزارات والمؤسسات العامة، انعكست سلباً على الحياة الفلسطينية في شكل توترات وأزمات متلاحقة، أخذت مظاهرها في رفض الاعتراف بالحكومة الجديدة ورفض التعامل مع الوزراء الجدد أو تسليم السلطة لهم.

ومع عجز حماس عن توفير المرتبات بالشكل الكافي لحوالي 200 ألف موظف غالبيتهم من فتح بسبب الحصار المالي الدولي والعربي، أصبحت قضية المرتبات على أهميتها وللأسف هي عنوان العمل الفلسطيني والدافع الظاهري لتحريك الإضرابات والتظاهرات، ولو بالقوة، ولو قام بها رجال الأمن المفترض بهم حماية المواطن والمجتمع والمؤسسات العامة ورموز السلطة.

خلل في قيادة فتح

إن كل ما يحصل في الساحة الفلسطينية من تحركات وإضرابات ضد الحكومة الفلسطينية الجديدة التي شكلتها حركة حماس يكشف عن حالة الخلل التي أصابت القيادة السياسية في حركة فتح، حيث إن هذه القيادة جعلت كل حركتها تدور على قاعدة إسقاط الحكومة الجديدة، وبنت كل خياراتها على رهان واحد هو إفشال حماس كمقدمة لإخراجها من الحكم، وعودة فتح مجدداً للإمساك بالسلطة، الأمر الذي عرقل وأجهض كل المحاولات الرامية لتصحيح المسيرة السياسية الفلسطينية ولترتيب البيت الفلسطيني وللتوافق على برنامج سياسي مشترك، ولتشكيل حكومة وحدة وطنية ولإنقاذ المجتمع الفلسطيني من مشاكله الاقتصادية والاجتماعية، ولتعزيز الصمود الفلسطيني.

صعوبة إسقاط حماس

إن رهان حركة فتح على إسقاط حكومة حماس وإجهاض نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، رهان خاطئ، للأسباب التالية:

أن وصول حماس إلى السلطة هو وصول سلمي سليم تمّ ضمن آليات عمل النظام السياسي الفلسطيني، ووفقاً للدستور، وعبر انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية. والنظام السياسي الفلسطيني هو نظام تعددي يسمح بتداول السلطة لا احتكارها. وفوز حماس تمّ بقرار وإرادة الناخب الفلسطيني، واحترام النتائج احترام للمواطن الفلسطيني الذي يبقى هو الأساس.

أن وصول حركة حماس إلى الحكم يعني وصول برنامج المقاومة إلى الحكم، وهو البرنامج الذي خاضت الحركةُ الانتخابات على أساسه، وكان محور البيان الوزاري وبرنامج الحكومة، مع ما يحمله ذلك من أولويات أخرى كالوحدة الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس سياسية وتنظيمية جديدة.

وبرنامج المقاومة عند حماس يعني تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، واعتبار المقاومة المسلحة فوق فلسطين كلها خياراً إستراتيجياً للتحرير، ويضمن حق العودة للاجئين ويرفض الاعتراف بشرعية الاحتلال ووجوده، ويعارض الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال ونهج التسوية التفاوضي والتفريط بالأرض والمقدسات. وهنا جوهر الخلاف مع بعض الجهات الفلسطينية، وهنا سرّ الرفض الأوروبي الأمريكي للتعامل مع حماس أو الاعتراف بها.

حكومة الوحدة الوطنية

إن العناصر الثلاثة السابقة تعني لكل من يقرأ ويحلل أن حركة حماس لن تسمح بوأد التجربة وبإجهاض الخطوة، ولن تقبل بالانقلاب على السلطة الجديدة، خاصة أن برنامج حماس لم يأخذ طريقه إلى التطبيق، بعد مسارعة بعض الأطراف الدولية إلى محاصرة الفلسطينيين وحكومتهم الجديدة، ومع مسارعة بعض العرب والفلسطينيين إلى الانسياق وراء هذا الحصار وغاياته.

إذاً المطلوب من فتح اليوم قراءة نتائج الانتخابات التشريعية ومدلولاتها، وارتباط ذلك بنهج حماس ومشروعها المقاوم وسياساتها الإصلاحية، وترك نظرية العرقلة والإسقاط، والتحول نحو قاعدة التعاون والشراكة من أجل تصحيح المسيرة الفلسطينية سياسياً واجتماعياً، ما يسمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز التصدي للخطر الصهيوني، فالوضع لا يسمح باستمرار فتح في قراءتها الخاطئة هذه لمدة أربع سنوات أخرى.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات