الأربعاء 26/يونيو/2024

التأصيل التاريخي لعروبة مدينة القدس

التأصيل التاريخي لعروبة مدينة القدس

يغلب على هذه الصفحات الطابع الببليوجرافي، لا التحليل؛ فهي تستهدف الوقوف على، أو الإلمام بجملة من المفاتيح والأدلة إلى المصادر والمراجع ذات الصلة المباشرة بواحد من أهم جوانب قضية القدس، ألا وهو الجانب التاريخي.

في الوقت نفسه، تضع هذه الصفحات عروبة القدس، وتأصيل أدلة هذا البعد المهم من أبعاد هوية المدينة العريقة، في بؤرة الضوء؛ لينال حقه في الذود عنه، فإن الانتفاض دفاعاً عن القدس، ليس مقصوراً على الاستشهاديين، أو المجاهدين، أو رماة الحجارة، فحسب، من أبناء الشعب الفلسطيني البطل، بل إنه ـ الذود أو الدفاع عن القدس ـ واجب ينسحب على كل من له علاقة بالمدينة المقدسة: وطنياً، أو قومياً، أو إسلامياً، أو (بحثياً)، في مواجهة تلك القلة من الصهاينة، المارقين على كل حقائق التاريخ، وثوابت الجغرافيا، وأصول العقائد الصحيحة.

فبرغم أن عروبة فلسطين، ومدينة القدس، باتت من المسائل المحققة علمياً، والمتواترة تاريخياً وسياسياً، لا تزال دوائر الدعاية الصهيونية عامة، والإسرائيلية، خاصة، تخوض وتتمادى في تنكرها لهذه الحقيقة. الأمر الذي يفرض ضرورة الإحاطة بأهم المصادر، التي توثق لعروبة هذا القطر، وهذه المدينة، وتفند الدعاوى الصهيونية والإسرائيلية في هذه المسألة، خاصة إذا كان جانب من هذه المصادر بمنزلة (شاهد من أهلها)؛ إذ إن المصادر اليهودية* قبل العربية والإسلامية تشهد بعروبة فلسطين، ومدينة القدس، وهو ما يضفي على هذه المعالجة الطابع العلمي الموضوعي، بعيداً عن الترويج الإعلامي، أو التحيز السياسي.

قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف عام، كانت أولى الهجرات العربية الكنعانية إلى شمال شبه الجزيرة العربية، واستقرت على الضفة الغربية لنهر الأردن، أي المنطقة الجبلية من فلسطين، منسابة إلى البحر المتوسط. وسميت الأرض: من النهر إلى البحر، بـ “أرض كنعان”، وأنشأ هؤلاء الكنعانيون مدينة (أورسالم). ثم استقبلت تلك المنطقة ـ 2500 ق.م ـ بعض القبائل القادمة من جزر البحر المتوسط، تسمى قبائل (فلستين)، إلى سواحله الشرقية الجنوبية، عُرفوا بسكان السواحل أو (بالستين). واختلط هؤلاء المهاجرون الجدد بالكنعانيين، لكن غلب الدم الكنعاني على هذا الشعب، وغلب اسم (بالستين) على المكان.(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ

* انظر: – “الكتاب المقدس، العهد القديم”، طبعة دار الكتاب المقدس بالشرق الأوسط، توزيع معهد الدراسات القبطية بالمتر البابوي بالقاهرة، أسفار (التكوين- الخروج- التثنية- يشوع- القضاه- صمويل الأول- عزرا).

– “دائرة المعارف اليهودية العامة”، جـ 8، ص 358، نقلاً عن: ظفر الإسلام خان، تاريخ فلسطين القديم، ط 6، بيروت، دار النفائس، 1992، ص 153.

– د. محمد خليفة حسن، “عروبة القدس في التاريخ القديم مع نقد تحليلي لصورة أورشليم في العهد القديم”، رسالة الشرق، الجيزة، مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، 1995، ص 9 و 53.

– د. جوزيف موسى حجار، “القدس- ماضيها وحاضرها”، ط1، دمشق، 1995، ص 8.

– محمد أحمد أبو الفوارس، “هل لبني إسرائيل حقوق توراتية في فلسطين العربية”، ط2، القاهرة، بيت الحكمة للإعلام والنشر والتوزيع، 1995.

– د. عبد الفتاح مقلد الغنيمي، هل لإسرائيل حق تاريخي في فلسطين، ط1، القاهرة، العربي للنشر والتوزيع، 2000، ص 157 و174.

– د. محمد سبعاوي، “القدس عربية بنص التوراة”، سطور، لندن، أغسطس، 1997، ص 35.

– د. عبد الخالق عبد الله جبة، “عروبة القدس في الفكر اليهودي”، الأهرام، القاهرة، 20/8/1996.

– أحمد عبد الوهاب، “القدس في الأسفار الإسرائيلية”، الأهرام، القاهرة، 25/8/1998.

(أبرز ما انتهت إليه هذه المصادر هو تقريرها، أو اعترافها- خاصة دائرة المعارف اليهودية- بأن فلسطين أصبحت بلاد عربية، ليس بسبب الفتح (المحمدي) فحسب، ولكن لأن العرب قد أتوا إليها، منذ قرون مضت. وكذا أثبتت هذه المصادر أن كل الأسماء التي عرفت بها هذه المدينة- باستثناء إيليا- هي أسماء عربية، حتى (أورشليم، وصهيون).
ــــــــــــــــــــــــــــ

تؤكد أعمال التنقيب البريطانية التي تمت في تلك المنطقة، عام 1961، أن الوجود الكنعاني اليبوسي بها، وبالقدس تحديداً، يعود إلى ثلاثة آلاف عام.(2)

كانت بعثة أثرية بريطانية قد أجرت أعمال التنقيب تلك، ولم تعثر من خلالها إلا على فخاريات منقوش عليها، باللغة الكنعانية، أن المؤسسين الأوائل لمدينة القدس هم اليبوسيون، كما كشفت تلك البعثة أنه كان بالمنطقة، التي وجدت بها تلك الآثار، قلعة لليبوسيين.(3) كان هذا من حيث نقطة البدء.. التاريخ.

أما من حيث الموقع. فقد جعل اليبوسيون مقر سكناهم بادئ الأمر، على بعض المرتفعات المجاورة لنبع ماء لا ينضب. وهو يدعى، اليوم، بعين أم الدرج، في قرية سلوان الواقعة في الضاحية الجنوبية من مدينة القدس الحالية. وحصَّن اليبوسيون ذلك الموقع، أو تلك المدينة.(4)

وبمرور الزمن، هجرت تلك المدينة، وحلت محلها نواة رئيسية لمدينة أكبر، تقوم على مرتفعات وتلال أخرى، هي: مرتفع الزيتون، مرتفع الحرم، مرتفع صهيون، وهذه تقع داخل ما يعرف، حالياً، بالقدس القديمة، التي يحيط بها سور القدس الشهير، الذي بناه السلطان العثماني سليمان القانوني، في العصر الإسلامي، 1542م، والمعروف بأبوابه السبعة.(5)

أول اسم ثابت لمدينة القدس هو (أورسالم)، يوم أسسها الكنعانيون العموريون، القادمون من جزيرة العرب، في بداية العصر البرونزي، أي قبل خمسة آلاف عام. وهذا الاسم العموري يعني (أسسها سالم). وقد ورد في نصوص مصرية قديمة، تعود إلى عهد سنوسرت الثالث (1879-1842 ق.م). ثم ذكرت في ألواح تل العمارنة، التي تضمنت ست رسائل، بعث بها ملك المدينة (أورسالم) إلى أخناتون، فرعون مصر، في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، تحديداً في 1370 ق.م. ثم ما لبثت تلك المدينة أن أخذت اسم (يبوس)، نسبة إلى اليبوسيين. وهم من بطون العرب، أيضاً، وقد بنو قلعتها (صهيون)، التي تعني بالكنعانية (مرتفع)، كما بنوا هيكلاً لإلههم (سالم)، فكان بيتاً للعبادة.(6)

كان اسم (أورسالم) قد ظهر، لأول مرة في التاريخ عام 2500 ق.م، على تماثيل مصرية صغيرة. ووجد، أيضاً، هذا الاسم على ألواح أثرية أخرى، اكتشفت مؤخراً في سوريا. أما اسم (يبوس) فقد وجد في رسالة آخر ملوك الكنعانيين (عبد حيبا) إلى فرعون مصر (تحتمس الأول)، عام 1550 ق.م، يطلب فيها الأول من الأخير عونه وحمايته، من بعض أعدائه، وكان خاضعاً ـ تابعاً ـ له.(7)

تذكر مصادر تاريخية أُخرى أن الملك اليبوسي (ملكيصادق) هو أول من بنى يبوس، وكان محباً للسلام، حتى أطلق عليه “ملك السلام”، ومن هنا جاء اسم المدينة (سالم). وبرغم أن تلك المدينة قد خضعت لفراعنة مصر، فلم يحاولوا تمصيرها، واكتفوا بتحصيل الجزية من سكانها. وكانوا يطلقون عليها تارة اسمها اليبوسي (يابيشي)، وتارة اسمها الكنعاني (أورسالم).(8)

لا تثبت المصادر التاريخية* ريادة العرب (الكنعانيين ـ العموريين ـ اليبوسيين) في عمران أرض فلسطين، وتشييد مدنها وقراها، فحسب، بل إن من هذه المصادر ما يعود بتلك البداية إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد، ثم إنها تلتقي جميعها، ومعها المصادر اليهودية ـ كما سبقت الإشارة ـ على حقيقة أن تلك الأرض كانت ملكاً لهؤلاء العرب، قبل أن تطأها قدما أبى الأنبياء، إبراهيم ـ عليه السلام ـ وقبل أن يكون هناك يهودية، أو يهود، أو اسحاق، أو داود. وظلت تلك الأرض عربية، كذلك، يوم نزل بها هؤلاء، بل ويوم تمكنوا ـ كما تمكن نزلاء أو غزاة كثيرون غيرهم ـ من إقامة ملك (عارض) لهم بتلك الأرض، سرعان ما سقط، ثم زال.

لم تحظ مدينة في التاريخ البشري، بما حظيت به القدس من أهمية، جعلتها محط أنظار النازحين، والنزلاء، والغزاة، وكان ذلك سبباً في احتلالها خمساً وعشرين مرة، وتدميرها وإعادة بنائها ثماني عشرة مرة.(9)

ــــــــــــــــــــــــــــ

* انظر: – د. هند أمين البديري، “أرض فلسطين بين مزاعم الصهيونية وحقائق التاريخ”، دراسة وثائقية، القاهرة، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، 1998، ص 141 و 277.

– وليم فهيم، “الهجرة اليهودية إلى فلسطين”، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974، ص 67 و 95.

– كيث وايتلام، “اختلاق إسرائيل القديمة.. إسكات التاريخ الفلسطيني”، ترجمة: د. سحر الهنيدي، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، سبتمبر/ أيلول، 1999.

– رجاء جارودي، “فلسطين أرض الرسالات”، ترجمة: د. عبد الصبور شاهين، القاهرة، دار التراث، 1986، ص 187.

– أسمهان شريح، “كنعان والكنعانيون”، صامد الاقتصادي، عمان- الأردن، يوليو/ تموز، 2003، ص 10 و 25.

– د. عبد الرحمن رشدي الهواري، “عروبة فلسطين في التاريخ”، الوفد، القاهرة، 15/5/1998.

– د. عبد الفتاح مقلد الغنيمي، “عروبة القدس منذ 400 سنة ق.م “، الأهرام، القاهرة، 30/11/1998.

– وجيه أبو ذكرى، “القدس عربية عبر العصور”، القاهرة، دار الكاتب العربي للطباعة وا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامهدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، منزلين في رام الله وأريحا، ضمن انتهاكاتها المتصاعدة ضد...

الاحتلال يعتقل 19 مواطنًا في الضفة

الاحتلال يعتقل 19 مواطنًا في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني، 19 مواطنًا على الأقل، منهم والدة مطارد، خلال حملة دهم - فجر الأربعاء- في...