الإثنين 21/أكتوبر/2024

صدمة رامسفيلد ورعب إسرائيل

صدمة رامسفيلد ورعب إسرائيل

صحيفة البيان الإماراتية

تساقط صقور المحافظين الجدد كأوراق الخريف، وتلاشت مقولاتهم عن حرب تحرير العراق، وميلاد شرق أوسط ديمقراطي جديد مثل زبد البحر، وانفض سامرهم الصاخب، مخلفاً صمتاً أشد وطأة من صمت القبور .

ولم يقطعه سوى السقوط المدوي لواسطة عقدهم وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، وخروجه الفضائحي من مقر «البنتاغون» في ليلة عرس وانتصار الديمقراطيين وسيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ وغالبية حكام الولايات .

جاء طرد رامسفيلد بمثابة هدية أو «عربون» من الرئيس الجمهوري جورج بوش لكسب ود زعماء الديمقراطيين، وقبل ساعات من استضافته لهم على مائدة غداء في البيت الأبيض، وكأنه يعترف لهم وللرأي العام بخطأ وحماقة انقياده خلف أوهام رامسفيلد، ومزاعم أتباعه من فريق المدنيين الذين سيطروا على قيادة أميركا العسكرية، وصاغوا خططاً ونسجوا أوهاماً عن «عراق جديد» يجسد نموذجاً لشرق أوسط أكبر .

وتظهر مفارقة السقوط المدوي لرامسفيلد، مقارنة بالصعود السريع لنجم المحافظين الجدد في سماء واشنطن قبل ست سنوات، وتبشيرهم بحروب وقائية لحماية الديمقراطية، وتكريس انفراد أميركا بزعامة العالم. حروب تنتقل بالمعارك من عصر الثورة الصناعية إلى قتال يليق بعصر ثورة المعلومات. بطريقة جعلت الضربة الأولى للعراق تحمل اسم “الصدمة والرعب” .

في البداية صيغت خطط غزو العراق على قاعدة من أهداف معلنة تدغدغ مشاعر السذج والمخدوعين برضاهم في منطقتنا، من جملة هذه الأهداف المعلنة لغزو العراق:

تحريره من نظام مستبد له سجل في جرائم حروب ضد الإنسانية، وإحلال الديمقراطية وترسيخها بالقوة الغاشمة، منع بغداد من استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد شعوب المنطقة وفي المقدمة طبعاً “إسرائيل” وحماية أمنها، القضاء على قوة ضاربة لتنظيم القاعدة يتحالف معها نظام الرئيس العراقي صدام حسين. وإجمالا الدفاع عن أمن الشعب الأميركي ضد خطر أسلحة الدمار العراقية .

ولتمرير خطة غزو العراق، أطلقت أضخم حملة تضليل وخداع إعلامي وأكاذيب سياسية، واجتهد فريق صقور البنتاغون وفي مقدمتهم ريتشارد بيرل «أمير الظلام» مستشار رامسفيلد في الحديث عن حرب بلا ضحايا، وحشود العراقيين الذين سيستقبلون القوات الأميركية بالورود .

وكما هو معروف سقط بيرل وطرد من البنتاغون، وضربه أميركي بالحذاء فعلا خلال مؤتمر في بورتلاند بولاية اريجون أثناء مناظرة مع الديمقراطي هوارد دين، في عام 2004، رداً على تمسكه بتبرير تصوراته عن عراق ما بعد الغزو .

رغم أن العراقيين لم يطلقوا اسم بوش على أكبر ميادين بغداد كما توقع، ولم تستقبل القوات بالورود بل بالقذائف والصواريخ والألغام المضادة للدبابات والأفراد، لدرجة جعلت توابيت القتلى من الجنود والضباط تتدفق يومياً على المدن الأميركية .

وانكب رامسفيلد ومستشارة الأمن القومي وقتها كوندوليزا رايس على إقامة أوسع تحالف مؤيد للغزو ومشارك فيه بطريقة أو أخرى. على أن “إسرائيل” كانت هي الحليف الأول غير المعلن والمشارك بقوات خاصة وطائرات تجسس وفرق استخبارات من الموساد، وشبكة واسعة من العملاء داخل العراق، بل وبأسلحة ومعدات .

وجود الحليف الإسرائيلي في قلب خطة غزو العراق، لم يكن مجانياً أو على سبيل المجاملة للراعي الأميركي، بل لأن غزو العراق كان في الأصل من أجل “إسرائيل” وبهدف أسمى هو تسريع ظهور الكيان الصهيوني كقوة إقليمية عظمى قائدة ومهيمنة على محيطها العربي والإسلامي. فلقد اعترف بوش خلال مناظرة انتخابية في الفترة الرئاسية الثانية أن حربه على العراق هدفها النهائي هو الحفاظ على أمن “إسرائيل” .

وفي اليوم التالي لسقوط بغداد، جاء موسم الحصاد الإسرائيلي سريعاً، وسرياً في معظمه وعلنياً في النادر من مجرياته، وتمثلت الجائزة الأولى في منح “إسرائيل” قسماً من كعكعة إعمار العراق، وتغلغلت أكثر من 28 شركة صهيونية عبر بوابات أميركية إلى السوق العراقي، وبلغ حجم تعاملاتها 25 مليار دولار .

على أن الأهم من كعكعة الإعمار الاقتصادية، هو الدور المتنامي ل”إسرائيل” في المشهد السياسي العراقي، وفي قلبه عمليات الاستخبارات وزرع العملاء وتمرير خطط إثارة الفتن الطائفية، واغتيال علماء الذرة العراقيين، والتشويش على عمل المقاومة، وفي النهاية تمهيد أفضل الأجواء لتقسيم العراق إلى دويلات طائفية متصارعة، تكون دعامة راسخة لبقاء الكيان الصهيوني العنصري، وإخراجه من كونه كياناً منبوذاً وخارجاً على النسق الحضاري للمنطقة .

والآن مع صدمة سقوط رامسفيلد وانكشاف فشل حرب العراق، واقتراب ساعة الحقيقة الأميركية والاجماع على المطالبة بالانسحاب من «مستنقع» الخسائر، جاءت لحظة رعب “إسرائيل” من مصير فشل الرهان على العراق لتمرير مشروع تقسيم الدول والأقطار العربية إلى «كانتونات» طائفية تنعي للأبد المشروع الحضاري والقومي العربي .

لحظة صدمة سقوط رامسفيلد ورعب “إسرائيل” تفسر لنا إصرار المؤسسة الصهيونية بنخبتها العسكرية والسياسية والبحثية على تحريض واشنطن ضد الانسحاب من العراق قبل تقسيمه، لأن ذلك سيكون هو الفشل الحقيقي ولا يدرك هؤلاء أن الفشل كان قدراً مقدوراً ولد مع حرب شنت بأدلة كاذبة وشعارات زائفة، وجلبت الدمار للعراق وحاصرت أميركا بطوق عداء يكاد يخنقها إن لم تواجه استحقاق المراجعة .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات